الكلمـــــة الحـــــرّة
الكلمـــــة الحـــــرّة
الكلمـــــة الحـــــرّة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الكلمـــــة الحـــــرّة

منتدى ثقافي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 موسوعة الشاعرة نازك الملائكة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالجمعة يناير 15, 2010 11:34 pm




نازك صادق الملائكة شاعرة عراقية تمثل أحد أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث، الذي يكشف عن ثقافة عميقة الجذور بالتراث والوطن والإنسان

النشأة

ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد يوم الثالث والعشرين من أغسطس عام 1923 في أسرة لها باع طويل في الثقافة والشعر؛ فكانت أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية, كما أصدرت ديوان شعر في الثلاثينيات اسمه "أنشودة المجد" وذلك تحت اسم أدبي هو "أم نزار الملائكة", أما والدها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة "دائرة معارف الناس" في عشرين مجلدًا، ومن هنا يأتي سبب تسمية العائلة بهذا الاسم "الملائكة" فهو لقب أطلقه على العائلة بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء وسكينة, ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية للعائلة.

أما خالها جميل وعبد الصاحب الملائكة من الشعراء المعروفين أيضا، وعرف عن شقيقها الأوحد نزار الملائكة، الذي كان يعيش في لندن بأنه كان شاعراً أيضًا.

حياتها ودراستها

بدأت نازك الملائكة كتابة الشعر وهي في العاشرة من عمرها, أتمت دراستها الثانوية والتحقت بدار المعلمين العالية التي أصبحت حاليًا كلية التربية, وتخرجت منها عام 1944 بدرجة امتياز, والتحقت بعد ذلك بمعهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى تخصص "عود" عام 1949, درست الملائكة اللغة العربية في كلية التربية جامعة بغداد, ولم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد حيث درست اللغة اللاتينية في جامعة برستن بالولايات المتحدة الأمريكية, ثم حصلت على درجة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وينكسونسن بالولايات المتحدة أيضًا.
وتجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ، بالإضافة إلى اللغة العربية
وقد ترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها, عملت نازك مدرسة للأدب العربي في جامعتي البصرة وبغداد.

غادرت العراق في الخمسينيات وذلك لأسباب سياسية واتجهت إلى الكويت واستقرت هناك فترة طويلة حيث عملت مدرسة للأدب المقارن بجامعة الكويت.

مثلت الملائكة العراق في مؤتمر الأدب العربي المنعقد في بغداد عام 1965، ثم غادرت العراق مرة أخرى في ظل الحرب الأمريكية العراقية لتتوجه إلى القاهرة وتستقر بها وذلك في عام 1991, حيث أقامت هناك في حي سرايا القبة شرق القاهرة حتى توفتها المنية.

مُنحت جائزة البابطين للشعر عام 1996وذلك تقديرا لدورها في ميلاد الشعر الحر، كما أقامت دار الأوبرا المصرية احتفالاً كبيرًا تكريمًا لها, وأيضًا بمناسبة مرور نصف قرن على بداية الشعر الحرفي الوطن العربي, ولكنها لم تحضره بسبب ظروفها الصحية, وذلك في عام 1999.

نازك والشعر الحر

شنت حرب أدبية بين نازك الملائكة مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر, فقالت نازك في كتابها قضايا الشعر المعاصر: " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947، ومن العراق، بل من بغداد نفسها، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر قصيدتي المعنونة الكوليرا" والتي تضمنّها ديوانها الثاني "شظايا ورماد".

ثم كتبت عام 1962 في مقدمة الطبعة الخامسة من كتابها المذكور: " أدري أن هناك شعراً حراً نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 سنة نظمي لقصيدة الكوليرا وفوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة ظهرت في المجلات الأدبية منذ 1932، وهو أمر عرفته من الباحثين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها".

وقد كتبت نازك هذه القصيدة متأثرة بوباء الكوليرا الذي انتشر وقتذاك في مصر, وجاءت الصدفة أن في نفس هذا الوقت كتب الشاعر بدر شاكر السياب قصيدته المعروفة "هل كان حباً" التي نشرت في ديوانه الأول "أزهار ذابلة"، والتي قال فيها:

هَلْ تُسمّينَ الذي ألقى هياما ؟

أَمْ جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟

ما يكون الحبُّ ؟ نَوْحاً وابتساما ؟

أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرَّى ، إذا حانَ التلاقي

بين عَينينا ، فأطرقتُ ، فراراً باشتياقي

عن سماءٍ ليس تسقيني ، إذا ما ؟

جئتُها مستسقياً ، إلاّ أواما



والذي جمع بين قصيدتي الملائكة والسياب هو خروجهما عن المألوف في بناء القصيدة العربية.

وقد أكدت نازك على ضرورة التزام الشعراء الجدد بعنصري الوزن والقافية وان كان ذلك في سطر شعري واحد وليس في بيت من شطرين, ودون الالتزام بذلك العنصرين تنتفي صفة الشعرية عن كل كتابة تدعي ذلك؛ لأن الوزن والقافية في نظرها هما أساس الإيقاع الداخلي للقصيدة وأساس الميثاق الذي يربط الشاعر بالملتقى.

قصيدة الكوليرا

قامت بالثورة على القصيدة العربية كما قال النقاد في عام 1947 بكتابتها قصيدة "الكوليرا" الشهيرة، وقد كتبت نازك هذه القصيدة نتيجة لما سمعت به من الأخبار السيئة التي حدثت بسبب الوباء اللعين الذي أُصيب به كثير من المصريين, فتجاوبت الملائكة معهم بكتابتها هذه القصيدة في زمن قياسي "ساعة تقريبا"، فخرجت القصيدة معبرة عن انفعالاتها على شكل أسطر غير متساوية, وانتقد والدها صادق الملائكة الشكل الذي صيغت به القصيدة وخروجها عن الشكل التقليدي للقصيدة العربية.

انطلقت الثورة الحقيقية بين المحافظين على البناء العمودي للقصيدة ودعاة الشعر الحر, عقب نشر قصيدة "الكوليرا" في مجلة العروبة الصادرة في بيروت في الأول من ديسمبر1974, وهذا جزء من القصيدة:


سكَنَ الليلُ

أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ

في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ

صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ

حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ

يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ

في كلِّ فؤادٍ غليانُ

في الكوخِ الساكنِ أحزانُ

في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ

في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ

هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت

الموتُ الموتُ الموتْ

يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ

أعمالها

آثارها : لها من الشعر المجموعات الشعرية التالية :

* عاشقة الليل صدر عام 1947.

* شظايا ورماد صدر عام 1949 .

* قرارة الموجة صدر عام 1957 .

* شجرة القمر صدر عام 1965 .

* مأساة الحياة وأغنية للإنسان صدر عام 1977 .

* للصلاة والثورة صدر عام 1978 .

* يغير ألوانه البحر طبع عدة مرات .

* الأعمال الكاملة - مجلدان - ( عدة طبعات ) .

ولها من الكتب :

* قضايا الشعر المعاصر .

* التجزيئية في المجتمع العربي .

* الصومعة والشرفة الحمراء .

* سيكولوجية الشعر .

ـ كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربية .

** نشرت ديوانها الأول " عاشقة الليل " في عام 1947 ، وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم ، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً ، وأحياناً تفجعاً وعويلاً " وهذا القول لمارون عبود .

** ثم نشرت ديوانها الثاني شظايا ورماد في عام 1949 ، وثارت حوله ضجة عارمة حسب قولها في قضايا الشعر المعاصر ، وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر ، وادعى كل منهما انه اسبق من صاحبه ، وانه أول من كتب الشعر الحر ونجد نازك تقول في كتابها قضايا الشعر المعاصر " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً ، وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " وهي من الوزن المتدارك ( الخبب) . ويبدو أنها كانت متحمسة في قرارها هذا ثم لم تلبث أن استدركت بعض ما وقعت فيه من أخطاء في مقدمة الطبعة الخامسة من كتابها المذكور فقالت :عام 1962 صدر كتابي هذا ، وفيه حكمتُ أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 سنة نظمي لقصيدة (الكوليرا) ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها " .


ولقد قامت مصر بعمل جائزة باسمها تكريماً لها, فقررت وزارة الثقافة المصرية متمثلة بوزيرها الفنان فاروق حسني أن تخرج من القاهرة جائزة شعرية تحمل اسم نازك الملائكة وتُخصص للشاعرات العربيات؛ لأن نازك هي قدوتهن جميعاً، وهو الاقتراح الذي قدمته الروائية سلوى بكر.

رحيل الملائكة

جاءت وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة يوم الأربعاء الموافق للعشرين من يونيو عام 2007 في منزلها الذي أُقامت به منذ مجيئها إلى مصر, وذلك بعد معاناة طويلة ورحلة شاقة مع المرض, فتوفيت اثر هبوط حاد في الدورة الدموية قد عانت قبلة من أمراض عديدة مثل أمراض الشيخوخة والزهايمر, وقد شُيعت الجنازة من أحد مساجد مصر الجديدة في القاهرة.

وحضر عدد قليل من أفراد الجالية العراقية وعدد من المصريين من سكان حي سرايا القبة من جيرانها منذ وصولها إلى مصر عام 1990، وقد حضر مراسم الجنازة أمين المجلس الأعلى للثقافة جابر عصفور وعدد من المثقفين والكتّاب المصريين, ونُقل جثمانها الذي لُفّ بالعلم العراقي إلى مقبرة مدينة السادس من أكتوبر خارج العاصمة المصرية بجوار مدفن نجيب محفوظ.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالجمعة يناير 15, 2010 11:38 pm


مأساة الحياة وأغنية للانسان

((مطوّلة شعرية))



تقدمة

-بقلم الشاعرة-

يضمّ الأثر الشعري الذي أضعه بين يدي القارئ في هذا الكتاب ثلاث صور شعرية لقصيدة واحدة. أولها قد نظم بين سنة 1945 و 1946، وثانيها قد نظم سنة 1950 وثالثها متأخر التاريخ حتى 1965.
ولقد يمكن أن تعدّ كل قصيدة من هذه القصائد المطوّلة مستقلة عن الأخريين، لولا أنني قد نسخت بعض الأبيات أحيانا فنقلتها من قصيدة إلى أخرى على اعتبار أنها ما زالت ترضي ذوقي رغم مرور السنين. ولعلّ من المفيد أن أشرح الظروف الزمنية والنفسية والفكرية التي أحاطت بي خلال عشرين عاما من 1945 إلى 1965م :
أما القصيدة الأولى فقد نظمتها عام 1945 -وكان عمري إذ ذاك اثنين وعشرين عاما- ولم يكن ديواني الأول (عاشقة الليل) قد ظهر إلى الوجود أو طبع. وكنت إذ ذاك أكثر من قراءة الشعر الانكليزي فأعجبت بالمطوّلات الشعرية التي نظمها الشعراء وأحببت أن يكون لنا في الوطن العربي مطولات مثلهم. وسرعان ما بدأت قصيدتي وسمّيتها : ((مأساة الحياة)) وهو عنوان يدل على تشاؤمي المطلق وشعوري بأن الحياة كلها ألم وإبهام وتعقيد. وقد اتخذت للقصيدة شعارا يكشف عن فلسفتي فيها هو هذه الكلمات للفيلسوف الألماني المتشائم (شوبنهاور) :"لست أدري لماذا نرفع الستار عن حياة جديدة كلما أسدل على هزيمة وموت. لست أدري لماذا نخدع أنفسنا بهذه الزوبعة التي تثور حول لا شيء؟ حتّام نصبر على هذا الألم الذي لا ينتهي؟ متى نتدرّع بالشجاعة الكافية فنعترف بأن حبّ الحياة أكذوبة وأن أعظم نعيم للناسجميعا هو الموت؟"، والواقع أن تشاؤمي قد فاق تشاؤم شوبنهاور نفسهن لأنه -كما يبدو- كان يعتقد أن الموت نعيم لأنه يختم عذاب الإنسان. أما أنا فلم تكن عندي كارثة أقسى من الموت. كان الموت يلوح لي مأساة الحياة الكبرى، وذلك هو الشعور الذي حملته من أقصى أقاصي صباي إلى سنّ متأخرة.

وهكذا بدأت نظم المطولة، وقد اخترت لها بحرا عروضيا مرنا هو البحر الخفيف الذي يجري بين يدي الشاعر كما يجري نهر عريض في أرض منبسطة.
وقد بلغت القصيدة ألفا ومائتي بيت نظمتها في ستة أشهر تقريبا وانتهيت منها عام 1946 وكان موضوعها فلسفيا يدور حول الموت والحياة وما وراءهما من أسرار. وقد تخلل القصيدة جزء منها شكوت فيه من المآسي التي سببتها الحرب العالمية الثانية التي كانت تستعر في الغرب ودعوت إلى السلام وتغنيت به ونددت بتجار الحروب وقاتلي البشر. ثم انتقلت إلى الحديث عن السعادة متسائلة إن كان لها وجود حقفي الدنيا، ثم رحلت أبحث عنها في مختلف الأوساط فلا أجدها. بحثت أولا لدى الأغنياء لعل السعادة في قصورهم وحياتهم المترفة الناعمة، ولكني لم أجدها لأن الغني لا يستطيع أن يدفع وحشة القبر والأكفان بأمواله. ثم مررت بالرهبان والزاهدين فوجدت عواطفهم المكبوتة تقلقل حياتهم ومضض الحرمان يظلل مساكنهم ويبدو على وجوههم. ثم قلت لعلّ السعادة في ارتكاب الشرور والآثام فطفت بأوكار اللصوص ...، والمجرمين، فوجدت أن ضمائرهم تعذبهم ولا تأذن لهم أن يرتاحوا. ووصلت إلى الريف بأشجاره وامتداداته الجميلة فوجدت سكانه فقراء محرومين يعيشون عيشة البؤس والعذاب. وصورت في هذا القسم من المطوّلة، راعيا صغيرا يأكله الذئب ثم وصفت الثلوج التي تهبط طوال الشتاء وتحرم الفلاحين من استنبات الأرض فينتشر الجوع والحزن بينهم وتموت مواشيهم. ومن الريف انتقلت إلى دنيا الشعراء لعل السعادة عندهم، ولكن بارقة الامل سرعان ما تخبو بسبب حساسية الشاعر وتألمه للجياع والمحزونين والمحرومين. ثم أنتقل إلى العشاق لعلهم ذاقوا السعادة، فلا أجد بينهم من يعرفها لأن الشهوة الجنسية تدنس الروح وتحدّ آفاق الفكر.
وهكذا تنتهي الرحلة بالخيبة فلا تجد الشاعرة السعادة مطلقا.

ولقد كانت ((مأساة الحياة)) صورة واضحة من اتجاهات الرومانسية التي غلبتني في سن العشرين وما تلته من سنوات. وكان من مشاعري إذ ذاك اتشاؤم والخوف من الموت وهما مفتاح هذه الصورة الأولى من المطولة : صورة 1945.

وكنت في عام 1946 أنوي أن أقدم المطوّلة للقراء بعد مجموعتي الشعرية الاولى ((عاشقة الليل)) وعندما طبع هذا الديوان كان في آخره إعلان صغير عن ((مأساة حياة)) ولكن الظروف حالت دون ذلك. فأصدرت مجموعتي الشعرية الثانية ((شظايا ورماد)) عام 1949 وهي المجموعة التي دعوت فيها إلى الشعر الحر.

