الكلمـــــة الحـــــرّة
الكلمـــــة الحـــــرّة
الكلمـــــة الحـــــرّة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الكلمـــــة الحـــــرّة

منتدى ثقافي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المقامر

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
كريم الراوى
مشرف منتدى البوح و القصة
كريم الراوى


عدد المساهمات : 92
نقاط : 15731
تاريخ التسجيل : 14/02/2010
العمر : 35
الموقع : قاهرة المعز- مصر

المقامر Empty
مُساهمةموضوع: المقامر   المقامر I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 8:09 pm

هذه القصة لأحد الكتاب الذين اعشق خطة اقلامهم دائما وهو المفكر الجليل د . مصطفى محمود




وضع المقامر ألف جنيه علي المائدة في تحد وهو ينظر في عين الرجل الذي يلاعبه وينفث خيطا حادا من الدخان‏..‏

ـ اتعرف لماذا يجد المحب لذة في عبوديته للمرأة التي يحبها؟

أجاب الآخر وهو يدلق بقايا كأس في جوفه‏.‏

ـ لماذا؟

ـ لأنه لا يفطن أنها عبودية بل يخيل إليه أنها حرية‏..‏ ألا يكسر القوانين ويحطم الشرائع ويباشر الممنوعات‏..‏ وأخرج خيطا آخر من الدخان‏.‏
ـ وكذلك نحن عبيد القمار لذتنا في تخيلنا بأننا نتسلق علي كتف القدر‏,‏ وبأننا نخالسه ونغير ونبدل في الأرزاق ونسرق من الغيب‏.‏

قال الآخر في ثقة مطلقة‏:‏

ـ نعم‏..‏ وهذه ألف جنيه مثلها وأتحداك أني سوف أربح‏..‏ اكشف ورقك‏..‏ أرأيت ـ كيف خالست القدر وأخذت هذه الألف الأخري؟

ـ إنه إحساس رائع‏..‏ أليس كذلك‏.‏

ـ نعم أشبه بإحساس الدرويش الذي يخرق الحجب‏.‏

ـ إحساس يصرع القلب في المكسب‏.‏

وأردف الآخر في برود‏:‏

ـ ويصرعه في الخسارة‏.‏

ثم وضع يده في جيبه وأخرج شيكا بألف أخري ألقاه في بساطة علي المائدة وهو يقول‏:‏

ـ كان المقامر في الماضي بعد أن يخسر كل شيء يقامر علي زوجته ثم يبيع أولاده‏.‏

وفي النهاية حينما لا يبقي إلا جسمه يطلق عليه الرصاص ويدفع حياته ثمنا لآخر لعبة‏.‏
ـ وأي لعبة‏..‏

ـ لعبة اختراق مائدة الدنيا كلها والذهاب إلي الآخرة‏.‏

ـ لعبة ليس فيها مكسب أبدا بل خسارة كلية والي الأبد‏.‏

ـ ولكن من يلعبها يتصور دائما أشياء أخري‏..‏ يتصور أنه استراح وخرج من عذابه وخرج من نفسه‏.‏

ـ وهل خرج احد من نفسه وهل يستطيع‏..‏ تلك أكبر كذبة‏.‏

ـ ولكننا أمام هذه المائدة‏,‏ علي الأقل نخرج من أنفسنا ونأخذ إجازة من عقولنا ولو علي مدي ليلة‏.‏

ـ بل ما نفعله هو عين أنفسنا وذات أنفسنا‏..‏ ذلك التدميرالذي نباشره هو أنفسنا وذلك التهور والسفه والحمق وتعجل المصير‏,‏ والقفز علي كتف القدر وتسلق أسرار الغيب هو أنفسنا‏..‏ ومن يفعل كل هذا غيرنا‏..‏ وهل فعلنا ما فعلناه تمثيلا علي أنفسنا‏..‏ أم أنها الحقيقة‏.‏

ـ بل الحقيقة وعين الحقيقة‏.‏

ـ وسر لذتنا أننا نعيش حقيقتنا‏..‏ هل تصدق أني أحيانا أشعر برجفة لذة وأنا أقلب الورقة لأعرف الحقيقة‏.‏

