أنواع من المدافن في تدمرالمدافن البرجيةهي أقدم أنواع المدافن وتعود للقرن الأول قبل الميلاد، وهي مربعة الشكل ويقوم كل منها فوق مصطبة مدرّجة، ويتألف المدفن من عدة طوابق بينها درج حجري. وأجمل نماذج المدافن البرجية مدافن إيلابل ، ويمليكو، وكيتوت.
المدافن الأرضيةتعود للقرن الأول قبل الميلاد، وللمدفن مخطط ذو جناح رئيسي وأجنحة فرعية، كسيت من الداخل بطبقة من الجص، وعلى الجص نفذت بالألوان مشاهد من الحياة والأساطير وصور الموتى والزخارف الهندسية والنباتية والكتابات. وأجمل هذه المدافن مدفن الأخوة الثلاث ومدفن نصر اللات، ومدفن يرحاي وغيرها الكثير.
المدافن البيتيةتعود لنهاية القرن الأول الميلادي، يتألف المدفن من طابق واحد يتقدمه مدخل جميل وباب من الحجر المنحوت، في داخله باحة مكشوفة تحيط بها أروقة تحمل سقوفا، وحولها من الداخل مصاطب بنيت فيها المعازب، من أجمل هذه المدافن، مدفن عيلمي بن زبيدا، ومدفن القصر الأبيض، ومدفن قصر الحية.
الاقتصاد التدمريجعل الاقتصاد المزدهر من تدمر واحدة من أمهات المدن في العالم القديم، وكانت في وقت ما قلب التجارة الدولية بين الشرق والغرب. وقد ولّدت تجارة القوافل طبقة ثرية من أصحاب القوافل تتباهى برفع عمائر ومدافن رائعة باذخة الزخرف، وخلقت في المدينة كل أسباب الحياة الراقية من مسرح وحمامات وقاعات ولائم. سمى العالم روستوفتسيف تدمر بـ "مدينة القوافل"، فكل تدمري حر ميسور كان تاجراً وبصورة أخص صاحب قافلة أو مشاركاً في نشاطها. كانت القافلة لب الاقتصاد التدمري، وقد أثرت القوافل على شكل تنظيم المدينة وعلى إنتاجها وعلى قوانينها المالية وعلى صورة حياتها اليومية.
شعب تدمر، اللغة والكتابةالكتابة التدمرية
تشكل أسماء العلم التدمرية والطقوس والشعائر الدينية، وعدد كبير من الأرباب، برهاناً قاطعاً على أن الكثرة الساحقة من سكان تدمر وإقليمها هم من العرب، وقد احتفظوا بتقاليدهم العربية، وظل نظامهم الاجتماعي الأساسي نظام قوافل وتجارة قوافل. وكان التدمريون يستخدمون في كتاباتهم اللغة الآرامية التي كانت لغة الكتابة والمراسلات في آسيا الغربية منذ أيام الأخمينيين، وإن كانت آرامية تدمر تستخدم بعض المصطلحات والصيغ العربية.
وتعتبر النصوص التدمرية المنتشرة من بادية الشام إلى شمال إنكلترة أهم مصدر عن تدمر، أما في مدينة تدمر نفسها فقد عثر حتى اليوم على ثلاثة آلاف نص تدمري، بينها مئات النصوص المحررة بالتدمرية والإغريقية التي كانت اللغة الرسمية للحكم الروماني في سورية. أما النصوص اللاتينية في تدمر، فهي تعد على أصابع اليدين، وأقدم نص تدمري معروف يعود لعام 44 ق.م، وأحدثه يعود لعام 272م، وهو عام سقوط تدمر بيد الإمبراطور الروماني أورليان. والتاريخ السلوقي (تشرين الأول 312 ق.م) هو المنطلق في تأريخ النصوص التدمرية.
الديانة في تدمرتتصف الديانة التدمرية بالاصطفائية والتوفيقية، وفي مجمع الأرباب التدمريين نحو ستين معبوداً، على رأسها الرب البابلي الأصل بل (مردوخ)، وقد وحّد في أيام اليونان والرومان بالرب زفس/جوبيتر، ومع بل يكون عادة الربان يرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر). وكان للرب نبو ابن بل شعبية كبيرة في تدمر، أما الرب الكنعاني بعلشمين (رب السموات) فكان على رأس مجموعة أخرى من الأرباب. وكان التدمريون يتعبدون اللات والعزى ومنوه ورضو وشمس وغير ذلك من المعبودات العربية. وكان أهم مظهر من مظاهر الشعائر الدينية التدمرية الطواف حول الهيكل المركزي للمعبد، وحمل صنم المعبود على جمل تحميه قبة حمراء من أدم، كما هي العادة لدى بعض القبائل العربية أيام الوثنية، وكانت الكهنوتية منظمة، ولها درجات واختصاصات منها الحجبة، كما يستنتج من النصوص.
الفن والعمارة في تدمرحافظ الفن التدمري، خلال القرون الثلاثة الأولى والتي تركت لنا أجمل المنجزات الفنية والعمائر التدمرية، على سماته الشرقية السورية المتأثرة بالتقاليد الهلنستية والآسيوية عموماً، وازداد التأثر بالتقاليد الإغريقية الرومانية منذ القرن الثاني الميلادي.
ظهرت في تدمر إثر ازدهارها طبقة من التجار وشيوخ القبائل والقوافل وكبار كهان المعابد وسدنتها، وكانت تلك الطبقة تدير المدينة التي استطاعت تأمين استقلالها الذاتي وإدارتها السياسية والمالية، وغدت حليفة لرومة في صراعها المرير مع الفرس. وامتازت هذه الطبقة بترفها وولعها بالبذخ وتشييد المعابد والقصور وقاعات الولائم، ولاسيما المدافن الحافلة بجميل الزخرفة ولطائف النحت. وصار لتدمر فن وعمارة لا تلتبس هويتهما على الناظر.
السمات العامة للفن التدمرياتبع الفن التدمري تقاليد الفن السوري – الرافدي المعروفة في أقدم عصوره. وقد تأثر تأثراً واضحاً بالفنون الهندية والفرثية (الفارسية القديمة). إضافة إلى تأثيرات كلاسيكية إغريقية ورومانية. وكانت تدمر من الناحية العمرانية متأثرة بالتخطيط اليوناني الروماني إلى حد كبير، وكذلك في شكل الأعمدة والتيجان، لكن الآثار النحتية، كالتماثيل والصور الجدارية، بقيت خاضعة أساساً لقواعد شرقية كالتوجه للأمام والاعتماد على الخطوط الواضحة والمحددة للأشخاص والمعالم.
يمتاز النحت، أبرز آثار الفن التدمري، بقوة التعبير، وتوحي نماذجه الكثيرة برجولة الرجال وتقشفهم ونبلهم، وجمال النساء وترفهن. وللمنحوتات التدمرية طور عتيق منفذ على الحجر الكلسي الأصفر الطري الذي يسهل تطويعه، وتتسم بسمات مشتركة: ثياب بسيطة مثنّاة على الأذرع كالأساور، ومحورة على الثوب بشكل شعاعي غير خاضع لحركة الجسم. المتجه إلى الأمام وإلى الجانب، فالرأس وحده يحدد اتجاه الحركة، والوجوه حليقة، والأنف متصل بخط واحد مع الجبهة، والعينان جفناهما محددان بوضوح، والشعر مصفف بشكل متوازيات، وتجاعيد الرقبة ممثلة بقوسين متوازيين. وفي هذه المنحوتات لا يرتدي الرجال الزي الحربي، كما في بعض المنحوتات الأحداث عهداً.