وفي عام 1950 كان أسلوبي الشعري قد تطورتطورا كبيرا عما كان أيام نظمي للمطوّلة، فأصبحت مواردي الأدبية أغزر، وأسلوبي أكثر صورا وثقافتي أغنى. فلم أعد راضية عن ((مأساة الحياة)) ولذلك قرّرت أن أعيد نظمها بأسلوبي الجديد فكانت صورتها الثانية، وعندما مضيت في نظمها لاحضت أنها -رغم وحدة الموضوع- قد أصبحت قصيدة ثانية تختلف في كل لفظة منها عن (مأساة الحياة) فرأيت أن أهبها عنوانا جديدا خاصة وأنني بدأت أنظر إلى الحياة بمنظار جديد فيه مسحة من تفاؤل ووضوح بحيث لا أحتمل أن أستبقي العنوان القديم ولذلك سمّيتها ((أغنية للإنسان)). وقد مضيت في نظمها حتى بلغت أبياتها 586 بيتا من الوزن الخفيف نفسه. وعند هذا بدأت أشعر بالضيق، فقد لاحظت أنّني مقيدة بالنسخة الأولى ما دمت أعيد نظمها فليس في وسعي أن أخرج عن الإطار العام للقصيدة الأولى. وكان عليّ في ((أغنية للإنسان)) أن أبحث عن السعادة فلا أعثر عليها. بينما كنت قد بدأت أدرك أن السعادة ممكنة ولو إلى مدى محدود، فكيف أوفق بين الموضوع القديم وآرائي الجديدة؟
واستعصى عليّ الحل وقلت لنفسي أنني لا أستطيع مواصلة القصيدة ولا بد لي من تركها. وكان ذلك، إذ توقفت عن النظم وتركت القصيدتين خمسة عشر عاما من 1950 إلى 1965 وقد كنت خلال هذه السنوات أشعر بالضيق كلما تذكرتها لأن ((مأساة الحياة)) كانت أجمل شعري في مرحلتي الأولى، مرحلة ((عاشقة الليل)) وكانت نسخة 1950 أجمل شعري في مرحلتي الثانية. ولذلك عزّ علي ّ أن تبقى محجوبة عن القراء. وراح الدكتور عبد الهادي محبوبه (زوجي) يحثني على اتمامها، وفكرت في ذلك فعلا. ولكني لاحظت أن أسلوبي الشعري قد تطوّر وتغيّر ما بين 1950 و 1965 فلو أتممت ((أغنية للإنسان)) لظهر عليها فارق الأسلوب. وبقيت حائرة ماذا أصنع، ثم قررت أن أنشر (مأساة الحياة) كما هي دون تعديل. وجلست ذات صباح أنسخها معدّلة كلمة هنا وشطرا هناك دون أن أعيد نظمها كما صنعت سنة 1950.

ولكني ما كدت أمضي صفحات حتى بدأت التغييرات تتسع وتشمل كثيرا من الأبيات، وبعد يومين وجدتني أغير القصيدة القديمة تغييرا كاملا دون أن أستبقي من المطوّلة لفظة واحدة. وهكذا ولدت الصورة الثالثة من القصيدة عام 1965. ولسوف يلوح للقارئ أنني أقرب إلى التفاؤل في هذه القصيدة. والواقع أن آرائي المتشائمة كانت قد زالت جميعا وحل محلها الإيمان بالله والاطمئنان إلى الحياة، ولذلك راح جو مأساة الحياة يتبدد تدريجيا، وقررت أن تجد الشاعرة السعادة في هذه القصيدة. وعندما بلغت ستمائة بيت أو يزيد شغلتني الحياة بأعمال وظروف معقدة فاضطررت إلى ترك المطوّلة والانصراف إلى مشاغلي. ومنذ ذلك لم أعد إلى المطوّلة.

واليوم إذ أقدّم الصور الثلاث إلى المطبعة، أحسّ أنني أقدم عملا أدبيا متكاملا، لن الشعر قد يقرأ لمجرد كونه شعرا، وهذه المطوّلة بصورها الثلاث تدلّ على خط التطور في شعري ما بين السنوات العشرين من 1945 إلى 1965.

وبعد فلست أول من تعتريه هذه الحالات الشعريّة في سنين مختلفة فإن الشاعر الانكليزي جون كيتس مثلا قد نظم قصيدة عنوانها ((هايبيريون Hyperion)) تناول فيها ثقوط الآلهة الأوائل في المثولوجي اليونانية، عندما حلّت مكانها أسرة جوبيتر Jupiter اله الآلهة الثاني. وقد صوّر ((كيتس)) في هذه المطولة ميلاد (أبولو) اله الشمس وكيف حلّ محل الاله السابق هايبيريون إله الشمس الأول الساقط. وتعدّ هذه القصيدة من أروع شعر كيتس، وقد نشرها في مجموعته الشعرية الصادرة سنة 1820. وعندما انصرم الوقت شعر كيتس أن قصيدته لم تعد تمثل أسلوبه، فعاد ونظم منها نسخة ثانية سماها ((سقوط هايبيرون The Fall of Hyperion)) ونجد النسختين منشورتين في ديوان كيتس تدلان على تطوره الشعريّ من مرحلة إلى مرحلة.

وأنا إذ أقدم اليوم مطوّلتي بأشكالها الثلاثة إنما أرجو أن يعذرني القارئ بعد أن قصصت عليه التاريخ النفسيّ لها وصلتها بالتيارات اخفية من عواطفي وآرائي وحياتي. ومهما يكن من أمر فإن نسخة 1945 كاملة لا نقص فيها. وأما القصيدتان التاليتانفحسبي انهما تقدّمان الحقيقة الشعريّة التي تختلف عن الحقيقة القصصية. فالشعر أعمق وأجمل من مجرّد الموضوع الذي يعالجه ولذلك يمكن أن ترتوي مشاعرنا بجزء من قصيدة. وأما القصة فإن تمام الحكاية فيها جزء من كمالها لا ينفصل عنه.

وأود هنا أن أقتبس نماذج من موضوع واحد من القصائد الثلاث ليرى القارئ اتجاه التطور في شعري عبر عشرين عاما : ورد في ((مأساة حياة)) عام 1945 في موضوع البحث عن السعادة عند سكان الأديرة الأبيات التالية :

أيها الراهب الذي يقطع العمـــ
ر وحيدا في كوخه المكفهـــــر
هات حدّثني العشيـــــــــّة عما
عند دنياك من نعيم وبشر
حدثوني عنكم فقالوا حياة
من نعيم وأنفس من نقاء
عجبا أين ما يقولون؟ مالي
لا أرى غير حيرة الأشقياء؟
ما الذي عندكم من البشر والأفـ
ـراح ماذا يا أيّها الزاهدونا!
ليس إلا عمرا يمرّ حزينا
يتهاوى كآبة وسكونا

أما في نسخة 1950 فهذه هي الصورة التي صورت بها مشاعر الرهبان ومملكتهم التي تقوم على الكبت والحرمان :

شيّدوها من كل لفتة شوق
في العيون الحبيسة المحرومه
وسقوا أرضها الجديبة من بر
كان تلك العواطف امكتومه
وحموها من أن تغازلها الشمـ
ـس بألوانها ولين شذاها
وأبوا أن يلامس القمر المنــ
ــفعل الضوء في المساء دجاها
وتمنّوا ألاّ تمرَّ بها ريــــ
ـــح عبيرية الصدى والنشيد
فشفاه الرياح تكمن فيها
قبل عذبة وذكرى خدود
وتمنوا أن يقفل الليل عينيـ
ــه وتخبو نجومه السحريّة
فعيون النجوم تغوي بأهدا
بٍ حريريّة الرؤى قمريّة

أما في نسخة عام 1965 فقد تحوّلت هذه المعاني إلى الصيغة التالية :
أيها الراهب الذي يقطع العمــ
ـــر وحيدا في غرفة منسيّه
ليس يدري دفء المودة في عيـ
ـنين في قرّ ليلة شتويّة
حدّثوني عنكم فقالوا ضياء
وكؤوس من الشذى روحيّه
وسموّ إلى الذرى الطاهرات الـ
ــبيض فوق الرغائب البشريه
عجبا أين ما سمعت هنا شو
ق ونار وأعين مفتونه
وهوىً قيّدوه عطشان محرو
ماً فأين السلام أين السكينه؟

ولكن الذي يلاحظ أن نسخة عام 1965 قد لمّحت تلميحا واضحا إلى أن هذه الشاعرة لا تنظر بعيدا ولا عميقا وهي تبحث عن السعادة وإنما هي منشائمة لأن نظراتها تقع فوق السطوح ولا تغوص عميقا وراء المظاهر الخادعة. وقد جاء هذا امعنى في ((أنشودة الرياح)) التي خاطبت الشاعرة قائلة :

أنصتي تسمعي
في السكون حفيف
وانظري تبصري
أن جدبي وريف
لك قلب غفا
عن معاني الذرى
لك روح ثوى
في ضباب الكرى

وهذا التطوّر في النظرة هو التمهيد لفكرة عثور الشاعرة على السعادة في ختام القصيدة.

وقد يتساءل متسائل : لماذا بقيت متمسكة بالبحر الخفيف في القصائد الثلاث دون أن أخرج عنه إلى بحور أخرى. وجواب هذا أنني رأيت هذا البحر أكثر ملاءمة للمطوّلات فهو يسمح بالعبارة الطويلة على صورة تريح الشاعر الحديث. ولا يخفى أننا انما دعونا إلى الشعر الحرّ لنمكن الشاعر العربي من إيراد جمل طويلة دون تقطع.

نازك الملائكة

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالجمعة يناير 15, 2010 11:54 pm




مأساة الحياة


( أكثر هذه المطوّلة قد نظم سنة 1945
والقليل منها امتد إلى سنة 1946، وكان عمري
ثلاثة وعشرين عاما.)



عبثًا تَحْلُمينَ شاعرتي ما

من صباحٍ لليلِ هذا الوجود

عبثًا تسألين لن يُكْشف السرُّ

ولن تَنْعمي بفكِّ القيودِ


في ظلال الصَّفْصافِ قَضَّيتِ ساعا

تِكِ حَيْرى تُمضُّك الأسرارُ

تسألين الظلالَ والظلُّ لا يعـ

ـلَمُ شيئًا وتعلمُ الأقدارُ


أبدًا تنظرين للأُفق المجـ

ـهول حيرى فهل تجلّى الخفيُّ ؟

أبدًا تسألين والقَدَرُ السا

خرُ صمتٌ مُسْتغلِقٌ أبديُّ


فيمَ لا تيأسينَ؟ ما أدركَ الأسـ

ـــرارَ قلبٌ من قبلُ كي تدركيها

أسفًا يا فتاةُ لن تفهمي الأيـ

ـــامَ فلتقنعي بأن تجهليها


اُتركي الزورق الكليل تسيِّرْ

هُ أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ

ما الذي نلتِ من مصارعة المو

جِ؟ وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ؟

آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحـ

ـــلامِ ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ ؟

لم يَزَلْ سرُّها دفينا فيا ضيـ

ـعةَ عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ


هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفـ

ـهامِ حتى ضاقت به الحكماءُ

فايأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من

قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ؟


جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْـ

ـيا ملايينُ ثم زالوا وبادوا

ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليـ

ـهمْ? وأينَ الأفراحُ والأعيادُ ؟

ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزينا

تٌ أقيمت على ضفاف الحياةِ

رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا

في سكونٍ بعالم الأمواتِ


كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو

وكم أذعنت له الأكوانُ

شهد الليلُ أنّه مثلما كا

نَ فأينَ الذينَ بالأمس كانوا ؟


كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيـ

ـــكَ الأماني وتخمد الأحلامُ؟

كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ

ويعيشُ الظلامُ وهْو ظلامُ

كيف تحيا الأشواك والزهر الفا

تن يذوي في قبضة الاعصارِ

كيف تمضي إلى الفَنَاء الأناشيـ

ــد وتبقى سخريّة الأقدارِ


حدّثي القلب أنت أيتها المأ

ساة يا من قد سمّيت بالحياةِ

ما الذي تصنعين بي في الغد المجـ

ـهولِ ماذا ترى مصيرُ رفاتي؟


أيّ قبر أعددتِ لي ؟ أهو كهفُ

ملْ أنحائه الظلامُ الداجي ؟

أم ترى زورقي سيغرق بي يو

ماً فأثوي في ظلمة الأثباج

لهفتي يا حياة كم تلعب الأو

هام بي ؟ كم يؤودني التفكير

أبدا أسأل الليالي عن المو

ت وماذا ترى يكون المصير ؟


طالما قد سألت ليلي لكن

عزّ في هذه الحياة الجواب

ليس غير الأوهام تسخر منّي

ليس إلا تمزق واضطراب


هل فهمت الحياة كي أفهم المو

ت وأدنو من سرّه المكنون

لم يزل عالم المنيّة لغزا

عزّ حلاّ على فؤادي الحزين

فليكن يا حياة لن أسأل الليـ

ـلَ عن السرّ فاحكمي كيف شئت

امنحيني عمر الزهور فلن أبـ

ـكي ومدّي الأيام لي إن رغبتِ


ما الذي ينفع البكاءًُ وما يُصْـ

ـغي إلى الصارخينَ قلبُ القضاءِ

لن يزيدَ البكاءُ يوما على عمـ

ــري ولن يرحمَ الممات شقائي


ولتجّرعني الحياة كؤوس الـ

ـحزن واليأس ما يشاء شقاها

هل ستُصغي إلى رجائي المنايا

إن تمنّيت صمتها ودُجاها


هكذا جئت للحياة وما أد

ري إلى أين سوف تمضي الحياة

وسأحيا كما يشاء لي المجـ

ــهول حَيْرى تلهو بيَ الظُلُمَاتُ


ان تمنيت أن أعيش فما يسْـ

ـمع الموتُ أو يمدُّ السنينا

أو تمنّيتُ أن أموت فما يُرْ

حم حلمي ولست ألقى المنونا


هكذا، ما يريده القدرُ المحـ

ـتوم لا ما تريده آمالي

سيّرتني الحياةُ أين ترى مَرْ

سَى سفيني؟ وعند أيّ رمال ؟


ها أنا الآن حيرةُ وذهولٌ

بين ماضٍ ذَوَى وعُمْرٍ يمرُّ

لست أدري ما غايتي في مسيري

آه لو ينجلي لعينيَّ سرُّ


يا ضفافَ الأفراح يا ليتني أعـ

ـرف شيئا عن أفقك المجهولِ

لم أعدْ أستطيعُ أن أكتم الشو

قَ فأيّان يا ضفافُ وصولي؟


كلُّ شيءٍ حولي يحدّثني عنـ

ـك ولكن متى يحين اللقاء ؟

فارحميني من قبل أن يحطُمَ المو

جُ شراعي وتصخَبَ الأنواءُ


آه يا ضفّةَ السعادة ما أنـ

ـتِ؟ خيالٌ أم واقعٌ مشهودُ؟

أترى قلبي الطعين سيلقا

كِ أخيراً أم أنتِ حلمٌ بعيدٌ ؟


طالما حدّثوا فؤادي عن لقـ

ـياكِ لكن ما زلتِ حُلْمَ صبي

لم أزل أصرف اللياليَ أبكي

وأغنّي حزنَ الوجودِ الشقيِّ



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالسبت يناير 16, 2010 12:20 am



