الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 23411 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: الأرملة المرضعة الأربعاء نوفمبر 25, 2009 11:31 pm | |
| الأرملة المرضعة معروف الرصافيلَقِيتُهـا لَيْتَنِـي مَـا كُنْـتُ أَلْقَاهَـا تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْـلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُهَـا رَثَّـةٌ والرِّجْـلُ حَافِـيَـةٌ وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ فـي الخَـدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَـرَّتْ مَدَامِعُهَـا وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَـا وَيُسْعِدُهَـا فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْـدِهِ بِالفَقْـرِ أَشْقَاهَـا
المَـوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْـرُ أَوْجَعَهَـا وَالهَـمُّ أَنْحَلَهَـا وَالغَـمُّ أَضْنَـاهَـا
فَمَنْظَرُ الحُـزْنِ مَشْهُـودٌ بِمَنْظَرِهَـا وَالبُـؤْسُ مَـرْآهُ مَقْـرُونٌ بِمَرْآهَـا
كَرُّ الجَدِيدَيْـنِ قَـدْ أَبْلَـى عَبَاءَتَهَـا فَانْشَـقَّ أَسْفَلُهَـا وَانْشَـقَّ أَعْلاَهَـا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ وَيْـلَ الدَّهْـرِ مِئْزَرَهَـا حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَـا وَالبَـرْدُ يَلْسَعُهَـا كَأَنَّـهُ عَقْـرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَـاهَـا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَـرْدِ مُرْتَجِفَـاً كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْـرَى وَلِيدَتَهَـا حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
قَـدْ قَمَّطَتْهَـا بِـأَهْـدَامٍ مُمَـزَّقَـةٍ في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَـا تَشْكُو إِلَى رَبِّهَـا أوْصَـابَ دُنْيَاهَـا
تَقُولُ يَـا رَبِّ لا تَتْـرُكْ بِـلاَ لَبَـنٍ هَذِي الرَّضِيعَـةَ وَارْحَمْنِـي وَإيَاهَـا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيـبِ طِفْلَتِهَـا إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَـفَّ ثَدْيَاهَـا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَـدْ ذَبُلَـتْ كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْـثِ أَظْمَاهَـا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُـولَ اللَّيْـلِ بَاكِيَـةٌ وَالأُمُّ سَاهِـرَةٌ تَبْـكِـي لِمَبْكَـاهَـا
يَكَـادُ يَنْقَـدُّ قَلْبِـي حِيـنَ أَنْظُرُهَـا تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَـا فَاهَـا
وَيْلُمِّهَـا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُـرَوَّعَـةً وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْـلِ أَرْعَاهَـا
تَبْكِي لِتَشْكُـوَ مِـنْ دَاءٍ أَلَـمَّ بِهَـا وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَـا كُنْـهَ شَكْوَاهَـا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَـاءِ أَرْحَمُهَـا وَلَسْـتُ أَعْلَـمُ أَيَّ السُّقْـمِ آذَاهَـا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْـرِ رَوَّعَهـا بِالفَقْرِ وَاليُتْـمِ آهَـاً مِنْهُمَـا آهَـا
كَانَـتْ مُصِيبَتُهَـا بِالفَقْـرِ وَاحَـدَةً وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْـمِ ثَنَّـاهَـا
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْـتُ أَسْمَعُـهُ مِنْهَا فَأَثَّرَ فـي نَفْسِـي وَأَشْجَاهَـا
حَتَّى دَنَـوْتُ إلَيْهَـا وَهْـيَ مَاشِيَـةٌ وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَـدِّ مَجْرَاهَـا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِـي رَجُـلٌ أُشَارِكُ النَّـاسَ طُـرَّاً فـي بَلاَيَاهَـا
سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا في قَالَةٍ أَوْجَعَـتْ قَلْبِـي بِفَحْوَاهَـا
هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَـا مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِـي بِـهِ اللهَ
ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْـبِ مِلْحَفَتِـي دَرَاهِمَـاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِـي بَقَايَاهَـا
وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْـكِ تَكْرِمَتِـي بِأَخْذِهَـا دُونَ مَـا مَـنٍّ تَغَشَّـاهَـا
فَأَرْسَلَـتْ نَظْـرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِـنْ رَمَايَاهَـا
وَأَخْرَجَتْ زَفَـرَاتٍ مِـنْ جَوَانِحِهَـا كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَـاقِ أَحْشَاهَـا
وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَـتْ وَهْـيَ بَاكِيَـةٌ وَاهَاً لِمِثْلِـكَ مِـنْ ذِي رِقَّـةٍ وَاهَـا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْـرِ مَـنْ تَاهَـا
أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَـةٌ لَمْ تَشْـكُ أَرْمَلَـةٌ ضَنْكَـاً بِدُنْيَاهَـا
هَذِي حِكَايَـةُ حَـالٍ جِئْـتُ أَذْكُرُهَـا وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا
أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْـفِ النَّـاسِ أَرْمَلَـةٌ وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا | |
|