فوزي المعلوف:
ولد هذا الشاعر الخالد في اليوم الحادي و العشرين من شهر أيار عام 1899م في زحلة و أبوه العلامة الغربي الرحوم الشيخ عيسى اسكندر المعلوف
فقد ولد في ميعة الربيع من فصول السنة و مات في ميعة الربيع و هو ما يزال يتنسم عبير الثلاثين من حياته الغنية بالأدب و الشعر الحافلة بالنبل و الجاه المملوءة بجلائل الأعمال في سبيل إعلاء شأن الأدب العربي و الأمة العربية
و قد تلقى دروسه الأولى في المدرسة الشرقية في زحلة ثمّ في مدرسة الفرير الكبرى في بيروت و في أثناء ذلك أتقن العربية و الفرنسية و قد أضاف إليهما البرتغالية و الإسبانية بعد هجرته إلى البرازيل
بدأ فوزي يعالج نظم الشعر و هو في الرابعة عشرة من عمره فيوفق في بعضه و يخفق في البعض الآخر و كذلك كان يعالج النثر تأليفا و ترجمة و لكن لم يطبع شيء من نثره في حياته كما أنّ أكثره لم تكمل مادته
في أيلول 1921م هاجر فوزي إلى سان باولو في البرازيل حيث انصرف إلى الصناعة و التجارة مما در عليه الغنى العاجل و لكن ذلك لم يصرفه عن الشعر و الأدب
ثمّ أنشأ المنتدى الزحلي في سان باولو عام 1922م و مضى يغذيه بنتاجه الأدبي الرائع خطابة و تمثيلا
و من رواياته التي مثلت هناك "ابن حامد,سقوط غرناطة" و قد نشرت بعد ذلك في منشورات العصبة ثمّ أعيد طبعها في لبنان أكثر من مرة
و لا بد من الإشارة إلى عناوين بعض كتبه النثرية فقد ألف رواية الحمامة في القفص التي بدأها و هو في سن السادسة عشرة و صفحات غرام و على ضفاف الكوثر
أمّا أخلاقه في معاملاته للناس فكانت دائما مثالا للنبل فقد كان حب الخير رائده و الابتسامة الرضية المشرقة لم تكن تفارق ثغره فكان محبوبا مكرما حيثما وجد و لا أدل على ذلك من قول الدكتور فيليب "قلّ من الشبان الذين تعرفت بهم في السنين الأخيرة في القارات الخمس من أثر في نفسي أثرا مستحبا أشد من الأثر الذي تركه فيّ فوزي المعلوف..فهو في كل الحالات هو هو رضى الأخلاق لطيف المعشر كبير النفس بعيد النظر على استعداد دائم للعطف على كل مشروع خير... "
و لكن هذا الشاب الذي امتلك المال و الجمال و الشباب و الجاه و العافية و الشاعرية المبدعة و استحق الإجلال و الإكرام في كل مكان وطئته قدماه كان أبدا منطويا على نفسه ينتزع من بين حناياها تأملات تقطر بالألم و تنضح بالتشاؤم لقد كان متشائما إلى أقصى حد مما طبع أكثر شعره بهذه الصبغة السوداء فهو ناقم على الحياة و المجتمع لا يرى فيهما بذرة من خير و لا مكانا للسعادة و هذا التشاؤم رافق حياة الشاعر كلها منذ الصبا فقد ذكر شقيق فوزي شفيق في كتاب الذكرى "أنّ فوزي قد كتب قبل هجرته إلى البرازيل على إحدى المفكرات مايلي خلقت في أيار في حضن الربيع و الأرض بما فيها زاهية باسنة و أنا فوقها منقبض النفس مقطب الجبين و ما أمر العبوسة في محيط الابتسامات لذلك أتمنى أن يطرحني الدهر عند موتي في حضن الخريف بين اصفرار الأوراق و ذبول الزهور و بكاء السماء حينذاك قد أبسم عند عتبة الموت غير آسف لفراق حياة قطعتها في خريف صامت ذاو و تركتها في خريف صامت ذاو"
و في عام 1921 كتب تحت أحد رسومه
كلّ هذي الحياة وهم و هذا ال رسم وهم و ما أنا غير وهم
غير أنّ الرسوم تبقى طويلا و أنا أمّحى بروحي و جسمي
و كتب تحت رسم آخر كان يبدو فيه عابسا
وقفت أجيل الطرف فيما يحيط بي فلم أر حولي ما يبش له ثغري
فلا تعجبوا إن كنت في الرسم عابسا فما الذنب ذنبي إنّما الذنب للدهر
يتبع