ـ وهي لذة أقوي من كل لذة‏,‏ ولهذا نضيع في سبيلها كل شيء‏..‏

وقد ظل الرجل أسيرا لهذه اللذة‏,‏ يباشرها في ذهول مقيدا بقيود خفية إلي كرسيه حتي طلع الفجر وحتي خسر كل مايملك‏.‏

وحينما قام في النهاية كان رصيده الضخم في البنوك قد أصبح صفرا‏.‏

وخرج ليمشي وحده علي شاطئ النيل‏,‏ والفجر الرمادي يصفع وجهه بنسمات باردة فيفيق علي شيء ثقيل كالجدار يمتد أمامه في الجهات الأربع‏,‏ فيسد عليه المسالك فهو يمشي وكأنه لا يمشي ويتنفس وكأنه لا يتنفس‏.‏

وشعر أنه مات تماما ولم يبق إلا إعلان خبر وفاته‏.‏

وانهار علي مقعد من المقاعد الحجرية المتناثرة علي النيل‏.‏

هل يمكن أن يكون للإنسان أكثر من نفس واحدة‏.‏ إنه يشعر الآن بنفس أخري تتكلم فيه غير تلك التي كان يجلس بها علي مائدة القمار‏..‏ نفس أخري لوامة تلومه وتعتب عليه‏,‏ وتحاول أن تهديه وتبصره وتفتح أمامه أبواب الأمل‏,‏ وترشده إلي حياة أخري شريفة منتجة نافعة‏,‏ غير تلك التي عاشها كابن وحيد وارث للملايين‏.‏

وهي تقول له‏:‏ إن كل ماحدث كان نعمة‏..‏ وإنه لم يخسر إلا قيوده‏,‏ وإلا تلك الأغلال التي كانت تجعل منه ذلك الرجل الكسول المتواكل الذي يعيش عالة علي ثروة رجل ميت‏,‏ وإنه من الآن سوف يعمل ويكافح ويري الحياة في ضوء جديد‏..‏ من الآن سوف يوظف عقله في شيء آخر غير‏(‏ البوكر والكنكان والبكاراه وسوف يوظف قدميه ويديه في شيء آخر غير الذهاب والعودة من الكازينو كل ليلة‏.‏

إنه سيكون ميلادا وبعثا لإنسان جديد‏,‏ وموتا ونهاية لإنسان قديم‏.‏

ولكن هل مات ذلك المقامر بالفعل‏,‏ أم أن إمكاناته فقط هي التي ماتت‏.‏؟‏!!‏

لكم تمني في تلك اللحظة وهو يستعرض شريط حياته التافه الذي أنفقه علي موائد القمار لو أن ذلك المقامر قد مات بالفعل‏:‏ وانتهي إلي غير عودة‏.‏

لكم تمني هذه الأمنية بحرقة وصدق وإخلاص‏,‏ حتي لقد بدا له كل ماخسر وكل مافقد وكل ماأنفق‏..‏ بدا له كل هذا ثمنا قليلا يدفعه عن طيب خاطر في سبيل موت هذه النفس التي ضيعته‏.‏

ولأنه كان صادقا فقد شكر الله علي ماخسر‏,‏ بقدر ماكان يشكره علي ماكان يكسب‏.‏
ولقد رأي الله صدقه فتاب عليه وكتب له أن يولد من جديد رجلا آخر‏.‏

الطفل العميق‏!‏

حينما كنا أطفالا كانت الدنيا تبدو في عيوننا متحفا رائعا مليئا بأشياء غريبة مذهلة مدهشة‏.‏ وكنا لانكف عن الدهشة كلما وقعت عيوننا علي شيء‏..‏ ولانكف عن السؤال‏..‏ ولانكف عن الفضول‏..‏ ولاتشبعنا إجابة‏..‏ إذا قالوا لنا هذه شجرة‏..‏ عدنا نسأل بكل براءة‏..‏ وما الشجرة‏..‏ فيقولون لنا‏..‏ نبات اخضر‏..‏ وما النبات الأخضر‏..‏ نبات له جذور وفروع وأوراق‏..‏ وما الجذر وما الفروع وما الأوراق‏..‏ مثل الأرجل والسيقان‏..‏ وما الأرجل والسيقان‏..‏ قوائم مثل قوائم الكرسي‏..‏ وما الكرسي‏..‏ آلاف الأسئلة‏..‏ ولانهاية‏..‏ ولاشبع‏..‏ ولا جواب يشفي غليل العقل المتطلع الي الحقيقة‏..‏ ولا كلمة

