السلام عليكم ورحمة الله
سراب
كنت أظن أنني فهمت الدنيا وعرفت ما يدور في خباياها وبين دهاليزها وفي غرفها المحكمة الإغلاق، ظننت أنني تمكنت أخيرا من الوصول لرأس الخيط الذي يقودني لدروب السعادة التي حلمت بها دوما والتي حاولت تخيل ملامحها فلم أوفق، ظننت أنني وصلت لنقطة الضوء التي سترشدني للطريق الذي تمنيت دائما السير فيه باطمئنان تام وحب كبير للحياة وأفتح نافذتي على مصراعيها لاستقبال الفرح والتغني به وعناقه والتمسك بأهدابه محاولة إضفاء " رتوش" من مساحيق مبهجة بألوان الورود، متزينة كعروس ليلة عرسها، متعطرة بأغلى العطور لأغريه بالاقتراب أكثر وأكثر والارتماء في أحضاني والسكون إلي.
لكنني وجدت نفسي أرسم في الهواء وعلى صفحات الماء، رأيت أحلامي تتسلل من بين أصابعي كالرمال وأعيد مشوار حياتي من البداية ومن نقط الصفر، ألهث وراء سراب ووهم كبير يغلفه الضباب، لغز محير اسمه السعادة عنوان عريض لدراما متخيلة، كذبة كبيرة صنعتها بنفسي وسيناريو قمت بحبك كل فصوله من البداية إلى النهاية بمنتهى الإتقان منتظرة فقط رفع الستار لألعب دور البطولة الوهمية أمام العشرات أو المئات من المتفرجين، ومن شدة زهوي بعملي حلمت أنني وقبل إسدال الستار على ’خر فصول حلمي سأسمع التصفيق وبكل حرارة على عمل سهرت وتعبت عليه سنين بل ربما أنال عله جائزة الأوسكار لأنني كتبته بدمي وجعلت روحي ترفرف بين كلماته المطرزة بكل الأحاسيس الدافئة النقية المتدفقة من القلب.
وعندما رفعت الستائر وجدت فراغا، سكون مطبق على المكان كسكون الأموات، فضاع حلمي وانتهى راحلا إلى بعيد حيث اللاعودة تاركا وراءه فكرا منهكا بالهموم والإحباط وشتى ألوان الانكسارات وجسدا ملغما، مثقلا بدروب حياة ماضية قاتمة يعاني ندوبا وكدمات من جراء صفعات ولكمات سببها الجري وراء وهم والتعلق بحبال ذائبة لسراب غاب وانطفا للأبد.