الحبّ بنظرة عمر

أبو ريشة لم يؤخذ بخلابة الوصف و لم يتبار فيه على المعاني بل عالج أمر المرأة في وجه التنازع و المرارة و الذكرى و الخيبة و الكبرياء و الغربة شاعرا عبر أحواله جميعا معها بنوع من الخيبة و اليأس و انه يقبض فيها على طيف مخادع لامرأة أخرى يتوق إليها و يحلم بها

و ربما شعر ببعض الفرح في لقائها إلا أن الحبيبة تفر من دونه و تتولى مخلفة في نفسه ندوب الندم و المرارة

أردت أنت انطلاقي إلى الخباء المعلّي
إلى ملاعب دنيا ما زارها الوهم قبلا
و لم أكن لك كفوا و لا لحبك أهلا
و غبت ......لم تتركي لي من القليل الأقلا
لم أدر كيف تصدى لي النعيم و ولّى

و قد تبدو سعادة الحب في شعره مخادعة كاذبة لا حقيقة و لا دوام لها

للحب, هذا العمر يادنيا
لا تحجبي من خيره شيّا
لولاه ما كنتِ الجمال و لا
فجّرت لي نعماءه وحيا
كيف الحياة إذا رزئت به
فطويت سفر عهوده طيّا
الكون أوهى بعده سندا
و الموت أشهى بعده لقيا

و في الأبيات التالية نجد الشاعر يرسم صورة دانية من الأولى

و تمرّ بي الأيام ...يا دنيا
و تسلّ خيرك من يدي بغيا
و أسير خلف ركاب وحشتها
ووراء جفني تغرق الرؤيا
ما كان أغرب كلِّ أخيلتي
الحب مات و لم أزل أحيا

و في مقاطع أخرى نعثر على الحب المتحرر من الحسرة

بتنا و ذراعانا قيدا
دنيا بالفتنة متسمه
و مراشفنا ريّا و جوانحنا
بالنشوة مضطرمة
و محاجرنا غرقى فيما
سكبته يقظتنا النّهمه
و انفض الليل و ما مرت
في مسمعه منا كلمة

و يقول أيضا
مرّت بنا ليلتان بالسهد موصولتان
و العشب مضجع رفق و الدوح ستر حنان
و أنت مجلى ذهول مخضب عنفواني
ما تكتمين أجيبي يا ثورة في كياني
فيم الوجوم أريني عينيك ما تخبراني

و يرجع الشاعر إلى الفراق في
تشبثي بي و زيدي ما شئت منّي تداني
و خبئي فوق صدري الوجه الذي لا يراني
ما أقرب الفجر منا و من سراب الأماني
حسناء إنّ جناحي طيرين يصطفقان
و نجمة من بعيد تقول لن تذكراني

ونجده يقول أيضا في قصيدة وداع
قفي لا تخجلي منّي
فما أشقاك أشقاني
كلانا مرّ بالنمعى
مرور المتعب الواني
و غادرها كومض الشوق
في أحداق سكران
*****
قفي لن تسمعي منّي
عتاب المدنف العاني
فبعد اليوم لن أسأل
عن كأسي و ندماني
خذي ما سطرت كفّاك
من وجد و أشجان
صحائف طالما هزت
بوحي منك ألحاني
خلعت بها على قدميك
حلم العالم الفاني
لنطو الأمس و لنسدل
عليه ذيل نسيان
فإن أبصرتني ابتسمي
و حييّني بتحنان
و سيري سير حالمة
و قولي...كان يهواني

فلحب عمر ألوان متعددة فحينا يتنكد فيه بالفراق و حينا بالعذاب و حينا آخر يتحرر من حسرة الفراق

نظرة الشاعر إلى الحبيبة تختلف باختلاف المكان و الزمان و الظروف

النفسية الإجتمعاية التي يعيشها الشاعر ، و باختلاف زاوية النظر

إيها أيضا . فقد يشكو الشاعر من البعد ، و قد يمدح الحبيبة و يتغنى

بخصالها ، و قد يتألم من الخيانة ... و لكنه ثابت في مشاعره تجاهها

متغنيا بصدقه و بوفائه .

شكرا لك على الموضوع

و تحياتي إليك

» أيّها الحبّ
» الحبّ بين الرجل و المرأة
» ان تلاشت بقايا الحبّ بيننا