تحمل لنا مدلولا‏..‏ كلها كلمات فارغة بلا معني

ونحن حينما نتذكر هذه الأسئلة الآن وبعد أن كبرنا يخيل إلينا انها كانت إلحاحا تافها‏..‏ ولجاجة سمجة‏.‏

والحقيقة أنها لم تكن أبدا إلحاحا تافها‏..‏ وإنما كانت اكتشافا خطيرا‏..‏

لقد اكتشفنا بها إفلاس اللغة‏..‏ فما اللغة إلا مجموعة حروف وإشارات مثل إشارات مورس التلغرافية ليس فيها صدق غير الصدق الاصطلاحي الذي اصطلحنا عليه‏..‏ كل الكلمات ليست سوي اصطلاحات مرغمة علي دلالات هي بريئة منها‏..‏ مجرد بطاقات كبطاقات التسعيرة قابلة للاستبدال من بلد إلي بلد ومن لغة إلي لغة ومن زمن إلي زمن‏..‏ أما الحقيقة ذاتها فهي بلا اسم‏..‏

الحقيقة مطلقة من الأسماء‏..‏ نباشرها بقلوبنا ولا نستطيع أن نسميها بأسماء تحيط بها‏..‏

بيننا وبين الحقيقة فرقة وانشقاق‏..‏ ارتباطنا بالحقائق ارتباط سطحي‏..‏ ارتباط بألفاظ‏..‏ ارتباط بأجسام‏..‏ خبز وثرثرة وعادات متوارثة وكلمات محفوظة وحياة تمر علي طريقة قتل الوقت‏..‏ وقتل الحياة‏..‏ قزقزة لب‏..‏ وإحراق سجائر‏..‏ وإحراق أيام‏..‏ ماذا نأكل اليوم‏..‏ كيف ننفق ملل هذا المساء‏..‏ كيف نوقع هذه المرأة في حبائلنا‏..‏ غرائزنا تسد علينا أبواب إدراكنا‏..‏ لا يكاد الواحد منا يري أبعد من ساق زوجته‏..‏ لا يكاد يري أبعد من غرفة نومه‏..‏ وغرفة طعامه‏..‏ وأنانيته توصد عليه الباب أكثر بأن تسجن أفكاره في حلقة مفرغة من الحقد والحسد والغيرة والمصلحة‏..‏ نوم عميق وحياة أشبه بالطقوس البدائية‏..‏ لا شيء يضيء هذه الحياة سوي اللحظات الطفلة‏..‏ اللحظات التي نرتد فيها الي طفولتنا وبراءتنا ونشاهد الحياة في بكارتها ونظافتها وعذريتها من قبل أن تدنسها الكلمات‏.‏

لحظات الصحو والانتباه والرؤي الطاهرة التي تقفز بنا عبر أسوار المألوف والمعتاد وتكشف لنا وجوها أخري من وجوه الحقيقة‏..‏

وهذا هو ما قصده النبي أيوب حينما قال كلمته المعروفة في التوراة وقد بلغ به العذاب والصبر مداه‏..‏ فقال مخاطبا ربه‏:‏

الآن تستطيع عيني أن تراك‏..‏

من ذروة العذاب والألم رأي أيوب الحقيقة في لحظة من هذه اللحظات الملهمة‏..‏ رأي قدسية الحياة برغم الشقاء وبرغم الألم‏..‏ وشعر بهذه القدسية في نفسه‏..‏ في إصراره وصموده وصبره وصراعه مع المستحيل الذي بلغ الذروة‏..‏ دالا بذلك علي منتهي حريته‏..‏ فابتهج لأنه أصبح جسد الحرية ولحمها ودمها‏..‏