-على تل الرمال-


لم يزل مجلســي على تلّيَ الرمـ

ليّ يصغي إلى أناشـــــيد أمسي

لم أزل طفـــــــــلة سوى أنني قد

زدت جهلا بكنه عمري ونفســـــي

ليتني لم أزل كما كنــــــــــت قلبا

ليس فيه إلا السّــــــــــــنا والنقاء

كــــــــــــــلّ يوم أبني حياتي أحلا

ما وأنســـــــــى إذا أتاني المساء

أبدا أصــــــــــــرف النهار على التل

وأبنــــــــــــــــي من الرمال قصورا

ليت شعري أين القصور الجميلا

ت وهـــــــــل عدن ظلمة وقبورا؟

ايه تـــــــــــلّ الرمال ماذا ترى أبـ

قـــــــيت لي من مدينة الأحلام؟

أنظر الآن هل ترى في حياتــــي

لمحة غير نشوة الأوهـــــــــــام؟

ذهب الأمس لم أعد طفــــــلة تر

قب عش العصفور كلّ صــــــــباح

لم أعد أبصر الحياة كما كـنــــــــ

ـت رحيقا يذوب في اقداحـــــــي

لم أعد في الشتاء أرنو الى الأمـ

ـطار من مهدي الجميل الصغـــير

لم أعد أعشق الحمامة إن غنّـــ

ـت وألهو على ضفاف الغديــــــر

كم زهور جمعّتها لم تــــــــذر منـ

ـها الليالي شيئا سوى الأشواك

كم تعاليل صغتها فنــــــــــيت إلا

خيالا يؤود قلبي الباكــــــــــــــي

آه يا تلّ ها أنا مثـــــــلما كنــــــــ

ـت فأرجع فردوسي المفــــقودا

أي كفّ أثيمة سلـــــــــبت رمْــــــ

ـلك هـذا جماله المعـــــــــــــبودا

كنت عرشي بالأمس يا تلّي الرمـ

ـليّ والآن لم تعد غير تــــــــــــــلّ

كان شدو الطيور رجع أناشـيـــــــ

ـدي وكان النعيم يتبع ظلّــــــــي

كان هذا الوجود مملكتي الكبـــــ

ـرى فيا ليتني أعـود إلـــــــــــــيها

ليت هذي الرمال تسترجع السحـ

ـر وليت الربيع يحنـــــــــــــو عليها

لم أعد أستطيع أن أحكــــم الزهـ

ـر وأرعى النجوم في كل لــيـــــل

هل أنا الآن غير شاعرة حيـــــــــ

ـرى وهل غير هيكلي المضمحلّ؟

ذهب الأمس والطفولة واعتــــــضـــ

ـت بحسّي الرهيف عن لهو أمسي

كـــــــــل ما في الوجود يؤلمني الآ

ن وهذي الحياة تــــــــجرح نفسي

أين لون الأزهار لم أعـــــــــــــد الآ

ن أرى في الأزهار غــــــــير البوار

كلما شمت زهرة صوّر الــــــــــوهـ

ـم لعينيّ قاطف الأزهــــــــــــــــار

أين شدو الطيور ما عدت ألقــــى

في صفاه من يأس قلبي خلاصا

كل لحن لصادح يتلاشـــــــــــــــى

في ادّكاري الصّياد والأقــــــــفاصا

أين همس النسيم لم تعد الأنــ

سام تغري قلبي بحب الجمال ؟

فغدا يهمس النسيم بموتـــــــي

في عميق الهوى وفوق الجــبال

أين منّي مفاتن القمر الســـــــا

حر والصيف والظلام المثيـــــــــر ؟

لم أعد أعشق الظلام غـــــــدا أر

قد تحت الظلام بين القبـــــــــــور

ها أنا الآن تحت ظلّ من الصفـــــ

ـصاف والتين مستطاب ظلــــــيل

أقطف الزهر ان رغبت وأجني الثـ

ـمر الحلو في صباحي الجمــيل

وغدا ترسم الظلال على قبـــــــ

ـري خطوطا من الجمال الكئيب

وغدا من دمي غذاؤك يا صفـــــــ

ـصاف يا تين أيّ ثأر رهيــــــــــب

ذاك دأب الحياة تسلب ما تعـــــ

ـطيه بخلا لا كان ما تعطيـــــــــه

تتقاضى الأحياء قيمة عيـــــــش

ضمهم من شقاه أعمق تيــــــه

هي هذي الحياة ساقية السـمّ

كؤوسا يطفو عليها الرحــــــــيق

أومأت للعطاش فاغترفوا منــــــــ

ـها ومن ذاقها فليس يفــــــــيق

هي هذي الحياة زارعة الأشـــ

واك لا الزهر, والدجى لا الضياء

هي نبع الآثام تستلهم الشر

َّوتحيا في الأرض لا في السماء


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالسبت يناير 16, 2010 12:26 am



آدم وحواء


حسبها أننا دفــــــــــعـــــــنا إليها
ثمن العيش حيرة ودمــــــــــــوعا
أيّ ذنب جناه آدم حتــــــــــــــــى
نتلقى العقاب نحن جمـــــــــيعا؟


وليكن آدم جنى حسبه فقــــــــــ
ـدان فردوسه الجميل عـــقـــــــابا
حسبه يا حياة أن هبــــــــــط الأر
ض ليحيا ويــــجـرع الأوصـــــــــابا


حسبه أنه أتـــــــــى الأرض مطرو
دا من الخلـــــــــد مستطارا حزينا
حسبه ما رأى من الشرّ والإثـــــــ
ـم وما ذاق من عذاب السنيـــــنا


ليت شعري ماذا يروق لعيــــنيــــ
ـه على الأرض بعد سحر السماء
كيف ينسى جمال فردوسه المفـ
ـقود في عالم دجـــــــيّ الفـــضاء


كيف ينسى الأمس الجميل ليهنا
بحياة موسومة بالـشــــــــــــــقاء؟
ليس يحيا فيها سوى الآثم الجبّـ
ـار يا رحمــــــــــــــــــــتاه للضعفاء


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 12:24 am




قابيل وهابيل



ولماذا ينســـــــى وهل ثمّ في الأر
ضِ عــــــــــزاءٌ عن حلمه المعسولِ
كلما لاذ بالخــــــــــــــــــــيالِ تجلّى
لأساهُ ما كــــــــــــــــــان من قابيل

أوَ لم تسمعِ الحقــــــولُ صدى صر
خةِ هابيل حين خرَّ قـــــــــــــتيلا ؟
أوَلم يشهدِ القطيع على الجـــــا
ني ؟ ألم يبصر الدمَ المطلــــولا ؟

أين هابيلُ؟ أين وقعُ خُطــى أغـ
ــنامِهِ في الحقول والوديـــــــان؟
ليس منه إلا ضريحٌ كئــــــــــيبُ
شادهُ في العراء أوّلُ جـــــــــــانِ

وأتت ظلمة المساء على الحقـ
ــلِ وعاد القطيع من دون راعي
ليس إلا قابيل يمشي كـــــئيبا
وهو نَهْبُ الأفكارِ والأوجــــــــــاعِ

ما الذي تنفع المدامـــــــــعُ يا آ
دم فيما قَضَتْ به الســـــــنواتُ
إن يكن من فقدتَ أول مقـــــتو
لٍ فلأياً سيُقْتَلُ العشـــــــــراتُ

يا لأحزان آدمٍ حيـــــــــــنما أبــ
ـصَر بابنيهِ قاتلاً وقــــــــــــــتيلا
أيها المستطار لن تـــردع الأقـ
ـدار حتى إذا بكيتَ طويـــــــلا

استرح أنت، نمْ، دع العالَم المحـ
ـزون يحيا في ظُلْمة الأرجاسِ
دعْهُ في غيِّه فما كان هابـــيـ
ـلُ القتيلَ الوحــيد بين الناسِ

إنها لعنةُ السماء على الـــعا
لَمِ مسدولةَ الرؤى مكفهـــرّه
كلما ذاق قطرة من نعــــــــيمٍ
أعقبتها من الأسَى ألفُ قطره


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 1:18 am




الحرب العالمية الثانية




لم يكد يستفيق من حربه الأو
لى ويهنا حتى رمته الرزايا
رحمة يا حياة حسبك ما سا
ل على الأرض من دماء الضحايا
انظري الآن هل ترين سوى آ
ثار دنيا بالأمس كانت جنابا
ليس من سحرها سوى سود أحجا
ر تثير الدموع والأشجانا
أين نعماك يا بقايا القصور الـ
ـبيض أين الأزهار والأطيار؟
هجرتك الطيور غير غراب
وجفاك الأريج والإخضرار
أين أهلوك؟ حدّثيني ماذا
يا ركام الأنقاض كان المصير؟
أين يحيون؟ أيّ كهف من الأر
ض زواهم أساه والديجور؟
أين أهلوك يا قصور أتحت الثـ
ـلج أم مزقتهم القاذفات
أسفا ضاقت الميادين بالقتـ
ـلى وما عاد يدفن الأموات
في سفوح الجبال تحت ذرى الأشـ
ـجار خلف القصور والأكواخ
ليس غير الموتى عظاما وأشلا
ء وغير اكتآبــه وصراخ
يا ملاك السلام أقبل من الأجـ
ـواء واهبط على الوجود الكئيب
إبك للراقدين في وجمة المو
ت وأشرق على الظلام الرهيب
طف بهذي القرى لتلمس آها
ت الحزانى والساغبين الظماء
وارحم الصارخين في سرر الأمـ
ـراض بين الأحزان والأدواء
طف بأنقاض عالم ليس يدري
هل سيحظى بمبهجات الحياة؟
هو إن نام لحظة هبّ مذعو
را ليبكي ويرسل الآهات
ما درى حين أضرم الحرب إلا
حلم النصر والفخار العظيم
يا لقلب المسكين! ما ينفع المجـ
ـد لقلب ملوّع مصدوم
فليفق حسبه خيالا وأوها
ما ليلقى ما قد جنت كفّاه
عالم مظلم يضجّ به المر
ضى ويشكو من الطوى أبناه
جفّ زهر الرياض والورق النضـ
ـر و آوت إلى الجفاف الحقول
أسفا لم تدع لنا الحرب شيئا
وتلاشى الحلم الطروب الجميل
من ترى يحرث الحقول ويشدو
أغنيات المراح وقت الحصاد
أين لهو الأطفال عند البحيرا
ت وفوق الثلوج في الأعياد
أين؟ ضاع الخيال والحلم الفا
تن ضاع الجمال ضاع الرخاء
ليس إّلا دنيا من الجوع والفقـ
ـر عليها يعذّب الأبرياء
يا قلوب الأطفال لا تخفقي الآ
ن حنينا لن يرجع الآباء
هكذا شاءت السنين فرفقا
بعيون قد عض فيها البكاء


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 1:28 am




عيون الأموات




يا رفات الأموات في الأرض ماذا
رسم الموت فوق هذي العيون؟
أي رعب وحسرة وشكاة
أيّ معنى من الرجاء الحزيـن؟
كل عينين فيها صــــــــــور تبـ
ـكي وترثي للعالم المغــــــرور
كل عينين تسخران من العيـ
ـش وتســـــــــتهزآن بالمقدور
كل عينين تنظران إلى الآفا
ق بعيدا عن كل ما في الحياة
آه يا ربّ آه لو فهم الأحـــــ
ـياء ماذا في أعين الأمــــوات
يا فتاة الخيال حسبك شدوا
برثاء الموتى وحســبك حزنا
سوف يبقى الخصام والشرّ ما عا
ش الأناسيّ والأناشيد تفنى
هكذا شاءت المقاديـــر للعا
لــــــــــــم إثم وشقوة وحروب
وهي النفس تحمل الشرّ والبغـ
ـض فــــماذا يفيدها التهذيب
كم تغنّى بالسلم والحبّ والرحـ
ـمة من شاعر ومن فيلسوف
أسفا ضاعت الأغاني ولم تبـ
ـق سوى ضّجة القتال العنيف
يا لهذا الكون المعذب في قيـ
ـد من الشرّ والأذى والأثــــام
كيف ينجو من الاسى ومتى يشـ
ـفى من الموجـــعات والآلام؟
كيف ينجو والطبع والقدر القا
سي يسوقانه إلى الأحزانِ؟
يا لقلب المسكين ليس له في
حومة الـشــرّ والشقاء يدانِ
كم أراد السموّ عن وهدة الشر
فحالت طباعُــــــــــهُ الآثماتُ
كم أراد النجاة من مخلب الغَدْ
رِ فــعـــزَّت على مُنَاه النجاة
ما الذي رامه المسيح لكي يجـ
ـزى بما كان ما الذي كان منه؟
أيها العالم الذي اقترف الذنـ
ـب أما آن أن تكفـــــــّـــــر عنه؟
أو لم يََكْفِكَ الشقاءُ أما زلـ
ـت مشوقا إلى حــياة الدماء؟
جفَّ نبع الدموع والدم يا كو
نُ فهلا رثـــــــــــيتَ للأشقياء؟
لُذْ ببرج السماء من نشوة القَتْـ
ـل ألا وليختم سجـــــلّ الرزايا
وليكن من فقدت في هذه الحر
ب ختـــــام الذين ماتوا ضحايا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 1:43 am




