عسكرة العرب
وراء الانقسام
لنعترف بشافية مطلقة، أنّ هناك في غزّة حكومة تسيطر عليها حماس، وفي رام الله حكومة أخرى تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ولتكن شفافيتنا أكثر واقعية، إنّ لكل ٍ من حماس والسلطة الفلسطينية(فتح)،
فكرهما السياسي والإيديولوجي المختلف، وأنّ الفكر العقائدي الديني(حماس) والعلماني(فتح) نقيضين لا يجتمعان في الرؤى السياسية ولا في البرامج، ولنعترف بكل المنطقية الواقعية أنّ لحماس ارتباطاتها الإقليمية، وأنّ للسلطة ارتباطاتها الإقليمية والدولية، ولنذهب أبعد من ذلك، هناك معسكرين سياسيين يعكسان عسكرة العرب بين داعمٍ لحماس، وداعمٍ للسلطة، وبالتالي الانقسام الفلسطيني اليوم، يجسد حال الأمة العربية، على واقع الانقسام الفلسطيني.... لكن تتفاوت المصالح والبراغماتية بين الانقسام الفلسطيني وعسكرة العرب وراء هذا الانقسام،
* فالانقسام الفلسطيني يمثل كما أسلفنا حالة اختلاف حقيقي بين فكرين لا نقاط التقاء حولهما حتى تشكل نقاط توافق،أوأن تشكل أرضية مصالحة.
* بينما عند العرب الحالة أبعد وأشمل من الانقسام الفلسطيني فالفكر بين العرب هو واحد ولا خلاف في الفكر ولاحتى في المنهج، هذا الفكر هو(الحكم) والمحافظة على الحكم هو (السياسة)، والسياسة تتطلب(حكم الفرد ـ التبعية ـ التعسف ـ الثروة) كل هذه المتطلبات تشكل عوامل تجمع العرب على طاولة واحدة.
لكن أين نقاط الخلاف:
* حكم الفرد: لكل حاكم فكر يفرضه حال وصوله للحكم، حيث لا يوجد للدولة العربية لون فكري ولا سياسي ثابت، وبالتالي تتضارب الرؤى والأجندات بين الحكام، وكلٌ ينفذ أجندة فكرية تتعارض مع أجندة الآخر وبالتالي
يكون الخلاف والفرقة، والانقسام المؤدي للصدام في كثير من الحالات.
* التبعية: عموم الدول العربية تعسكر وراءها قوى دولية مختلفة الفكر والمنهج ومتباينة فيما بينها وبالتالي أنعكس هذا التباين على واقع الأنظمة العربية بولاءات متباينة، هذه القوى هي بواقع الأمر قوى مستعمرة تتزاحم وتتنافس على النفوذ وتقاسم الثروة، وفرض الهيمنة والسيطرة، على شعوب لها تاريخ وعلوم وأمجاد وماضي حكموا فيه الأرض، و حتى لا تفكر هذه الشعوب بثورات حقيقية تؤثر على هذه القوى وضرب مصالحها وربما زوالها، تفرض التعسف عليها من خلال الدكتاتورية الحاكمة كما هو الحال في معظم الدول العربية .......هذه التبعية المتباينة شكّلت بين الدول العربية نقطة خلاف يصعب عليها التخلص منها بالمنظور القريب.
هاتين النقطتين الرئيستين من خلاف الحكام العرب فرضت نفسها على الانقسام الفلسطيني النازف أصلاً فتعمّق الخلاف الفلسطيني ولامناص منه حتى تكون المعجزة ويعود الحكام إلى شعوبهم ورشدهم
فعسكرة العرب وراء طرفي الانقسام الفلسطيني ذو مصالح خاصة تهمّ الحكّام وأجنداتهم إلاّ من رحم ربّي، هذه المصالح توافقت مع مصالح البعض من أحد طرفي الخلاف الفلسطيني، مما شكّل محور خلاف متأزم آخر فوق كل محاور الخلاف الأخرى المتأزمّة أصلاً في الصف الفلسطيني