وهي اللحظة نفسها التي صرخ فيها الطفل في قصة هانز أندرسون وأشار الي الإمبراطور وهو يغرق في الضحك قائلا‏:..‏ ألا ترون أن الإمبراطور عريان‏..‏

إنه الوحيد الذي لم ينخدع بحكاية الثوب الخرافي الذي نسجه الدجالون للإمبراطور‏..‏ الوحيد الذي نظر الي الإمبراطور فوجد أنه لا يلبس شيئا‏.‏ فقال ببراءة وصراحة وبلا خجل ولا رياء‏..‏ انظروا‏..‏ ألا ترون أن الإمبراطور عريان‏..‏

وهذا أعمق ما في الطفل‏..‏ تلك البراءة التي لا تعرف الخوف ولا الخجل ولا الكياسة ولا المجاملة‏.‏

حينما يرفع إلينا الطفل وجها يقطر بالبراءة والسذاجة ليسألنا من أين جئتم بي إلي هذه الدنيا؟

فإنه في الحقيقة يضع سؤالا لا يستطيع أن يجاوب عليه أحد‏.‏ سؤالا أعمق من كل أفهامنا وأفهام آبائنا وأجدادنا من الفلاسفة الذين أفنوا أعمارهم في التفكير‏..‏

من أين جئنا إلي هذه الدنيا‏..‏ وإلي أين نذهب؟‏!‏

لا أحد من الكبار يعرف‏..‏ ولا أحد يحاول أن يعرف‏..‏ ولا أحد‏..‏ يفكر‏.‏

كلنا أرحنا أنفسنا من التفكير ومن الأسئلة ومن الأجوبة‏.‏ وشغلنا أنفسنا بما نأكل اليوم وما نشرب‏..‏ وكيف نقتل ملل هذا المساء وكيف نوقع هذه المرأة في حبائلنا‏.‏

ولكن الطفل البريء العميق‏..‏ مشغول‏..‏ وهو يطرح علينا سؤاله بكل براءة‏.‏

ومن هذه اللحظات النادرة‏..‏ من هذا القلق الطفل العميق الذي يهتك ألفة الأشياء المألوفة فتبدو غريبة غير مألوفة‏..‏ تتدفق الأسئلة التي يتألف منها فكر الإنسان وحضارته وتقدمه‏..‏ بدافع هذا القلق النبيل يعيد الإنسان النظر في كل شيء‏,‏ ويرفع المنظار المبتذل الذي يضعه علي عينيه ويكف عن الرؤية العادية المبتذلة‏,‏ ويبدأ في تقدير الأشياء بمعيار جديد ويحلق فوق مستوي غرائزه‏..‏ ويري أبعد من أنفه ويصلح من هندامه‏..‏ ويطور من تفكيره ولا يعيش ويموت كذباب ملتصق بالعسل‏.‏

في رؤي الفنان‏..‏ وأحلام القائد‏..‏ وإلهام المصلح‏..‏ هذه البراءة التي تكشف بضوئها فساد المألوف‏..‏ وقصور الواقع‏..‏ وتتطلع إلي حل‏..‏ وجواب‏..‏ وخلاص‏..‏

والعظيم هو الذي يحافظ علي براءته وعلي أفكاره الحرة المجنحة التي تزدري كل ما تواضع عليه الناس من واقع مألوف مبتذل‏...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فاتحة
الكاتبة القصصية



عدد المساهمات : 617
نقاط : 16755
تاريخ التسجيل : 12/11/2009
الموقع : سلا/ المغرب

المقامر Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامر   المقامر I_icon_minitimeالخميس فبراير 25, 2010 6:41 pm

السلام عليكم ورحمة الله
شكرا لك عزيزي على هذا النقل الرائع، فقد استمتعت به، رغم أن ضعفنا أحيانا يقودنا إلى المهالك، إلا أن فرج الله قريب وهو معنا أينما كنا، فما أعظمها من توبة لو كانت نصوح ، وما أحلاها من براءة. ولو أننا نعيش زمن " إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الكلمـــــة الحـــــرّة :: منتدى القصة-
انتقل الى: