العلاقة بين غزة وسطح القمر

صحيح أن إغلاق معبر رفح والتشديد من قبل السلطات المصرية في منع سكان قطاع غزة من السفر أمر سلبي وينم عن مدى إحكام الحصار والمشاركة فيه، إلا أنه إيجابي في بعض الأحيان، ويخدم هذه البقعة الصغيرة التي أصبحت تشبه إلى حد كبير سطح القمر! فلو فتحت مصر معبرها الحدودي على مصراعيه وسمحت للغزّيّين بالتنقل والسفر بحرية ما بقي في القطاع من أحد، وبإمكان أي شخص أن يتأكد من صحة رغبة سكان غزة في الهجرة من خلال النزول إلى الشارع وأخذ عينة عشوائية وطرح سؤال: هل ترغب في الهجرة؟ ستكون الإجابة بالتأكيد "نعم" لدى الغالبية العظمى، خاصة جيل الشباب الذين سحقهم سوء العيش، وأتعب كاهلهم الحصار الإسرائيلي وما خلفه من ضائقة معيشية تتفاقم كل دقيقة وليس كل يوم.



إذا هناك علاقة ووجه شبه كبيرين بين قطاع غزة البالغة مساحته 360 كيلومترا مربعا، بتعداد سكان فاق المليون ونصف المليون نسمة موزعين على خمس محافظات صغيرة، وبين سطح القمر الذي تشوب رواد الفضاء والعلماء والباحثين شكوك بوجود مظاهر للحياة فوقه بعد أن اكتشفوا بقعا من المياه.



غير أن الفارق الصغير بين قطاع غزة وسطح القمر أن الكثيرين يهتمون في دراسة واكتشاف الأخير، بينما يقف العلماء والزعماء عاجزين عن تفسير نوع الحياة لدى أناس مغلفين داخل معلبات للتخزين مضى من صلاحيتها ما يزيد على ثلاثة أعوام، ولا زال بصيص الأمل مفقودا لا نعرف له بداية أو نهاية.



آه..لو يمكننا تشييد البنايات بالدولار واليورو لكان عندنا ناطحات سحاب في غزة، فلا نقص في المال إلا لدى المواطن العامل الفقير الذي يعيل عشرة أفراد، وربما الزوجة حامل في شهرها التاسع، ويترقب بقلق المولود الجديد.أما رواد الفضاء فلديهم من المال المليارات، والخطط التعميرية والتطويرية مجمدة حتى إشعار آخر، لأن المعابر مغلقة بأمر من "شلومو" ولا مفر إلا أن نتسلى بإزالة ركام الحرب حتى يأتي الله بأمر من عنده، أو أن نحاول فرض الزي الشرعي على المحاميات، لنهيج العالم الذي امترأ الرذيلة، أو أن نأمر أصحاب محال الملابس بستر الملكان في الشوارع حتى لا نفتن قلوب الشباب، أو نبذل جهودا جبارة ومضنية لإقناع سيادة الوزير بفتح معبر رفح يومين أو ثلاثة كل شهر لدخول مرضى قد مات نصفهم وهو ينتظر، أو نشاهد مباراة ساخنة بين نادي غزة ونادي الضفة...الخ..



الأسير لا زال يتألم، والأقصى لا يزال يهود، ومن فقد منزله في غارة على غزة فلينتظر خيمة جديدة أو كابونة مع حلول شهر رمضان، وجولة الحوار المقبلة تؤجل إلى الشهر القادم لنتفق على تأجيلها إلى شهر إضافي.. ويقترب تاريخ انتهاء صلاحية المعلبات، لنصحو وقد أصبح الشعب منتجا فاسدا شعاره "عيشني اليوم وموتني بكرة"!!



عود على بدء، لنوضح كيف يتشابه قطاع غزة مع سطح القمر من حيث الاشتباه بوجود أحياء..

فعلى صعيد القطاع الصحي والمشافي، الشفاء مثالا، هو أشبه بثلاجة تحوي لحوما مثلجة مستوردة من الخارج، لا نعرف مدى صلاحيتها للاستخدام الآدمي، تبدو للناظر وكأنها لحوم عجول أو خراف، لكن لا يحبذها الكثيرون لعدم الاقتناع بها، وعدم مطابقتها للمواصفات الصحية..وليس قطاع التعليم بأحسن حالا.



الأسواق.. الباعة أكثر من الزبائن، لأن هذا القطاع اجتذب عمالا جددا لا نستطيع إحصائهم، منهم من يبيع أثاث منزله، ومنهم من يقف طوال النهار في الشمس الحارقة ليجد نفسه آخر اليوم قد كسب خمسة شواقل من وراء بيع البسكويت أو ألعاب الأطفال المتواضعة، ومنهم من يمد يده للناس يتسول لقمة لعيش، وهم أيضا كثر.



المعابر التجارية..مغلقة حتى إشعار آخر، لا تفتح إلا لإدخال بعض المواد الغذائية التي لا تكفي حارة واحدة في غزة، 95% من المواد الأساسية اللازمة للعيش وللإعمار لا يسمح بدخولها.



معبر رفح..حسب المزاج يفتح كل شهر يومين أو ثلاثة للمرضى والطلاب وأصحاب الإقامات، وعند فتحه يتم إرجاع نصف المسافرين أو يزيد، والذين يسمح لهم بالسفر يمرون بتجربة مصغرة تؤهلهم ليوم القيامة، أو ساعة الحشر .



مشاريع البناء والتطوير.. معلقة حتى إشعار آخر بسبب عدم توفر مواد البناء التي لا تسمح إسرائيل بإدخالها.



الزراعة..شكاوي بالمخاسر من قبل المزارعين، وتجريف مستمر للأراضي الزراعية من قبل قوات الجيش الإسرائيلي يهدد بتحويل قطاع غزة إلى صحراء قاحلة.



مياه الشرب..المدخلات والمخرجات متشابهة في الطعم واللون والرائحة.



الكهرباء..مقطوعة 10 أيام في الأسبوع.



البطالة..متوفرة بكثرة، ولو كانت تصدر للخارج لأصبحت غزة أول المناطق المصدرة لها.



وبعد هذا التقديم يمكن القول إن سطح القمر أفضل حالا من قطاع غزة، وليس هناك أفضل من دخول القطاع موسوعة غينيس في القدرة على الصمود تحت شعار "مكره أخاك لا بطل".