الفن....والفانتازية الأدبية
26/12/2009فانتازية الفن والأدب ، بأبسط العبارات ، تعني إنشاء معادل خيالي للواقع، أو إنْ شاء القارئ القيام بإنتاج عالم خيالي بمفرداته وأحداثه وشخوصه .... دون أنْيخطر بالبال ، ولو للحظة ، أنّ الفانتازيا مجرّد هلوسة ،أو أنّها انثيال متدفق من الصور الخيالية المدهشة والغرائبية المنفلتة من أيّة ضوابط، كما يحدث عادة في عالم الأحلام ( المنامات ) غير الإرادي . فانتازية الفنعموماً ، و الأدب خصوصاً ، قوامها إنتاج الأحلام بصورة واعية وإرادية ، وفق بنيةخاصة لها منطقها الداخلي المتماسك ، الذي يعتني بالممكن ، وبما ينبغي أن يكون. نعم، قد تكون هذه الأحلام مدهشة ومفاجئة ، ولكنّها محكومة بإرادة الفنان ووعيه ورؤيتهورؤياه ، الخاصة به والمميزة له . لذلك تبقى الفانتازيا في الفن والأدب ، رغمالخيال الجامح الذي يصنعها ، قابلة للتصديق والفهم ، وقابلة للتمعني والبحث عنالمغزى ، مما يساعد في زيادة الوعي بالواقع ( ويا للمفارقة ) ، لأنّ ما تقدمهالأعمال الفانتازية ، وإنْ كان غير واقعي ، ليس أضغاث أحلام ، وإنّما يمثل أحد وجوهالممكن . أو فلنقل إنّه يمثل الواقع بعد أنْ يتم التلاعب المقصود في إحداثياته ومواقععناصره الفاعلة ؛ وهذا التلاعب (الخبيث أحياناً ) هو الذي يربط الفانتازيا بالواقعالمعطى ، وهو الذي يجعلها قابلة للانتقال إلى هذا الواقع ، والسكن فيه بعد تغييربعض الإحداثيات ، ضمن الشروط الممكنة التي يقترحها صانع الفانتازيا ، الذي ينبغيألاّ ينسى أنّ الواقع هو الإطار المرجعي الذي ينطلق منه( ويعود إليه ) عمله في نهايةالمطاف . الفانتازيا في الفن والأدب ، إذن ، هي المعادل الفني للعالم الواقعي ،ويتم بناء هذا العالم انطلاقاً من رؤية المبدع ، ومن المسلمات والأفكار والمبادئالتي يؤمن بها ... وسوء التواصل مع بعض المتلقين يعود في كثير من الحالات إلىاختلافهم مع تلك المسلمات ، واختلافهم مع رؤية الفنان أو الأديب الذي أنتجالفانتازيا ؛ دون أن يغيب عن الذهن أن سوء التواصل قد يرجع إلى تمسّك بعض المتلقينبالواقع وإحداثياته ، تحت ضغوط ما يؤمنون به من أيديولوجيات تعد الفن من البنىالفوقية التي ينبغي أن تكون انعكاساً للواقع ، ويعدون أي خروج على الواقعوإحداثياته ، وأي انزياح عنها ، تشويهاً وضلالاً ، بل خيانة للعقل وللواقع معاً ،ويعدون الفانتازيا نكوصاً عن المواجهة ، وهروباً جباناً من تحمل المسؤولية وتحملتبعات تلك المواجهة ؛ وينسى هؤلاء أنّ الفن شجاع دائماً ( أقصد الفن والأدبالحقيقيان ) ، وأنّه لم يتهرب من تحمل المسؤولية في يوم من الأيام ، وأنّ ما يخلقه منعوالم فانتازية ليس إلا محاولة لإعادة صنع العالم الواقعي على نحو يكون فيه أكثرجمالاً ومتعة وعدلاً ... وأقل قبحاً وشقاءً وظلماً ، بحيث تتاح الفرصة لهذا المخلوق(البائس ) لأنْ يعيش ، ولو للحظات ، حيث يشتهي أنْ يعيش ، بعيداً عنْ إشراطات وجودهالتي حاصره بها الأقوياء ومن يلوذ بهم من الفاسدين والمفسدين ...ذلك أنّ الأعمالالفانتازية تقترح عليه إشراطات أخرى ، وتدعوه لإبراء الجراح ، وللنقاهة الروحية ..... ولكن حذار ، فقد تحمل بعض الدعوات السم الزعاف ، الذي يقضي على البقيةالباقية من الكرامة الإنسانية ، ويقوّض روح المقاومة النبيلة ، التي تطالب بالحقوقالمسلوبة .. فبعض الأعمال الفانتازية لا تعدو عن كونها وصفة مخدرة ، تصرف المتلقيعن الوعي بالواقع الفاسد ، وعن الوعي بأسباب الأزمات التي تثقل كاهله . وأخيراًأقول : إن الفانتازيا الحقيقية وسيلة للتشخيص ، وأسلوب لاقتراح الحلول العلاجيةالممكنة ، وليست وسيلة للاستجمام الكسول ، في عالم من الأحلام الوردية