أنشودة السلام




أيهــا السـادرونَ فـي ظلمـة الأر
ض كفـــاكم شــقاوةً وذهــــــــولا
احــملوا نــادمينَ أشــلاء موتـا
كـم ونوحـوا عـلى القبـور طــويلا
ضمّخوهــا بــالعطر لفّـوا بقايـا
هــا بزَهْــر الكنــارِ والياسـمــينِ
واهتفــوا حولهـا بأنشـودة السـلـ
ــمِ ليهنـا فـي القـبر كـلُّ حـزينِ
اجــمعوا الصبيـة الصغـار ليشـدوا
بلحـــون الصفـــاء والابتـــــســامِ
أنقـذوا الميّتيـن مـن ضجّـة الحـر
بِ ليستشــعروا جمــال الســلامِ
فيـم هـذا الصـراع يـا أيهـا الأحــ
ـيـاءُ? فيـم القتـالُ؟ فيـم الدماءُ؟
فيـمَ راح الشُـبّانُ فـي زَهْـرة العُمْـ
ــرِ ضحايـا وفيـمَ هـذا العِـداءُ؟
أهْـو حـبُّ الـثراءِ؟ يا عَجَبَ القلـ
ــبِ! ومـا قيمـة الـثراء الفـانـي؟
فـي غـدٍ رحلـةٌ فهـل يـدفع الأمـ
ـــواتُ بالمـالِ وحشـةَ الأكفـانِ؟
كـل حـيّ غـدًا إلـى القـبر مَغْـدَا
هُ فهــل ثَـمَّ فـي الممـاتِ ثـراءُ؟
افتحــوا هــذه القبــورَ وهـاتــوا
حدِّثونــا أيــنَ الغِنَـى والرخــاءُ؟
انظـروا هـا هنا على الشوكِ والرَمْـ
ـــلِ ثـوى الأغنيـاءُ والمُعْدمونـا
أيُّ فَـرْقٍ تـرى وهل غيرُ صمتِ الـ
ـمـوتِ فـوق القبـور والراقدينـا؟
عجبًـا مـا الـذي إذن سـاق هذا الـ
ـكــون للمـوتِ والأذى والدَّمَــارِ
فيـم تحـدو الشُـعوبَ أطمـاعُ غـرٍّ
يتصبَّــى عينيــهِ وهْـجُ الــنـــار ِ
نشـوةُ النَّصْـرِ؟ يـا لسُـخْرية الألـ
ـفـاظِ! يـا لَلأَوهـامِ يـا لَلضـــَّـلالِ
أيهــا الواهمــونَ حســبكمو وهْـ
ـمًـا وهبُّـوا مـن الكَـرَى والخيـالِ
نحـن أَسْـرَى يقودنـا القَـدَرُ الأعـ
ـمــى إلـى ليـل عـالمٍ مجـهولِ
ليس منــا مــن يســتطيع فكاكًـا
ليس منــا غــير الأسـيرِ الـذليلِ
أبــدًا تــأمرُ الليــالي ونمشــي
ليس يُجْــدي تضــرّعٌ أو بــــكــاءُ
ليس يخشــى الممـاتُ صولـةَ جبّـا
رٍ ومـــا يســـتثيرُهُ الضُّعَفـــــــاءُ
هكــذا المـوتُ غـالبٌ أَبَـدَ الـدهْـ
ـر ونحن الصَّرْعَى الضعافُ الحيارَى
ولــه النصْــرُ والفخــارُ علينـا
فــاندبوا مــا دعوتمـوهُ انتــــصـارا
أيّهــا العــالمُ المخـرَّبُ قـد أسـ
ـفَـرَتِ الحـربُ عـن غلابِ المنايا
شــهدتْ هـذهِ القبـورُ لهـا بـالنـ
ـصْـرِ يـا رحمتـا لتلـك الضحايــــا
ثـم مـاذا يـا سـاكني العـالم المحـ
ــزونِ? مـاذا مـن القتـال جنيتُمْ?
وهـل وصلتـم إلـى النجـوم البعيـدا
تِ وهـل مِـن كـفّ العذابِ نجوتم?
هــل تغلَّبتُـمُ عـلى الفقـر والأحـ
ـــزانِ والسُّــقْمِ أيّهـا الواهمــونـا
أنجـــوتم مــن المــآثمِ أم لــم يَـــزَلِ
العيشُ فتنـــةً ومُجُـــــــــــــــــونــا
أســفًا لـم تـزل كمـا كـانت الأنـ
ـفُسُ تحيــا فــي إثمهـا الأبـديِّ
لـم تـزل خـمرةُ الضلال رجاء الـ
آدمييــنَ فــي الوجــود الشـقيِّ
لـم تـزل فـي الوجـود أغنيـةُ الحز
نِ يغنّــي بهــا الضعـاف الجيـاعُ
لـم يـزل في الوجود مرضى حَيَارَى
أبــــدًا تعـــتريـــــــــهمُ الأوجـــاعُ
كـل شـيء بـاقٍ كمـا كان قبل الـ
ـحــربِ غـير الأيــــــتـام والأمـواتِ
غــير ظـلّ مـن الكآبـة والحَـيْـ
ــرةِ يمشـي عـلى ضفـاف الحياةِ
هــؤلاء الأيتــامُ بـالأمس كـانوا
صــورةَ البِشْـر والمـراحِ الجـمـــيلِ
تحـت ظـلّ الآبـاء يقضـون عيشًـا
مــا دَرَوْا غـير صَفْـوِهِ المعســــــول
وأفــاقوا مــن حـلمهم فـإذا الأقـ
ــدارُ حـربٌ والكـونُ قتـلٌ ونــــــــارُ
يـا عيـونَ الأطفـال لا تسـألي الدنـ
ـيـا عـلام اللَّظَـى? وفيـم الدمارُ?
فـي سـبيل المجـدِ المـزيّفِ هذا الـ
ـهــولُ لا كـان مجــــــدُهم لا كانـا
فـي سـبيل النَّصْـرِ الممـوّه عاد الـ
ـعـالم الحـلو فـي اللهيــبِ دخانـا
هـؤلاء الصَّـرْعَى على الصخْر والشو
كِ شــــــــبابًا وفتـــــيـــةً وكهـــولا
كــيف كـانوا بـالأمسِ آيـةَ رؤيـا
رَسَـــموها فلــم تَهِشَّ طـــــويلا?
أيّهـا الأشـقياءُ فـي الأرض يـا من
لــم تُمتْهــم قــذائفُ النــــــيرانِ
عبثًـــا تــأملون أن يرجــع الآ
نَ أعـــزَّاؤكم إلـــى الأوطــــــــانِ
انظــروا هـا هـم الجـنودُ يعـودو
نَ فُــرَادَى مهشّــمي الأعضــــاءِ
آهِ لـــولا بقيـــةٌ مــن حيــاةٍ
لــم يُعَــدّوا فـي جملـةِ الأحيــــاءِ
عبثًــا يبحــثون فـي هـذه الأنـ
ـقـاضِ عـن أهلهـم وعـن مأواهم
عبثًــا يســألون مــا يعلـم العـا
بــرُ شــيئًا فيــا لنــارِ أســــــــاهم
كـيف ذاقـوا مـرارة الخيبـة السَّـوْ
داءِ بــــــــــــــعــــــــد الآلامِ والأدواءِ
هـل نَجَـوْا من براثن الموت والأسـ
ــر لكـي يسـقطوا أَسَارَى الشقاءِ?
أيّهــا الأشــقياءُ يـا زُمَـر الأحـ
ـيــاءِ فـي كـــــــــــــلّ قريـةٍ وصعيـدِ
آنَ أن نســـتعيدَ مــاضيَ حُــبٍّ
هــو مفتـــــــــاحُ حُلْمنــا المفقــودِ
مـا الـذي بيننـا مـن البغض ماذا
كــان ســــــــــــرُّ القتــالِ والأَحقـادِ
أيّهــا النــاقمون نحــــن جميعًــا
شَـرَعٌ فـي أيـدي الخـطوب الشدادِ
نحـن نحيـا فـي عـالم ليس يُـدْرَى
ســرُّه فهــو غيــــــــــهــبٌ مجــهولُ
تطلـعُ الشـمسُ كـل يـومٍ فمـا كُنْـ
ــهُ سـناها? وفيـم كـــــــان الأفـولُ?
مـا الـذي يُطْلـعُ النجـومَ عـلى الكو
نِ مسـاءً? مـا كنْـهُ هـــــــذا الوجودِ?
أيُّ شـيءٍ هـذا الفضـاءُ وما سر
دُجَــاهُ? هـل خلفــــــَـهُ مـن حُـدودِ?
نحن هل نحن في الوجود سوى الجهـ
ــلِ مصُوغًـا فــــي صورة الإنسانِ?
كـلُّ مـا فـي الأكـوانِ يحكمنـا ما
ذا إذنْ ســـرُّ ذلـــــــك الطُغــــيــانِ?
فيـم نطغـى? وكيف ننسَى قوى الكو
نِ ومـا فـي الوجـود أضــــعـف منّـا
ينخَــرُ الـدودُ مـا نَشِـيدُ ولا تُـبْـ
ـقــي الــبراكينُ والريــــــاحُ علينـا
فيــم نقضـي حياتنـا فـي العـداوا
تِ ونُمْضـي السـنينَ يأسًـا وحزنا?
كــيف ننسَـى أَنّـا نعيشُ حيـاة الـ
ــوردِ سـرعان مـا يمـوتُ ويَفْــنى
لـن تـدومَ الأَيّـامُ لـن يحـفَظَ الدهـ
ــــرُ كيانًــا لكــائنٍ بَشــــــــــَــريِّ
فلنَــدَعْ هــذه الضغــائنَ والأحـ
ـقــادَ ولنَحْـيَ فـي الـودادِ النقـيِّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:09 am




البحث عن السعادة



قد بحثنا عن السعادة لكن
ما عثرنا بكوخـــــــــهــا المسحــــــــــــــــــــور
أبدا نسأل الليالي عنها
وهي سرّ الدنيا ولــغـــــــــــــــــــــز الدهـــــور
طالما حدّثوا فؤادي عنها
في ليالي طفولتــــــــــــــــــــــــي وصـــــبايا
طالما صوّروا لعينيّ لقيا
ها وألقوا أنـــــــــــــباءها فــــــي رؤايــــــــــــا
فهي آنا ليست سوى العطر والألـ
ـوان والأغنــــــــــــــــــــــــــيات والأضـــــــــواء
ليس تحيا إلا على باب قصر
شيّدته أيدي الغنــــــــــــــــــــــــــى والرخــاء
وهي آنًا في الصوم عن متع الدنـ
ـيا وعند الزّهـــــــــــــــــــــــــــاد والرهـــــــبان
ليس تحيا إلا على صخـر المعـ
ـبد بين الدعــــــــــــــــــــــــــــاء والإيــــــــمان
وهي حينا في الإثم والمتع الدنـ
ـيا وفي الشرّ والأذى والخــــــــــــــــــــــــصام
ليس تصفو إلا لقلب دنيء
لآئذ بالشــــــــــــــــــرور والآثــــــــــــــــــــــــام
وهي في شرع بعضهم عند راع
يصرف العمر في سفـــــــــــــــــــــــوح الجبال
يتغنى مع القطيع إذا شا
ء ويغفو تحت الشــــــــــــــــذى والظـــــــــلال
وهي في شرع آخرين آبنة العُزْ
لة والفنّ والجــــــــمال الرفــــــــــــــــــــــــــيع
ليس تحيا إلا على فم غرّيـ
ــد يغنـــــــــــــــي أو شــــــاعر مطـــــــــــبوع
وهي حينا في الحبّ يلهمها سهـ
ـم كيوبيد قـــــــلب كلّ محـــــــــــــــــــــــــبّ
ليس تحيا إلا على شفة العا
شق يشدو حياته لحــــــــــــــــــــــــــن حبّ
حدّثوني عنها كثيرا ولكن
لم أجدها وقد بحثــت طويــــــــــــــــــــــــــلا
لم أزل أصرف الليالي بحثا
وأغّني بها الوجـــود الجمـــــــــــــــــيـــــــــلا
مرّ عمري سدى وما زلت أمشي
فوق هذي الشــــــــــــــــــواطىء المحزونه
لم أجد في الرمال إلا بقايا الـ
ـشـــــوك! يا للأمنية المغـــــــــــــــــــــبونــه
أين أصدافك اللوامع يا شطّ
إذن أين كنــــــــــــــــــــــــــــزك الموعــــــود؟
هاته رحمة بنا ,هات كنزا
هو ما يرتجــــــــــــيـــــــــــــــه هذا الوجــود
هاته حسب رملك البارد القا
سي خداعا لنا وحســــــــــــــــــــــبك هزءا
يا لحلم نزيد منه اقترابا
وهو ما زال أيّها الشـــــــــــــــــــــــــــطّ ينأى
لم تعد قصّة السعادة تغريـ
ـني فدعني على شاطـــــــــــــىء الآهات
عبثا أرتجي العثور على الكنـ
ـز فلا شيء غير صمـــــــــــــــــــــت الحياة
أين من هذه الحياة ابتساما
ت الأماني ونشــوة الأفـــــــــــــــــــــــــراح؟
كيف يحيا فيها السعيد وليست
غير بحر تحت الدجى والريــــــــــــــــــــــاح
طال بحثي يا ربّ أين ترى ذا
ك السعيد الجــــــــــــــــــــذلان أيــن تراه؟
ليس حولي إلا دياجير كون
ليس يفنـــــــــــــــــــــى بكاؤه وأســـــــاه
كل يوم ميت يسير به الأحـ
ـياء باكين نحو دنـــــــــــــــــــيا الظــــلام
يا لأسطورة الخلود فما الخا
لد غــــــــــــــــــــير القـــــــــــــبور والآلام
يا دويّ النواح في الأرض أيّا
ن يكفّ الباكون والصارخــــــــــــــــــــونا؟
ومتى ينتهي الشقاء متى ير
تاح كون ذاق الـعـــذاب قـــــــــــــــــرونا
عالم كلّ من على وجهه يشـ
ـقى ويقضي الأيام حــــــــــــزنا ويأسا
جرّعته السنين حنظلها المرّ
فعاف الحــــــياة عينا ونــــــــــــــــفسا
إيه أسطورة السعادة هاتي
حدّثيني عن ســــــرّك المنــــــــشود
أين ألقاك؟ أين مسكنك المر
موق؟ في الأفق أم وراء الوجــــــــود؟
سرت وحدي تحت النجوم طويلا
أسأل الليل والدياجــــــير عنــــــــــك
أسفا لم أجدك في الشاطىء الصخـ
ـريّ حيث المياه تفتأ تبكـــــــــــــي
حيث تبقى الأشواك والورد يذوي
تحت عين الأيّــــــام والأقــــــــــــدار
حيث يفنى الصفاء والليل يأتي
بجنون الأنــــواء والأعصـــــــــــــــــار
حيث تقضي الأغنام أيّامها غر
ثى ولا عشب في جديب المراعي
أبدا تتبع السراب وتشكو
بخل دهر مزّيف خــــــــــــــــــــــدّاع
حيث يحيا الغراب, والبلبل المو
هوب يهوي في عشّه المضــــفور
ويغّني البوم البغيض على الدو
ح ويثوي القمريّ بين الصــــــــخور
حيث تبقى الغيوم في الجوّ رمزا
لحياة سوادها ليس يفــــــــــــنى
حيث تبقى الرياح تصفر لحنا
هو سخرّية المقادر مـــــــــــــــــنّا
حيث صوت الحياة يهتف بالأحـ
ـياء : ماذا تحت الدجى تبتــغونا؟
انظروا كلّ ما على الأرض يبكي
فأفيقوا يا معشر الحالمــــــــــينا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:13 am




بين قصور الأغنياء




سرت بين القصور وحدي طويلا
أسأل العابرين أين الطـــــــروب؟
فإذا فتنة القصور ستار
خادع خلفه الأسى والشحوب
لم أجد في القصور إلا قلوبا
حائرات وعالما محـــــــــــــزونا
ليس إلا قوم يضيقون بالأيّـ
ـام ضيق الجياع والبائســـينا
ليس ينجيهم الغنى من يد الأشـ
ـجان ليست تنجيهم الكبرياء
ليس يعفو الممات عنهم فهم حز
ن وصمت وحــــــــــــيرة وبكاء
كم وراء القصور من مقل تبـ
ـكي وتشكو قساوة المقدور
كم قلوب تودّ أن تبدل القصـ
ـر بكوخ على حفاف الغــدير
إن يكونوا نجوا من الجوع والفقـ
ـر ولم يفترسهم الحرمـــان
فلقد طالما أحسّوا بجوع الـ
ـروح واستعبدتهم الأحــزان
إن يكونوا يقضون أيّامهم بيـ
ـن الحرير الملوّن الجـــذّاب
فغدا تعبر الدهور وهم مو
تى على الشّوك والحصى والتراب
إن يكن في قصورهم من سنا الأضـ
ـواء ما يرجع الظلام ضـياء
فغدا يخمد الضياء وتبقى
ظلمة الليل بكرة ومـــساء
ليس تنجي القصور من ربقة الحز
ن إذا طاف بالقلوب دجاه
كم غنيّ يقضي الحياة شقّيا
مغرقا في أنيــنه وبكاه
كل ما في هذا الوجود من الأمـ
ـوال لا يستطيع دفع الشقاء
كلّ تلك الكنوز ما غمرت قطّ
غنيا بساعة من هناء
يا طريقي مل بي العشّية ما عا
د جمل القصور يحلو لعيني
لم أجد ومضة السعادة فيها
لم أجد غير ظلّ يأس وحزن


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:17 am




عند الرهبان




سر بنا نحو ذلك المعبد القا
ئم فوق الصخور بين الجبال
سر بنا سر بنا لعل لدى الرهـ
ـبان سرّ النعيم والآمال
هؤلاء الزهّاد في القّنة البيـ
ـضاء حيث الصفاء ملء الوجود
عّلهم يعرفون ما قد جهلنا
عن شهاب السعادة المفقود
قد سألت الرهبان عن كنزنا السّحـ
ـريّ لكن لم ألق منهم جوابا
لم يجبني منهم سوى صوت محزو
ن يغّني ويجرع الأوصابا
لم أجد في تلك الصوامع غير الـ
أوجه الشاحبات والديجور
لم أجد غير وحشة تبعث اليأ
س وصمت كمثل صمت القبور
هؤلاء الأشباح ماذا تراهم ؟
آدميّون أم بقايا طيوف
فيم جاءوا وأية سلوى
وجدوها ما بين هذي الكهوف
في بعيد الآفاق تحت دياجيـ
ــر وجود تمشي الكآبة فيه
حيث ما زالت الحياة كما كا
نت على عهد آدم وبنيه
حيث لا زهر لا عرائش لا أشـ
ـجار لا شيء غير هذا السكون
لا جديد فيه سوى موت حيّ
من بنيه ما بين حين وحين
أيّها الراهب الذي يقطع العمـ
ـر وحيدا في كوخه المكفهرّ
هات حدّثني العشّية عما
عند دنياك من نعيم وبشر
حدّثوني عنكم فقالوا حياة
من نعيم وأنفس من نقاء
عجبا أين ما يقولون ؟ما لي
لا أرى غير حيرة الأشقياء
ما الذي عندكم من البشر والأفـ
ـراح؟ ماذا يا أيّها الزاهدونا؟
ليس إلا عمر يمرّ حزينا
يتهاوى كآبة وسكونا
حدّثوني عنكم فقالوا قلوب
نسجت من نقاوة وثراء
ونفوس صيغت من الزهر والعطـ
ـر وهامت مع السّنا والّنقاء
أين هذا الذي يقولون عنكم
أيّها الراهبون؟ أين تراه؟
اسم (تاييس) لم يزل يملأ الكو
ن فأين الذي أضّلت خطاه؟
ما نسينا غواية الراهب المسـ
ـكين في حبّها, وكيف هداها!
يا له بائسا سما بابنة الإثـ
ـم إلى قمّة السماء وتاها
أيّها الراهبون لن تنبت الأز
هار والعطر والسّنا في النفوس
عبثا تهربون من مغريات الـ
ـعيش كم في الوجود من تاييس
لن تذوقوا شهد السعادة ما دمـ
ـتم أناسيّ من تراب وماء
كتبت هذه الطبيعة للأحـ
ـياء أن يكرعوا كؤوس الشقاء
أو تنسون أنكم لم تزالوا
مثلما كنتمو حيارى حزانى
لم تزل فتنة الوجود تناديـ
ـكم وتهفيكم إلى ما كانا
لم تزل ذكريات أمسكم المهـ
ـجور تحيا في الأنفس المحزونه
وخيال من عالم فاتن الألـ
ـوان ملء المشاعر المغبونه
أيها الراهبون ماذا إذن نفـ
ـع اعتزال تشوبه الصبوات
آه عودوا إلى مصارعة الدهـ
ـر وعيشوا كما تشاء الحياة
أيها المعبد الحزين وداعا
أنت يا من لاذت به آمالي
لم أجد في حماك زهرة أحلا
مي فيا ضيعة السّرى والكلال
لم أجد زهرة السعادة والأفـ
ـراح عند الزهّاد والراهبينا
آه ضاعت أيّام عمري وما زا
ل شراعي يطوي فراغا حزينا
عند شط الحياة ألقيت مرسى
زورقي في الضباب تحت الظلام
أرقب السائرين في الشاطىء الصخـ
ـريّ بين الوهاد والآكــام
أين ألقاك يا سعادة ؟هاتي
حدّثيني فقد بحثت طويلا
طال تيهي فنبئيني متى يبـ
ـلغ قلبي مقرّك المجهولا
أو لم أقطع البحار إلى الرهـ
ـبان والزاهدين في الصحراء
أو لم تنكر الفضيلة ألوا
نك يا لهفتاه ضاع رجائي



