التعصب ( التطرف )
مقـــدمـــة...
العلاقة التي تربط الإنسان بالمجتمع علاقة ضرورة وليست علاقة سلبية أو علاقة تعارض متضادة، ومن أبرز معالمها أنها ديناميكية، ملؤها التفاعل والتبادل المستمر.. فبتفاعل الفرد مع المجتمع يتكون التماسك والتداخل والتشابك الاجتماعي بأشكاله الثقافية والاقتصادية والسياسية والروحية، وبتأثير هذا التبادل والتفاعل للأدوار الاجتماعية، يحصل التكامل النفسي للفرد والتكامل الاجتماعي للمجتمع ككل.. فالفرد يحقق ذاته من خلال الجماعة، والجماعة تحقق وجودها من خلال مجموع الجماعات والشعوب في وحدتها الكلية لتشكل ديناميكية ارتقائية تنشد الرقي وليس نقيضه.
إن موضوع اتجاهات التعصب (التطرف) بكل أشكالها وأنواعها تشمل الإنسان بما هو إنسان.. في شقائه أو راحته.. فهذا الشقاء هو شقاء النفس في صراعها مع الداخل أولاً، ومع المجتمع ثانياً. أو في راحتها مع النفس أولاً ومع المجتمع ثانياً، لذا فإن الحياة لا تستقيم مع الصراع غير المحسوم سواء أكان ذلك داخلياً يهزّ الكيان النفسي للإنسان ويحرم عليه راحة البال في وجوده الإنساني، أو كان خارجياً يهزّ صلته بالوجود الخارجي وبحضوره أمام الآخرين كإنسان خلقه الله وجعل فيه عقلاً مدبراً، ولكن فقد هذه القدرة التي منحها الله له.
لاشك أن مفهومي الاتجاهات والتعصب (التطرف) يحتلان مكان الصدارة في الدراسات النفسية الاجتماعية المتخصصة جداً، لا من حيث المنهج الأكاديمي فحسب، وإنما بسبب صلتهما المباشرة والدقيقة بحياة الإنسان والمجتمع، وآثارهما المتوقعة في النتائج، لما يحملانه من عواقب إذا ما فشلت الجهود في البناء والتربية والتنشئة الاجتماعية الأولى، فالاتجاه يعرّف بأنه نزعة (نحو) أو (ضد) بعض العوامل البيئية، تصبح قيمة إيجابية أو سلبية ، أما التعصب فهو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً إيجابياً محباً أو سلبياً كارهاً دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية . لذا فإن مناقشة موضوع التعصب أو التطرف بكل أشكاله السياسية أو الأدبية أو العنصرية أو الدينية، إنما هو سبر أغوار النفس الإنسانية بنشأتها وتكوينها، وهي محاولة لا يألوا الإنسان فيها جهداً لمصارعة ذاته بذاته، فإما أن ينتصر عليها ويخضعها لسلطان العقل أو أن تفلت من عقال العقل وتنحدر نحو الحيوانية بعد أن خلقها الله بأحسن تقويم. ويقول الرسول الأكرم (ص): (ما عبد الله بمثل العقل وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال (..) وأما العاشرة لا يرى أحدا إلا وقال هو خير مني وأتقى، فإذا التقى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له، وإذا التقى الذي هو شرٌ منه وأدنى، قال عسى أن يكون خير هذا باطناً وشره ظاهراً فإذا فعل علا مجده وساد أهل زمانه).