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:19 am




مع الأشرار




قد رقبت الأشرار حينا فلم أعـ
ـثر لديهم على سناك الحبيب
فهم البائسون تطحنهم أيـ
ـدي الليالي بما جنوا من ذنوب
ورأيت الطغاة يحيون محزو
نين بين الأوهام والأشباح
ليس يشفيهم من الحزن واليأ
س دواء فالداء في الأرواح
فإذا أخمدوا هتافات مظلو
م فما يخمدون صوت الضمير
ذلك الراقب الإلهيّ في النفـ
ـس لسان الهدى وصوت الشعور
أبدا ساهر يراقب أقدا
ر الليالي وسطوة الأيّام
أبدا يرمق الحياة من الأعـ
ـماق ,مستهزئا من الأعوام
فإذا حادت القلوب عن الخيـ
ـر علا صوت ذلك الجبّار
فهو الناقم النبيل على الشرّ
وقاضي الطغاة والأشرار
كيف ينجو الأشرار من شقوة الرو
ح وصوت الضمير بالمرصاد
لا ملاذ من حاكمٍ يملك الرو
ح بما في كّفيه من أصفاد
عجبا أين تلتقيك حياتي؟
يا ضفاف السعادة المنشوده؟
جبت هذا الوجود أبحث لكن
لم تزالي الحقيقة المفقوده
جهلتك الدنيا فلا أحد يعـ
ـلم ما أنت واقع أم خيال؟
كّلهم يسألون عنك ولكن
لم تحدّث بسرّك الآزال
ها أنا ذي حملت قلبي على كفّـ
ـي وسرت الحياة أبحث عنك
أسأل العابرين هل فيهم من
قد روى قلبه المشوّق منك


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:27 am




في الريف




عند هذي الأكواخ شاعرتي ألـ
ـقي المراسي تحت الفضاء الصاحي
أنظري أيّ عالم فاتن المجـ
ـلى بعيد عن ضجّة الأتراح
أنظري عّلنا بلغنا أخيرا
ذلك الشاطىء الذي نتمّنى
بعد ليل من المسير طويل
ضاع فيه عمري كلالا وحزنا
أنظري أنظري هنا العشب الأخـ
ـضر نشوان في سفوح الجبال
عند نبع من قنّة الجبل الأبـ
ـيض يجري تحت السّنا والظلال
الصباح الجميل قد توّج الود
يان بالضوء والجمال البهيج
ما أحبّ الحياة في هذه الجنّـ
ـة تحت الضياء بين المروج
ما أحبّ الصفاء يحتضن الأشـ
ـجار والواد النضير الخصيبا
ما أرقّ الأزهار في مهدها الور
ديّ ما أعطر الربى والسهوبا
كلّ شيء في هذه الجّنة الحلـ
ـوة يوحي بأننا قد وصلنا
ها هنا شاطىء السعادة هذا
حلم قلبي فما ألذّ وأهنا
فلنطف بالعرائش الخضر فلنغـ
ـنم صفاء الحياة بعد أساها
فلتجفّ الدموع فليمض أمس
مرّ بالقلب باكيا أوّاها
ولنعش للصفاء يفتن دنيا
نا غناء الرعاة عند الجبال
ونشيد تديره شفتا طفـ
ـل يغّني على تلول الرمال
وقطيع الأغنام في المرج تحت الظـ
ـلّ والفجر والندى والنسيم
وليالي الحصاد والقمر السحر
يّ والطيف والصدى والغيوم
فلنُقَضِّ الحياة في هذه الجنـ
ـة ناسين حادثات الحياة
ها هنا فتنة الطبيعة تنجي الـ
ـكائن الحيّ من خيال الممات
ها هنا أستطيع أن أفهم السرّ
ففيم الأسى وفيم البكاء؟
خل خلت هذه المجالي من الأغـ
ـنام يوما؟ وهل تعرّى الفضاء؟
ها هنا يستطيع أن يفهم القلـ
ـب جمال الدنيا وسرّ الخلود
كل حيّ باق فإن مات غرّيـ
ـدٌ فكم في الأعشاش من غرّيد
ها هنا كلّ زهرة تبعث العطـ
ـر فإن تفن فالشذى غير فان
كم زهور ستنشر العطر والألـ
ـوان من بعد في فضاء المغاني
ها هنا إن يسر أبولو بضوء الشـ
ـمس نحو المغيب كلّ مساء
فالنجوم الملألئات جمال
شاعريّ الألوان والأضواء
ها هنا تنطق العرائش بالشعـ
ـر وتحنو على مجاري الجداول
ها هنا تستحمّ آلهة الأنـ
ـهار في الماء تحت ظلّ الخمائل
كلّ شيء حلو فاين ترى السكـ
ـان؟ أين الفلاّح والقطعان؟
فيم لا يملأون عالمهم لهـ
ـواً ؟ وأين الآمال والألحان؟
سرت فيه وحدي وحدي أسائله عن
ساكنيه وأيّ واد حواهم؟
أيّ لحن يرّنمون إذا الشمـ
ـس أطّلت؟ وما ترى نجواهم؟
كيف يحيون في صفاء من العيـ
ـش بعيد عن قسوة الضرّاء
أأظّلتهم السعادة بالأحـ
ـلام أم هم كسائر الأشقياء
اتراهم يرنّمون الأغاريـ
ــد ويلهون في ليالي الحصاد
تحت ضوء النجوم والقمر البا
سم بين العطور والأوراد
أتراهم أولئك البشر اللا
هون بين الجمال والأحلام؟
أتراهم كما تخّيل قلبي؟
أم تراني أمعنت في اوهامي
يا رعاة الأغنام في السفح عند النـ
ـبع بين العرائش السّندسية
حدّثوني عن أغنياتكم الجذ
لى وعن بسمة القرى الشاعرّيه
حدّثوني عن الربيع إذا مرّ
على هذه القرى والشطوط
حدّثوني عن الحصاد ومجنى الـ
ـزهر والبرتقال والبلّوط
حدّثوني ما لي أراكم حزانى ؟
كلّ راع في وحشة واكتآب
كلّ راع جهم الملامح لا يشـ
ـدو ولا يزدهيه سحر الغاب
أنت يا أيّها الحزين أجبني
أيّ حزن في مقلتيك أراه؟
أي قيد من المرارة واليأ
س أظلّتك يا كئيب يداه؟
كيف يشقى من في حمى هذه الجنـ
ـة يحيا وتحت هذي السماء
كيف يشقى الراعي وبين يديه
جنة من مفاتن وضياء
أسفا قد خدعت لم تصدق الأحـ
ـلام فيما رسمن من أفراح
لم أجد عند ذلك الشاحب
الصامت إلا مرارة الأقداح
فهو عند الينبوع ينظر في الظلّ
إلى الأفق شاحبا مصدوما
ممعنا في الجمود والصمت كالمو
تى يناجي الفضاء يرعى الغيوما
لم تزل قربه على العشب النا
دي عظام لكائن مقتول
هو ذاك الراعي الصغير الذي را
ح طعاما للذئب بين الحقول
إيه راعي الأغنام يا أيّها المقـ
ـتول فوق العشب النديّ النضير
كيف مات الراعي ولم تمت الأغـ
ـنام يا للمقدّر المسطور
يا لحكم الأقدار يا راعي الأغـ
ـنام يا ظلم ما تريد الصروف
كيف تفنى الأشواك حارسة الزهـ
ـر ويبقى الورد الرقيق الضعيف؟
إنها قصّة الطبيعة يا را
عي قتال وأدمع وشكاة
إن تكن قد قتلت فالثأر باق
وغدا تقتل الذئاب الرعاة
نازعتنا البقاء في هذه الأر
ض وحوش الأحراش والأطيار
فلنا النصر مرّة ولهم أخـ
ـرى كما تبتغي لنا الأقدار
فعزاء يا أيّها الجسد المصـ
ـروع في غمرة الكرى الأبديّ
قد بكاك الراعي الصديق وما زا
ل غريقا في حزنه الأخويّ
لم يزل جامدا على حافة النبـ
ـع وفي مقلتيه دمع الشجون
يرقب الماء شاكيا قسوة الأقـ
ـدار مستنكرا ضلال المنون
صامتا ساهما بعيدا عن الأغـ
ـنام حيران في ضباب الوجود
رازحا تحت وطأة الألم الطا
غي مشيحا عن الشذى والورود
كلما جفّ دمعه ذكر المقـ
ـتول والذئب فاستردّ أساه
يا لأحزانه الملحّات يا للـ
ـهول ماذا ترى يعيد صفاه؟
السّنا والجمال؟ يا حيرة الرا
عي ويا ضيعة السنا والجمال
بعد حين ستعصف الريح بالصفـ
ـصاف والورد في سفوح الجبال
بعد حين يأتي المساء كئيبا
ويلفّ الجبال بالأحزان
ويسود السكون غير هتاف
ردّدته ضفادع الغدران
غير صوت النشيج في قرية الرا
عي تعالى تحت الدجى المنشور
غير صوت القدوم يعمله الحفّـ
ـار في الأرض بين صمت القبور
ثم يمضي الليل العميق إلى غيـ
ـر رجوع وتبسم الأضواء
ويعود القمريّ يصدح جذلا
ن كأن ليس في الحياة شقاء
غير دار ماذا يعذّب أهل الـ
ـقرية البائسين من آلام
غير دار ما خلف أكواخهم من
رعشات ولوعة وسقام
ليس يدري القمريّ لا ليس يدري
ما وراء الأكواخ من حرمان
ليس يدري أنّ الطبيعة تقسو
ليس يدري مرارة الأحزان
ليس يدري ماذا وراء بيوت الطـ
ـين هذي من وحشة وظلام
ليس يدري ماذا يهزّ الخيام الـ
ـسود من لهفة ومن آلام
ليس يدري القمريّ ما يحزن الفـ
ـلاح في كوخه وليس يراه
ليس يدري أنّ الأماسيّ قد تمـ
ـضي عليه وما يغيب أساه
ليس يدري ما يفعل الجوع والحز
ن بأهل الأكواخ كلّ شتاء
حينما تغمر الثلوج ثرى المر
ج وتطغى عواصف الأجواء
حينما في حضائر القرية الحيـ
ـرى يموت القطيع موت غبين
حينما تذبل العواصف زهر الـ
ـلوز والبرتقال والياسمين
حينما تدفن الثلوج حقول الـ
ـقمح يا رحمتاه بالفلاّح
حينما يصرخ الجياع الحيارى
في ظلام الأكواخ كلّ صباح
أيها الصادح المغرّد فوق الـ
ـدّوح طر عن هذا الوجود الأليم
دع أساه يا طير لي أنا وحدي
واحيَ أنت الجذلان بين الغيوم
دعه لي دع آمال قلبي تذبل
بعد بحثي الطويل في الكون عنها
دع فؤادي يعد إلى ظلمة الأحـ
ـزان واخلص يا بلبلي أنت منها
خّيبت هذه القرى حلو أحلا
مي فلا رسم للسعادة فيها
ليس يدري الراعي المعذّب مأوا
ها ولا كان مرّة من بنيها
خدعتني الأوهام ليس لدى الرا
عي رخاء الحياة ليس لديه
فهو ذاك المكدود تصهره الشمـ
ـس ويقسو الحصى على قدميه
يتمّنى أن لو تبدّل بيت الطـ
ـين قصرا على حفاف المدينه
ويريد الحياة لهوا فلا أغـ
ـنام تثغو ولا نفوس حزينه
يا لوهم المسكين, كم من شقيّ
في ظلال القصور كم مصدوم
ليس للمال أن يذيق فؤادا
بشرّيا معنى الرضى والنعيم
يا سفيني ما عاد في القرية الحلـ
ـوة مرسى لنا ففيم البقاء
ليس تحت الصفصاف إلا بيوت الطّـ
ـين والسقم والطوى والبكاء
أقلعي أقلعي بنا قد سئمنا
صرخات الجياع في كلّ شِعْبِ
قد رأينا الدموع في كلّ عين
وشهدنا الشقاء في كلّ قلب
ما الذي يا سفين يغري بأن نبـ
ـقى إذن؟ ما الذي ترى يبقينا؟
هل وجدنا طيف السعادة هل في
هذه الأرض فرحة تغرينا؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:29 am




بين الفنانين




انشري يا سفين أشرعة السيـ
ـر وشقّي عباب هذي الحياة
ثم ارسي بنا على شاطىء الفنّ
وبين الأشعار والأغنيات
علّنا واجدون في ذلك الشا
طيء ظلّ السعادة المتمّنى
علهم قد ترشّفوا شهدها السـا
حر حتى صاغوه شعرا وفنّا
طالما صوّروا لألحانهم ما
قد دعوه بنشوة الفنّان
طالما حدّثوا عن الأمل الحلـ
ـو وغّنوا بالنور والألوان
فلنقف عندهم إذن ولنراقب
ركب أيّامهم وكيف تمرّ
أتراها ليل ودمع وحزن؟
أم تراها فجر وضحك وبشر؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:38 am




مأساة الشاعر




قد هبطنا في شاطىء الشعر والفن
فماذا فيه من الأفراح؟
ها هو الشاعر الكئيب وحيدا
تحت سمع الآصال والأصباح
أبدا ساهم يراقب أيّا
م حياة لا تنقضي بلواها
لا يرى الواهمون غير ضحاها
ويعيش الفّنان تحت دجاها
يرقب الأشقياء في ظلمة العيـ
ـش ويبكي لهم بكاء غبين
ويصوغ الألحان يرثى لبلوا
هم ويبكي على الوجود الحزين
طالما بات ساهد الطرف حيرا
ن يسرّ الظلام أحزان شاعر
لا يرى في الحياة إلا وجودا
ظلّلته يد الشقاء العاصر
أبدا لا يرى سوى مسرح المأ
ساة بين الدموع والتنهيد
وستارا من الدجى يتجلّى
كلّ يوم عن مّيت ووليد
واكتئابا يمشي على صور الكو
ن جميعا ولوعة وشقاء
ودموعا تلوح في كل عينيـ
ـن ودهرا يخادع الأحياء
ليس يلقى الحياة إلا حزين الـ
ـقلب حيران في هموم الحياة
كلما أنّ بائس ذرف الشا
عر دمع الأسى على المأساة
وإذا أذبل الجليد زهو الـ
ـلوز ران الأسى العميق عليه
وإذا ماتت البلابل ظمأى
جال دمع الرثاء في مقلتيه
فهو قلب قد صيغ من رقّة الزهـ
ـر وعين قد طهّرت بالدموع
وحياة حسّاسة ليس يدري
سرّها غير شاعر مطبوع
هي عمر ظمآن تعصره العُزْ
لة عصرا, يمرّ كالآزال
في سكون لا صوت يسمع فيه
غير صوت الصرّار تحت الليالي
غير همس الحمام في الجبل المو
حش أو لحن بلبل مهجور
وحفيف الأشجار في قبضة الر
يح وصوت الرعود في الديجور
غير همس الأشباح ملء دجى الشا
عر في ليله الطويل الجديب
يتلقّى الأشعار عنها ويحيا
أبدا في حمى الأسى والشحوب
أيها الشاعر الذي يسهر الليـ
ـل وحيدا مستغرقا في الجمود
محرقا روحه بخورا على حبّ
(أبولو) ووحيه المنشود
ساهدا حانيا على القلم الشا
عر يرثي الدجى ويبكي السنينا
راسما للحياة صورتها المرّ
ة بين الجياع والبائسينا
أطفىء الضوء أيّها الشاعر المتـ
ـعب وارحم فؤادك الموجوعا
كاد يخبو ضوء السراج وتأتي
ظلمات الدجى عليه جميعا
رقد العالم المعذّب تحت الـ
ـليل فارقد واترك بقايا النشيد
حسبك الآن ما سهرت مع الحا
رس ترثي لليله المكدود
قد أوى الحارس الكئيب إلى الكو
خ إلى غمضة الكرى والطيوف
فكفى يا حزين عطفا على الكو
ن ورفقا بقلبك الملهوف
عجبا كيف تسهر الشاعر الملـ
ـهم أحزان من عن الحزن ناموا
كيف ترقا مدامع الورد في الحقـ
ـل ويبكي على أساها الحمام
آه يا شاعري المعذّب ماذا؟
أكذا تصرف الحياة غبينا؟
في سبيل الوحي السماويّ تحيا
شاحب الوجه متعبا محزونا
بعت بالشعر لهو أيّامك الظمأ
ى وعفت الحياة عينا وقلبا
ونذرت الشباب والحبّ للفنّ
لتحيا على الجراح محبّا
ليس يعنيك أن ترافقك الأحـ
ـزان ما دمت ملهما صدّاحا
ليس يرضيك غير تغّنيـ
ـه وإن صغته أسى ونواحا
ليس تعطي الحياة للشاعر المجـ
ـد إذا لم يذق هموم الحياة
ليس تسمو الأرواح إن لم تطهّر
ها معاني الدموع والآهات
فإذا أشحب الأسى وجنة الشا
عر أو بات ليلة أوّاها
وإذا عضّ قلبه مخلب الحز
ن وضاقت حياته بأساها
خاطبته الحياة : يا شاعري الملـ
ـهم يا ابن الشحوب والآلام
النجوم الوضاء لا تبعث السحـ
ـر إذا لم يسدل ستار الظلام
والذي يجمع الزهور يدوس الـ
الشوك يا شاعري ويمشي عليه
والذي يعشق الطبيعة لا يثـ
ـقل صمت الدجى على مسمعيه
فاحتمل ما استطعت أحزان عمر
هو لولا الأحزان ما كان شيّا
وادفن النور في جفونك ميتا
وابعث الشعر من فؤادك حّيا
غنّ هذا العذاب صف لحياة النـ
ـاس ماذا يبكي فؤاد الشاعر
صف لهم كيف يصرف العمر حيرا
ن ويحيا على أساه العاصر
صف لهم ذلك الصراع صراع الـ
ـفكر والقلب في ظلام الحياة
كلّما أخفت النعيم صراخ الـ
ـقلب ضج الفكرالأبيّ العاتي
فهما في حياته نبع أحزا
ن يردّ الحياة أفقا كئيبا
وهما الثائران لا بدّ من صو
تهما وليكن دما ولهيبا
شرعة الفكر أن يغرّد بالشعـ
ـر ويشدو وإن يكن محزونا
ومناه السموّ للعالم الأعـ
ـلى وأن يلق في الطريق المنونا
فهو أفق حرّ يريد حياة الـ
ـعقل في معزل عن الإحساس
وسواء لديه أن يشجب الشا
عر أو أن تقسو عليه المآسي
أفليس الشحوب والألم العا
صر نبعا للشعر والألحان
أو لا تقنع الحياة من الشا
عر باللحن في حمى الحرمان؟
فيم كان الصراع يبعثه القلـ
ـب إذن فيم؟ فيم لا يطمئن
فيم يأبى الحياة في وحشة العز
لة والفكر فيم يمضي يئن؟
هكذا تصرخ الخواطر بالشا
عر في ليله, فإن جاء فجر
ورأى الراعي الصبيّ يسوق الـ
ـغنم الظامئات لم يبق شعر
ومضى القلب صارخا أين حّبي؟
أين لهوي؟ وفيم أبقى أسيرا
أبدا لا أني أضحّي بأفرا
حي، وأحيا ذاك الحزين الكسيرا
من بكائي تصوغ شعرك للكو
ن ومنّي المنى ومنّي الحنين
من دمي هذه الملاحم فارحمـ
ـني أنا العاشق الشجي المغبون
انطلق بي دعني أذق فرحة الحبّ
لعلي من الشقاء أفرّ
ما غناء الأشعار يا شاعري المتـ
ـعب إن كانت الحياة تمرّ؟
ليس يغني عنك النشيد إذا متّ
حزينا وليس يرويك لحن
لا تقل في غدٍ غدٌ ندم قا
س على ما مضى ويأس وحزن
تحت ثقل الثرى وفي وحشة المو
ت سيخبو هذا النشيد ويفنى
فإذا لحنك الذي صغته يأ
سا وحزنا للناعمين يغّني
وسَتُنْسَى أنت الذي ملأ الدنـ
ـيا جمالا ومات ظمآن جهما
وسيبلى التراب ما يتبّقى
منك يا مستطار لحما وعظما
ثم ماذا ؟ غدا يقولون قد كا
ن فتى بيننا طواه الهزال؟
ما رأينا منه سوى طيف إنسا
ن فقدناه واصطفاه الخيال
سيقولون شاعر ركبته
لوثة فانزوى وعاش غريبا
أبدا يرقب الفضاء يصيد النـ
ـجم أو يحصد الظلام الكئيبا
يرمق الزهر من بعيد وفي عيـ
ـنيه أحلام عاشق ولهان
جامدا قانعا بعذريّ حبّ
يكتفي بالعطور والألوان
أيها الشاعر السجين كفانا
غربة في حياتنا ووجوما
حسبك الآن ما خضعت لصوت
العقل وارحم شبابك المحروما
ويمرّ النهار والشاعر المغـ
ـبون حيران بين فكّي أساه
بين همس الصوتين يحيا كئيبا
ويناجي طيوفه ومناه
فإذا جاش قلبه بمعاني الـ
ـيأس ألقى أحزانه في النشيد
لائذا باليراع يسكب فيه
ما يعاني من العذاب الشديد
ساكبا روحه على كل بيت
ناحتا من فؤاده الألحانا
راضيا بالشحوب والسقم حبا
لأبولو مستسهلا ما كانا
كلّ بيت من شعره يتقاضا
ه شحوبا ورعشة وسقاما
فهو في لحنه يذيب صباه
ويضيع الشباب والأحلاما
ثم ماذا؟ سرعان ما يزأر الإعـ
ـصار, والزهرة الجميلة تذوي
وإذا الضوء في الأعاليّ يخبو
وإذا النجمة الوضيئة تهوي
ويغيب الضياء في ليل قبر
ليس تبكي له سوى الأمطار
ليس يرثيه غير ذاوي صباه
وبقايا القيثار والأشعار
ذلك الشاعر الذي كان يحيا
عمره باكيا على كلّ باك
ذلك العاطف النبيل على الأحـ
ـزان ذاك الملقى على الأشواك
نبذته الأيام في قبره المو
حش تحت الرياح والظلمات
حيث لا آهة يصعّدها قلـ
ـب ولا دمعة على المأساة
هكذا في العذاب تمضي حياة الشـ
ـاعر الملهم الرقيق وتنسى
هكذا يملأ الوجود جمالا
ويذوق الآلام كأسا فكأسا
هكذا كلّ شاعر فارحلي بي
يا سفيني عن عالم الشعراء
ولندعهم في ذلك الشجن العا
صف بين الآهات والأدواء
ولنسر في بحر الحياة كما كنّـ
ـا ونلقي المرسى على كل ساحل
ربما يا سفين نلقى ضياء
يتجلّى بعد الظلام القاتل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:43 am




عند العشاق




ربما كان في حياة المحبيـ
ـن رجاء أو دفقة من ضياء
ربما كان عندهم ذلك الإكـ
ـسير بين الخيال والأهواء
شاطىء الحبّ أيها اللامع الخا
دع هات الحديث عن أبنائك
صف مناهم وبشرهم وأساهم
صف لنا ما اختفى وراء صفائك
صف لنا كيف يعصر العاشق الشو
ق إلى من ينام عن بلواه
كيف يلهو به الخيال فيمضي الـ
ـليل سهران غارقا في مناه
صف حياة الذي استبدّ به الحب
فخال الحياة جّنة سحر
ومضى فاتحا ذراعيه للنو
ر يصوغ الحياة ديوان شعر
يلثم الزهر في الحقول ويشدو
لليالي الحصاد لحن هواه
راقصا كالفراش للقمر الحلـ
ـو خليا من يأسه وأساه
راسما للغد الجميل من الأحـ
ـلام ما لا تطيقه الأقدار
سادرا في أوهامه غير دار
أن هذي الحياة هول ونار
في يديه كأس الرحيق يغنيـ
ـه على مسمع النهار ويشرب
وعلى ثغره ابتسامة مخدو
ع يغّني له الشقاء فيطرب
ثم يخبو الضياء ذات مساء
ويفيق النشوان بالأوهام
فإذا الحقل ذابل لا زهور
لا فراش لا شيء غير الظلام
أين تلك الأحلام؟ كيف ذوى الحب؟
وأين الوجه الحبيب النضير
يا لغدر الأيام لم تحفظ العهـ
ـد لقلب جنى عليه الشعور
وتمرّ الحياة والعاشق المهـ
ـجور قلب دام ووجه شاحب
أبدا يرجع الخيال إلى الما
ضي ويبكي على الغرام الذاهب
أبدا يرمق الحياة كئيبا
من وراء الدموع والأحزان
ويراها الذئب الذي ينهش القلـ
ـب ويقسو على الأسى الإنساني
أبدا يسأل الظلام حزينا
شارد الفكر أين ألحان قلبي
أين زهري وأين بلبلي المنـ
ـشود؟ ماذا أضاع أحلام حبّي؟
أين تلك التي سكبت عليها
من حياتي ومن فؤادي ولحني
أين تلك العيون تلهم أحلا
مي وتمحو غشاوة الحزن عنّي؟
يا لقلب المسكين تلذعه الذكـ
ـرى وتحيي غرامه وأساه
هكذا قد قضى عليه كيوبيـ
ـد فماذا تفيده شكواه؟
فليجد في الخيال والشعر والذكـ
ـرى دواء لحبّه المصدوم
وليقضّ الحياة بين حقول الـ
ـقمح والقطن تحت ضوء النجوم
وليحبّ الغيوم والفجر والنهـ
ـر ويمضي الأيّام بين التلال
يتغنّى فيعشق الزهر موسيـ
ـقاه عند الهوى وفوق الجبال
فحياة الخيال أجمل من وا
قع حب ملفّع بالرماد
وهنا يا مصدوم حرّية الرو
ح فماذا يغريك بالأصفاد
سل كيوبيد عن شقاوة صرعا
ه وماذا يلقون من تعذيب
كيف يحيون في جحيم من الشكّ
وليل من الضنى والشحوب
إن قضت بالحرمان أيّامهم عا
شوا حزانى معذبين حيارى
يشتكون الأقدار والزمن العا
تي ويحيون أشقياء أسارى
وإذا ما تحقق الحلم العذ
ب أشاحوا عن سحره كارهينا
ويعود الضياء ليلا دجّيا
وتعود الأزهار شوكا وطينا
هكذا يخمد الغرام وتخبو
شعلة الحب والمنى والحنين
فالسعيد السعيد من دفن الحبّ
وعاش الحياة غير سجين
يا دموع العشّاق قد شبع العا
لم بؤسا فلا تزيدي أساه
قد ملأنا الكون الجميل دموعا
وشبعنا من صمته ودجاه
فانضبي أنت حسبنا شجن العيـ
ـش وبلوى الحياة والأيام
حسب هذي الأرض الكئيبة دمع الـ
ـبائسين الجياع والأيتام
انضبي واطردي خيال كيويبـ
ـد وحسب الغرام هذي الضحايا
لن ينال العشّاق يوما سوى أد
مع حبّ حفّت سناه المنايا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:45 am




قيس وليلى




كيف مات المجنون؟ هل سعدت ليـ
ـلى؟ سلوا هذه الصحاري الحزينة
اسألوها ما حدّث الريح قيس الـ
أمس ليلا وكيف عاش سنينه
ذلك الشاعر الشريد الخياليّ
صديق الظباء في الصحراء
ونجّي الرمال والوحش والبيـ
ـد وطيف الشحوب والأدواء
سحق الحبّ قلبه المرهف الغضّ
فعاش الحياة دون مقرّ
فوق تلك الرمال ينشد أشعا
ر هواه لكل هوجاء تسري
راسما فوق صفحة الرمل ما
كا ن من الشوق والأسى والحنين
لاثما كلّ موضع خطرت ليـ
ـلى عليه في ماضيات السنين
يوم كانت ترعى الشياه ويرعى
قيس أغنامه فتشدو ويشدو
وتدوّي باللحن تلك الرمال الـ
ـسمر حيث الظباء تلهو وتعدو
يوم كانت يا لهفة الشاعر العا
شق ماذا قد أبقت الأقدار؟
نضبت فرحة الصبا وذوى الوا
دي وجفت في رحبه الأزهار
وتبقّى قبر على قدم التلّ
ذوت تحته معالم ليلى
وحنت فوقه شجيرة ورد
تخذتها الأشلاء في القبر ظلاّ
وتبقّى قيس المعذّب يبكي
ما تبقّى من عمره المصدوم
راقدا عند حافة القبر لا يفـ
ـتأ يشكو إلى الصبا والغيوم
يتمنى ليل المنايا ويدعو
ه إليه بأعذب الأسماء
ويغنّي للموت أجمل ألحا
ن هواه تحت الدجى والضياء
ثم جاء الصباح يوما وقيس
في يد الموت ذاهل مصروع
ليس تبكيه غير تنهيدة الريـ
ـح وصوت البوم الكئيب دموع
يا قلوب العشّاق حسبك حّبا
واقبسي من مأساة قيس مثالا
هي هذي الحياة لا تمنح الأحـ
ـياء إلا العذاب والأهوالا
خدعتنا بالحبّ والشوق والذكـ
ـرى وما خلفها سوى الأوهام
عالم سافل يضجّ من الإثـ
ـم ويحيا بين الهوى والظلام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:51 am




في أحضان الطبيعة




أيها الشاعرون يا عاشقي النبـ
ـل وروح الخيال والأنغام
ابعدوا ابعدوا عن الحبّ وانجو
بأغانيكم من الآثام
اهربوا لا تدّنسوا عالم الفنّ
بهذي العواطف الآدميّه
احفظوا للفنون معبدها السا
مي وغنوا أنغامها القدسيّه
قد نعمتم من الحياة بأحلى
ما عليها وفزتم بجناها
يعمه الآخرون في ليلها الدا
جي وأنتم تحيون تحت سناها
اقنعوا باكتآبكم واعشقوا الفنّ
وعيشوا في عزلة الأنبياء
وغدا تهتف العصور بذكرا
كم وتحيون في رحاب السماء
اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ
وسحر الطبيعة المعبود
واحلموا بالطيور في ظلل الأغـ
ـصان بين التحليق والتغريد
اعشقوا الثلج في سفوح جبال الـ
أرض والورد في سفوح التلال
وأصيخوا لصوت قمريّة الحقـ
ـل تغني في داجيات الليالي
اجلسوا في ظلال صفصافة الوا
دي وأصغوا إلى خرير الماء
واستمدّوا من نغمة المطر السا
قط أحلى الإلهام والإيحاء
وتغّنوا مع الرعاة إذا مرّ
وا على الكوخ بالقطيع الجميل
وأحبوا النخيل والقمح والزهـ
ـر وهيموا في فاتنات الحقول
شجرات الصفصاف أجمل ظلاّ
من ظلال القصور والشرفات
وغناء الرعاة أطهر لحنا
من ضجيج الأبواق والعجلات
وعبير النارنج أحلى وأندى
من غبار المدينة المتراكم
وصفاء الحقول أوقع في النفـ
ـس من القتل والأذى والمآثم
وغرام الفراش بالزهر أسمى
من صبابات عاشق بشريّ
ونسيم القرى المغازل أوفى
لعهود الهوى من الآدميّ
وحياة الراعي الخياليّ أهنأ
من حياة الغنيّ بين القصور
في سفوح التلال حيث القطيع الـ
ـحلو يرعى على ضفاف الغدير
حيث تثغو الأغنام في عطفة المر
ج وتلهو في شاسعات المجالي
وينام الراعي المغرّد تحت السّـ
ـرو مستسلما لأيدي الخيال
في يديه الناي الطروب يناجيـ
ـه ويشدو على خطى الأغنام
مستمدّا من همس ساقية السفـ
ـح لحون الشباب والأحلام
آه لو عشت في الجبال البعيدا
ت أسوق الأغنام كل صباح
وأغنّي الصفصاف والسرو أنغا
مي وأصغي إلى صفير الرياح
أعشق الكرم والعرائش والنبـ
ـع وأحيا عمري حياة إله
كلّ يوم أمضي إلى ضّفة الوا
دي وأرنو إلى صفاء المياه
اصدقائي الثلوج والزهر والأغـ
ـنام, والعود مؤنسي ونجيّي
ومعي في الجبال ديوان شعر
عبقريّ لشاعر عبقريٍّ
أتغّنى حينا فتصغي إلى لحـ
ـني مياه الوادي ومرتفعاته
وأناجي الكتاب حينا وقربي
هدهدٌ شاعرٌ صفت نغماته
وخرير من جدول معشب الضفّـ
ـة يجري إلى حفاف الوادي
وثغاء عذب من الغنم النشـ
ـوى وهمسٌ من النسيم الشادي
آه لو كان لي هنالك كوخ
شاعريٌّ بين المروج الحزينه
في سكون القرى ووحشتها أقـ
ـضي حياتي لا في ضجيج المدينه
ليتني من بنات تلك الجبال الـ
ـغنّ حيث الجمال في كل ركن
ليتني ليتني وهل تبعث الأحـ
ـلام إلا الدموع في كلّ عين
قدّرت لي السنين أني هنا أقـ
ـضي حياتي قلبا رقيقا شجيّا
في ضباب الخيال أمشي وحولي
عالم للغنى يموت ويحيا
قد أحبوا أيامهم وتمّرد
ت عليها فعشت في أحلامي
إن أكن قد ولدت في هذه الضجّـ
ـة فلألتجيء إلى أوهامي
ولأعش في الخيال حيث تهيم الـ
ـروح بين المروج والقطعان
هكذا تهدأ الأماني إلى حيـ
ـن وتخبو مرارة الأحزان
هكذا أدفن الطموح كما يد
فنه كلّ طامح بشريّ
وعيون الأقدار يضحكن مني
هازئات بضعفي الادميّ
ياعيون الأقدار لا ترمقي دمـ
ـعي ولا تهزأي بقلبي الحزين
إن يكن في دمي طوح نبيّ
فأسى اليائسين ملء عيوني
كان هذا الطموح لعنة أيّا
مي فيا ليتني عصيت هواه
كلما حّقق الزمان لقلبي
حلما صورت حياتي سواه
لست أدري ماذا سيجنيه قلبي
من شرودي في كل أفق ونجم
أبدا أرتقي النجوم وأرنو
لمجاهيل عالم مدلهمِّ
لست أدري شيئا أنا اليأس يا أر
ض وأنت ابتسامتي ودموعي
أنت وحيي ومنك تنبع أحلا
مي, وإن كنت في حماك الوضيع
إرفعيني إلى السماء إذا شئـ
ـت بوحي من سحرك الشاعريّ
وأعيدي مني إذا شئت للطيـ
ـن فتاة تبكي على كل حيّ
أضحكيني وأطلقيني ورقاء
تغني بحسنك الفّتان
أو دعيني أبكي على أشقياء الـ
أرض بين الحنين والحرمان
ضاع يا أرض فيك معنى الأماني
وتبقّى الشقاء والأكدار
وخبت في كآبة الموت أصوا
ت الأغاني واستسلم القيثار
فعلام العزاء والأمل المو
هوم في حومة الدجى المدلهمّ
ولم الأشقياء يخفون بلوا
هم ويحيون في خداع ووهم
قد وصفت الشقاء في شعري البا
كي وصوّرت أنفس الأشقياء
وشدوت الحياة لحنا كئيبا
ليس في ليله شعاع ضياء
فأثارت كآبتي عجب النا
س وحاروا في سرّها المجهول
ما دروا أنني أنوح على مأ
ساتهم في ظلامها المسدول
أنا أبكي لكل قلب حزين
بعثرت أغنياته الأقدار
واروّي بأدمعي كلّ غصن
ظامىء جفّ زهره المعطار


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 2:53 am




القصر والكوخ




كلّ فجر أرى الرعاة يمرّو
ن فأبكي على حياة الرّعاة
في ثلوج الجبال أو لهب الشمـ
ـس يريقون مبهجات الحياة
ويمرّ القطيع بي فأرى الأغـ
ـنام بين الذبّاح والسكّين
يا حياة الإنسان لا فرحة فيـ
ـك إذا لم تصحب بدمع غبين
فكنوز الغني يجمعها الفلاّ
ح في عمره الشقي الكسير
ذلك الكادح المعّذب في القر
ية بين المحراث والناعور
كلّ صيف يسقي البساتين تحت الشـ
ـمس والقصر هاجع وسنان
فهو يلقي البذور والمترف الها
نىء يجني وتشهد الأحزان
يا ليالي الحصاد ماذا وراء الـ
ـحقل والحاصدين من مأساة
شهد الكوخ أنه يحمل الحز
ن لتحظى القصور بالخيرات
كيف يجني الأزهار والقمح والأثـ
ـمار من لم يجرح يديه القدوم؟
ويموت الفلاح جوعا ليفترّ
لعيني رب القصور النعيم ؟
كيف هذا يا ربّ ؟ رفقا بنا رفـ
ـقا فقد غصّت الكؤوس دموعا
وطغت في الفضاء آهاتنا الحيـ
ـرى تغني رجاءنا المصروعا


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 3:02 am




كآبة الفصول الأربعة




نحن نحيا في عالم كله دمـ
ـع وعمر يفيض يأسا وحزنا
تتشفّى عناصر الزمن القا
سي بآهاتنا وتسخر منا
في غموض الحياة نسرب كالأشـ
ـباح بين البكاء والآهات
كلّ يوم طفل جديد وميت
ودموع تبكي على المآساة
ثم ماذا ؟ في أيّ عالمنا المحـ
ـزن نلقى العزاء عمّا نقاسي؟
عند وجه الطبيعة الجهم أم عنـ
ـد فؤاد الزمان وهو القاسي
قد عبرنا نهر الحياة حيارى
في ظلام الفصول والسنوات
وثبتنا على أسانا خريفا
وربيعا فما جمال الحياة ؟
طالما مرّ بي الخريف فأصغيـ
ـت لصوت القمريّة المحزون
وأنا في سكون غرفتي الدجـ
ـياء أرنو إلى وجوم الغصون
طالما في الخريف سرت إلى الحقـ
ـل وأمعنت في وجومي وحزني
كيف لا والكآبة المرّة الخر
ساء قد رفرفت على كل غصن
والحمام الجميل قد هجر الأعـ
ـشاش سأمان من وجوم السهوب
وطيور الكنار آثرت الهجـ
ـرة والعيش في حقول الجنوب
وغصون الشجار مصفرّة الأو
راق والزهر ذابل مكفهرّ
ورياح الخريف تعبث بالأو
راق والسحب في الفضاء تمرّ
طالما سرت في المساء وفي سمـ
ـعي صوت الأوراق تحت خطايا
كلما سرت خطوة أنّت الأو
راق فاستجمعت بعيد أسايا
أرمق الحقل والجداول قد جفـ
ـت ولون الفضاء أسود غائم
وأحسّ البوم الكئيب يغنّي
من بعيد بين النخيل الواجم
وأرى النهر من بعيد كسرّ
غلّفته أيدي الخريف الكئيب
لا رعاة على شواطئه يز
جون أغنامهم قبيل الغروب
لا اخضرار يغري الحزانى بأن يسـ
ـعوا إليه ولا صفاء جميل
ليس إلا رطوبة الأرض والوحـ
ـشة والصمت والربى والنخيل
فإذا رعشة تضمُّ فؤادي
وإذا الروح ضائق بأساه
ما أمرّ الخريف يا رب ما أو
حش أصباحه وأقسى مساه
ثم يأتي الشتاء بالثلج والأمـ
ـطار والريح في سكون الليالي
وتمرّ الأيام موحشة الخطـ
ــو بطاء الصباح والآصال
وتموت الأزهار في قبضة الثلـ
ـج ويعرو الأشجار لون الزوال
وتغيب الأطيار في الموقد المهـ
ـجور أو في كهف وراء الجبال
ويجيء المساء بالمطر المنـ
ـهلّ يبكي على شجا الإنسان
وتظلّ الرياح تعصف بالنخـ
ـل وترثي لكل قلب عان
آه ما أكأب الشتاء لياليـ
ـه وأيامه وما أقساه
حين أخلو لنار موقدي الخامـ
ـد والقلب مغرق في أساه
لست أصغي إلا إلى ضجة الإعـ
ـصار بين النخيل والصفصاف
واصطفاق الأمواج في شاطيء النهـ
ـر ووقع الأمطار فوق الضفاف
كل شيء في الكون حولي كئيب
في ليالي الشتاء ذات الرعود
كل شيء حولي سوى ساعتي الصمّـ
ـاء في صمت غرفتي المعهود
ايه يا ساعتي الكئيبة يا من
صحبتني في فرحتي وشقائي
ما الذي تبعثين في نفسي الحيـ
ـرى من الحزن في ليالي الشتاء
أبدا تخفقين في معصمي البا
رد والليل مظلم ممدود
لحظات تمرّ في ثقل السا
ع وليل معذب منكود
كم سهرت المساء أصغي إلى دقـ
ـاتك الحائرات في مسمعيا
أنت يا من أحصيت ساعات أيّا
مي وكنت الرسول منها إليّا
رحمة في الشتاء بي لا تعدّي
ما تبقّى يا ساعتي من حياتي
واتركيني أصغي إلى نغم الأمـ
ـطار فوق الحقول والربوات
اتركيني فنغمة المطر الها
مر أحلى من صوتك الجّبار
يا رسول القضاء والزمن المفـ
ـني وصوت الأحداث والأقدار
اتركيني وحدي وإن كان ليلي
مكفهرا تحت البروق طويلا
اتركيني أصغي إلى الرعد والأمـ
ـطار يا ساعتي وكّفي العويلا
وغدا يقبل الربيع فيحلو
عقرباك المحّببان لعيني
وتعود الدقّات منك نشيدا
اتغنّى به ويصدح فنّي
الربيع الجميل فصل الطيور الـ
ـبيض والزهر والسّنا والعطور
عندما تكتسي العرائش بالكر
م وتشدو طيورها في البكور
عندما يخرج الرعاة إلى الوا
دي بأغنامهم وتزهو الضفاف
عندما يزهر البنفسج والخبّـ
ـاز والبرتقال والصفصاف
وتذوب الثلوج في القمم العلـ
ـيا فتجري السيول في كل واد
ويعود البطّ الجميل إلى الشا
طىء بين الأعشاب والأوراد
ويعود الفلاّح يخرج للحقـ
ـل طروب الفؤاد كلّ صباح
تحت شمس الربيع يسقي جذور الـ
ـتين والبرتقال والتفّاح
وتعود الطيور للوطن المهـ
ـجور جذلى مفتونة بالربيع
في ثنايا الأغصان تتخذ الأعـ
ـشاش تحت النور النقيّ البديع
والقماريّ تستحمّ وتلهو
بين زهر الخّباز فوق الضفاف
وتغنّي للنهر أعذب ألحا
ن الأماني في مسمع الصفصاف
وزهور السفوح تضحك للنحـ
ـل وتحني رؤوسها للنسيم
وقطيع الأغنام يمرح والرا
عي يُقَضّي النهار تحت الكروم
وصبايا القرى يرحن ويغدو
ن نشاوى على ضفاف السواقي
منشدات أحلامهنّ على سمـ
ـع الينابيع والورود الرقاق
وسماء الحياة تزخر بالوجـ
ـي ويصحو الشعور والأحلام
أي أدونيس آه لو عشت في الأر
ض فعاش السّنا ومات الظلام
آه لو لم يكن مقامك في عا
لمنا المكفهرّ حلما قصيرا
آه لو دمت يا أدونيس للأر
ض وأبقيت عطرك المسحورا
يا ضياع الأحلام في مسمع المو
ت وماذا تفيدنا الأحلام
ليس يبقى الربيع إلا قليلا
ثم يخبو الجمال والأوهام
مثل زهر الصحراء سرعان ما تقـ
ـتله الشمس والرياح الهوج
وتعود الواحات قفرا كما كا
نت ويذوي العشب النضير البهيج
هكذا يرحل الربيع سريعا
وتعود الحياة للأحزان
وتموت الآمال في كل قلب
وتعيش النفوس للحرمان
فكأنّ الحياة لم تبتسم إلاّ
لتلقي سوادها في رؤانا
وكأن الزهور لم تنشر الأشـ
ـذاء إلا لكي تثير أسانا
وكأن النضارة الحلوة الجذ
لى حُدَاء بنا لصمت القبور
وكأن الطيور ترسل لحن الـ
ـموت في سمع كلّ حيّ غرير
يا شباب الحياة ما أنت بالخا
لد إلا خلود زهر الربيع
ليس تبقي على نضارتك الأقـ
ـدار في حومة الأسى والدموع
أسفا يا ربيع يا ورد يا عطـ
ـر أهذا ختام كلّ جمال
أكذا يخفت الضياء ويبقى الصـ
ـمت والحزن في سكون الليالي
قصّة الحب والجمال أهذا
ما إليه تكون بعد صباها ؟
تتصدّى لها يد الزمن الما
حي فتبلى ضياءها وصداها
هكذا يا ربيع يختتم النسـ
ـيان والصمت كلّ شيء جميل
ويعيش الإنسان تعصره الذكـ
ـرى ويبكي على أساه الطويل
فغذا عضّت الكآبة قلبي
في أضاحي الربيع واشتدّ حزني
فعلى مصرع الفراشات أبكي
وذبول الوادي الشجير الأغنّ
يا معاني الزوال والعدم الرا
ئع رحماك وارفقي بصبايا
لا تطلّي عليّ من كلّ شيء
في وجودي فقد سئمت أسايا
أتركيني أر الربيع طيورا
ليس ينوي لها الأذى مغتال
ولتكن زهرة البنفسج في عيـ
ـني خلودا لا يعتريه زوال
ودعيني أعش مع الذكريات الـ
ـبيض في أمسي الجميل الراحل
علّ هذا يجلو أسى الصيف عن قلـ
ـبي ويحيي موات حلمي الذابل
فلقد جّفت الرياض الجميلا
ت فلا زهرة ولا أشذاء
وانطوت فرحة الربيع ومات الـ
ـعشب في أرضها وجفّ الماء
لم تعد في العشاش قمريّة تشـ
ـدو وتسقي أفراخها في النهار
كيف تحيا الطيور في لهب الشمـ
ـس وتلهو تحت اللظى والنار
لم يعد للنسيم قلب يحبّ النـ
ـهر والمرج في ظلام الأماسي
لم يعد للأزهار لون جميل
يتجلّى لمرهفي الإحساس
كلّ شيء في الصيف ينطق بالقسـ
ـوة والشمس شعلة ولهيب
تتشكّى عريشة الكرم لكن
ليس يجدي توسّل ونحيب
آه ما أكأب الظهيرة في الصيـ
ـف إذا لاذ جوّها بالسكون
وتلاشى في الجوّ كلّ هتاف
غير صوت الطاحونة المحزون
وبكاء الحمامة الخافت النا
ئي وصوت الغراب بين الكروم
وأزيز من نحلة تملأ القلـ
ـب ملالا بصوتها المسؤوم
ثم ماذا ؟ ماذا ترى العين في الصيـ
ـف إذا اقبل المساء الداجي؟
هل سوى منظر النخيل البعيدا
ت وحزن الأشجار خلف السياج
هل سوى منظر الرعاة يعودو
ن باغنامهم حيارى بطاء
بعد يوم أمضوه تحت لظى الشمـ
ـس ملالا وشقوة وعناء
هل سوى الصائدين في النهر الضحـ
ـل يعودون في المساء الكئيب
لم يصيدوا وصاد أرواحهم حرّ
نهار مؤذ وعيش جديب
كلّ يوم يمضي النهار ولا صيـ
ـد يعزّي صيّاده الطوّافا
يا لقلب المسكين قد سئم النهـ
ـر وعاف المياه والمجذافا
فهو عند الغروب يرجع بالزو
رق سأمان واجم الألحان
إن تغنى فبالشكاة يزجّيـ
ـها إلى خافق الحياة الجاني
كم رأيت الصيّاد في الشارع المقـ
ـفر يمشي معذّبا مصدوما
عكست مقلتاه أحزان قلب
سئم العيش والوجود الأليما
لست أنت المحزون وحدك يا صيّـ
ـاد في حومة الشقاء المخيف
هو سجن الحياة قد كبّلت أقـ
ـياده السود كلّ قلب رهيف
ذاك شأن الإنسان يا اّيها الصيّـ
ـاد يا شاكيا ظلام الرزايا
في صراع مع العناصر لا يهـ
ـدأ حتى يأوي لوادي المنايا
في سبيل الحياة يبدل أفرا
ح صباه ويستطيب أساه
فهو يجري وراء حلم كذوب
رسمته أوهامه ورؤاه
وعجيب أنّا نذوق سواد الـ
ـعيش واليأس والملال لنحيا
أيّ عمر هذا ؟ وأيّة مأسا
ة بلونا سوادها الأبدّيا ؟
أبدا نحن في كفاح مع الأقـ
ـدار والحادثات تبلي وتفني
يتحدّى أحلامنا الواقع المرّ
ويقسو زماننا المتجنّي
ونخاف الغد الدجيّ ولا نعـ
ـلم ماذا يكون فيه المصير
يا ظلام المجهول ما أرهب التفـ
ـكير لا كان سرّك المستور
آه لو كان في الحياة مفرّ
من شقاء الأوهام والأفكار
في شعاب الهدوء يا ليتنا نلـ
ـقي بأعباء خوفنا الجبّار

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 3:05 am




أسطورة نهر النسيان




مخلب الخوف والتشاؤم قد جرّ
ح أيامنا وأدمى صبانا
ليت نهر النسيان لم يك وهما
صوّرته أحلامنا لأسانا
ليته كان ليت أخباره حق
لننسى ما كان أو ما يكون
ونعيش الأحرار من قيد بلوا
نا ويعفو عنا الغد المجنون
يا ضفاف النسيان قد جاءك الشا
عر فلترحمي جراح أساه
إنضحيه بمائك الأسود البا
رد ولتشفقي على بلواه
فهو ذاك القلب الذي طوّقته
حادثات السنين بالأشواك
منحته الحس الرهيف وقالت :
لتكن في الحياة أوّل باك
يا ضفاف النسيان يا ليت هذا الـ
موج يطغى على الوجود الحزين
يغسل الإثم والدموع ويأسو
كلّ جرح في قلبه المطعون
ألم العيش يا ضفاف قويّ
وشقاء الممات أقوى وأقسى
في ظلام الحياة نضطرب الآ
ن ونفنى عما قليل وننسى
كل عمر قصيدة كتبتها
في كتاب الحياة كفّ الزمان
وغدا يمحّي الكتاب جميعا
وتذوب الحروف في الأكفان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 3:09 am




أنشودة الأموات




لحظة الموت لحظة ليس من رهـ
بتها في وجودنا المرّ حامي
وسيأتي اليوم الذي نحن فيه
ذكريات في خاطر الأيّام
كلّ رسم قد غيّرته الليالي
كلّ قلب قد عاد صخرا أصّما
دفنت عمرنا السنين كأن لم
نملأ الأرض بالأناشيد يوما
ليس إلا صوت العواصف فوق الـ
ـمدفن الصامت الرهيب الستور
وحفيف النخيل في رعشة الريـ
ـح ونوح الأمواج بين الصخور
قد سمعنا صوت الرياح المدوّي
حين كان الوجود ملك يدينا
وعشقنا صوت النخيل وهمنا
بخرير الأمواج قلبا وعينا
وعبدنا أشّعة القمر الضا
حك في الصيف وابتسمنا إليه
وشدونا الأنغام تحت سناه
ورسمنا الأحلام بين يديه
وضحكنا مع الزمان وسرنا
في ظلام الحياة مبتسمينا
تارة ساخرين من كل ما نلـ
ـقى وأخرى تحت الدجى باكينا
وبنينا قصورنا تحت ضوء الشـ
ـمس يوما إلى جوار القبور
وزرعنا زهورنا وتخذنا
من دماء الموتى غذاء الزهور
وضحكنا إذ الطبيعة تبكي
بالدجى والرياح والأمطار
وسخرنا والدهر غضبان جهم
ورقصنا على حفاف النار
فإذا غّنت العصافير وافترّ
ت ثغور الأزهار فوق ثرانا
وتمّشى الأحياء فوق بقايا
نا وداسوا عظامنا ودمانا
فهو ثأر الطبيعة البارد المرّ
وسخرية الزمان العاتي
وحقود الحياة لا بد للميـ
ـت منها في عالم الأموات
يا جموع الأحياء في الأرض هيها
ت يعود الماضي الجميل إليكم
فاغنموا ليلكم وغّنوا فمن يد
ري ؟ لعلّ الصباح يقضي عليكم
علّها الليلة الأخيرة من عمـ
ـركم في الوجود يا أحياء
ليس منكم من يضمن الغد فاشدوا
فقريبا يضيع هذا المساء
ربما كنتم مساء غد تحـ
ـت تراب القبور والأحجار
يتباكى عليكم البوم والغر
بان بعد الكؤوس والأوتار
وتعود القصور والزهر ملكا
لسواكم من ضاحكي الأحياء
ويظلّ القمريّ يشدو وانتم
في سكون المنيّة الخرساء
وتعود الحقول في الفجر خلوا
من أغانيكم ووقع خطاكم
ويذيب النسيان ذكر أمانيـ
ـكم ويذوي الممات غصن صباكم
ويظلّ الراعي يغرّد للأشـ
ـجار والنبع في صفاء المغاني
وتنامون أنتم لا حراك
لا نشيد في قبضة الأكفان
لن تنوح الحياة إن متم أنـ
ــتم فغنّوا ولا تنوحوا عليها
فهي تلك الخلوب تبسم للأحـ
ـياء والسمّ كامن في يديها
فانعموا في ظلال أفراحكم فيـ
ـها وروّوا الظماء قبل الممات
وامرحوا في الحقول واستنشقوا العط
ــر وصوغوا فواتن النغمات
ودّعوا هذه الشوارع عند النـ
هر يا أشقياء قبل الرحيل
ودّعوها فليس في القبر غير الصـ
مت والهمّ والظلام الطويل
وابسموا للنجوم والقمر الحلـ
ــو وغّنوا النسيم كلّ مساء
أيّ غبن أن تفقدوا كل شيء
في البلى والسكون والظلماء


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 3:12 am




مرثية للانسان




أيّ غبن أن يذبل الكائن الحيّ
ويذوي شبابه الفينان
ثم يمضي به محّبوه جثما
نا جفته الآمال والألحان
وينيمونه على الشوك والصخـ
ـر وتحت التراب والأحجار
ويعودون تاركين بقايا
ه لدنيا خفيّة الأسرار
هو والوحدة المريرة والظلـ
ـمة في قبره المخيف الرهيب
تحت حكم الديدان والشوك والرمـ
ـل وأيدي الفناء والتعذيب
وهو من كان أمس يضحك جذلا
ن ويشدو مع النسيم البليل
يجمع الزهر كلّ يوم ويلهو
عند شط الغدير بين النخيل
ذلك الميت الذي حملوه
جثّة لا تحسّ نحو القبور
كان قلبا بالأمس تملأه الرغـ
ـبة والشوق بين عطر الزهور
كان قلبا له طموح فماذا
ترك الموت من طموح الحياة
يا لحزن المسكين لم تبق أحلا
م سوى ظلمة البلى والممات
آه يا حامليه نحو سكون الـ
ـقبر لا تسرعوا وسيروا الهوينا
اتركوه يودّع العالم الفا
تن قبل الرحيل ظلما وغبنا
واكشفوا جسمه الغبين لضوء الشـ
مس والعطر فهي آخر مرّه
لن يرى بعد ذلك الضوء لن ينـ
شق في سجن قبره عطر زهره
لا تنوحوا عليه وليكن الشد
و ختاما لما وعت أذناه
حسبه أنه يودّع دنيا
ه إلى قبره وتفنى مناه
فاتركوا نعشه على الأرض حينا
قبل أن تقبروه تحت اللحود
ربما كان خائفا من دجى القبـ
ر حريصا على جمال الوجود
ربما كان راغبا في وداع الـ
أرض من قبل أن يسود الظلام
قبل أن تتركوه في وحشة المو
ت وتخبو العطور والأنغام
اتركوه يراكم أنتم يا
من دفعتم به إلى الظلماء
وهو من كان أمس ملء امانيـ
كم فصار الغداة ملء الفناء
هكذا الآدميّ يسلمه أحـ
ـبابه للتراب والديدان
ربّ لا كانت الحياة ولا كنـ
ــا هبطنا هذا الوجود الفاني
فيم جئنا هنا ؟ وماذا يعزّيـ
ـنا عن العالم الذي قد فقدنا
ليت حوّاء لم تذق ثمر الدو
حة ليت الشيطان لم يتجنّا
علمتنا ثمارها فكرة الشرّ
فكان الحزن العميق العاصر
وفهمنا معنى الفناء وأدركـ
ـنا صراع البقاء تحت الدياجر
وهبطنا هذا الوجود لنشقى
منذ فجر الحياة حتى المغيب
كلّنا نستغيث من شجن العيـ
ـش فيا لليل الحزين الرهيب
يا لظلم الأحزان ما سلم الأطـ
ـفال من أسرها ولا الشّبان
كم وليد يبكي وما تعلم الأمّ
لماذا يبكي وما الأحزان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى
عضو مميز
سلمى


عدد المساهمات : 502
نقاط : 16380
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
الموقع : الجزائر

موسوعة الشاعرة نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة الشاعرة نازك الملائكة   موسوعة الشاعرة نازك الملائكة I_icon_minitimeالأحد يناير 17, 2010 3:16 am




مأساة الأطفال




ودموع الأطفال تجرح لكن
ليس منها بدّ فيا للشقاء
هؤلاء الذين قد منحوا الحسّ
وما يملكون غير البكاء
منحتهم كفّ الطبيعة قلبا
بشرّيا يستشعر الآلاما
ورمتهم في كفّة القدر الغا
شم جسما لا يستطيع كلاما
فإذا ما بكوا فأدمع خرس
ربما كان خلفها الف معنى
ربما كان خلفها الألم القا
تل أو رغبة مع الريح تفنى
ربما ربما وما ينفع الظنّ
ونوح الأطفال ملء الحياة
ولدوا صارخين بين يد الأقـ
ـدار فليصرخوا ليوم الممات
علهم يدركون ما لم نقف نحـ
ـن عليه من ظلمة الأسرار
ويرون الحياة ليلا من الشرّ
تدلّى على حفاف النار
فهم يصرخون من ألم المُقـ
ـبل أو يندبون ما قد أضاعوا
أو لم يقبلوا على غيهب العا
لم حيث المحيا أسى وصراع
لم يزل في نفوسهم أثر الما
ضي النقيّ الجميل أو ذكراه
حين كانوا في عالم عبقريّ
كل حي على ثراه إله
عالم غير عالم البشر المرّ
بعيد عن الدجى والفناء
ليس فيه أسى عنيف ودمع
وقبور تلفعّت بالخفاء
ليس فيه طبيعة جهمة المر
أى تدوس الأحياء والأيّاما
ليس فيه معذّبون حيارى
وثكالى تحت الدجى ويتامى
ليس فيه شر وظلم وتعذيـ
ـب ولا فيه مولد وممات
ليس فيه هذا النزاع على الخبـ
ـز ولا في صفائه مأساة
يا جموع الأطفال يا مرهفي الحسّ
كفاكم تفجعا وبكاء
لم تزالوا في أوّل العمر المرّ
ولأيا ستعرفون الشقاء
لا تنوحوا على الذي قد فقدتم
من جمال ومتعة وسموّ
وأصيخوا لمأتم القدر الظا
لم في عاصف الحياة المدوّي
لم تزالوا براعما لم تفتّحـ
ـها الليالي على ظلام الحياة
فاضحكوا الآن قبلما يزأر الهو
ل وتستنسر الهموم العواتي
قبلما تدلهمّ أعماركم تحـ
ـت غيوم الشباب والأحلام
وترون الوجود قفرا فما فيـ
ـه سوى الليل والأسى والقتام
أينما ترسلوا عيونكم الظمـ
ـأى فثّم الأهوال والأضغان
وتضيع الآمال والمثل العلـ
ـيا وتبقى الآهات والأحزان
امرحوا الآن في ظلال أب يشـ
ـقى وأم جنت عليها الحياة
فغدا تحملون أنتم هموم الـ
ـعيش إذ ذاك تسفر المأساة
شيّدوا في الرمال أبراج أحلا
مكم وابسموا للهو الطفوله
كل طفل غدا فتى ضائع الأحـ
ـلام تحت المقادر المجهوله
وغدا تدركون ماذا أضعتم
من صفاء ومتعة ونقاء
وترون الحياة منبع شرّ
ليس منه منجى وليل شقاء
وإذا ما بنيتم أمس زهر
ذابل تحت رحمة الإعصار
وإذا كلّ رغبة كوكب خا
ب وأنتم على شفاه النار
تتشفّى بكم يد القدر القا
سي وتلقي عليكمو بالرزايا
وتبيع الشباب بالأدمع الحرّ
ى وتلهو على رفات الضحايا
فإذا كلّ ضحكة من صباكم
بعدها في شبابكم ألف عبرة
وإذا عمركم مساء حزين
ليس تجلو سوى المنيّة سرّه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موسوعة الشاعرة نازك الملائكة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» الشاعرة الكويتية سعاد الصباح
» قصيدة عاشقة الليل للشاعره نازك الملائكه
» ثلاث اغنيات عربيه للشاعره نازك الملائكه
» كل عام و الشاعرة ميسر حرب بخير
» الشاعرة اللبنانية آمال نوّار

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الكلمـــــة الحـــــرّة :: منتدى الكتب و المخطوطات-
انتقل الى: