فاتحة الكاتبة القصصية
عدد المساهمات : 617 نقاط : 16719 تاريخ التسجيل : 12/11/2009 الموقع : سلا/ المغرب
| موضوع: ألف ليلة وليلة الأربعاء مارس 10, 2010 1:24 am | |
| السلام عليكم ورحمة اللهألف ليلة و ليلة انتهى زمن الكلام المباح حتى مطلع الصباح، شهرزاد اليوم صارت تنام باكرا نوما ثقيلا لا يوقظها شخير شهريار العائد من صراع نهاره منهكا بأقدام متورمة. انتهى زمن وسائد الحرير و حكايا الأساطير وبخور العبير، شهرزاد اليوم ترجع كل مساء من عملها منهكة هي أيضا، وعليها بعدما عاشت يومها كرجل في المكتب، أن تبدأ مع المساء رحلة جديدة كامرأة تعد الطعام لشهريار والأولاد في الفرن العصري، وتغسل وتنظف وتعتني بشؤون البيت، وهي لا تفهم لماذا لا يشاركها شهريار العمل في البيت كما تشاركه خارجه؟ لم تمت شهرزاد العتيقة في أعماقها، بعد، وتسمع صوت امرأتين تتنازعان باستمرار في قاع روحها بينما تعد الطعام لشهريار وتجيب على الهاتف وتساعد الأولاد في الدراسة. المرأة الأولى ترتدي ثوبا من المخمل والدانتيل الذي طرزته على طول ألف ليلة وليلة، تمشط شعرها الطويل بعد معالجته بالحناء و العطور وزيوت الهند والسند، وتتكلم بدلال مغناج فيأتي صوتها كحفيف الريح المموج على جدار كهوف حرية دافئة، المرأة الثانية ترتدي سروال الجينز، ويغطي شعرها القصير جبينيها، وتهرول بسرعة بين مكان عملها والسوبر ماركت والمطبخ، وقد تغفو منهكة داخل زجاجة حليب أحد أولادها. امرأتان تتشاجران باستمرار داخلها وهي تتابع مسيرتها المستحيلة لتكون رجلا امرأة في آن واحد، ولتعيش حياتين مثل شمعة اشتعلت من طرفيها. لم تعد شهرزاد سعيدة، ولا هي وجدت سلامها الداخلي، وقد كادت تنسى، هل خرجت يوما إلى العمل لتكيد شهريار أم لتساعده، أم لتحقق ذاتها، أم لتلبي واجبا لا فرار منه أمام وطن بحاجة إلى توظيف نصف طاقاته المشلولة، أم لهذه الأسباب مجتمعة؟ وهي تكاد تحسد شهرزاد القديمة، التي قررت أن عبوديتها لشهريار وهي تسرد الحكايا على مدى ألف ليلة وليلة، أهون عليها من حريتها الجديدة، وما يترتب على تلك الحرية من مسؤوليات إضافية أضحت تنوء تحتها، وهي ترفع طفلا على صدر بيدها، وتكتب باليد الأخرى محاضرتها الجامعية. والطريق أن شهريار الذي طالما اشتكى وبكى من خروج شهرزاد إلى عملها صار يساعد زوجته في إعداد حليب الأطفال وغسل الأطباق، وطالما تفهم ولو على مضض، طبيعة مهامها الجديدة بعد أن سقط الدخل الشهري للأسرة إلى نصفه. لكن القضية لم تعد من يغسل الأطباق شهريار أم شهرزاد؟ بل هي ببساطة من يساعدها على ابتداع أنماط جديدة من السلوك داخل مؤسسة الزواج العتيقة، وتعديل الصورة التقليدية للذكورة و الأنوثة، بحيث يتحمل شهريار بعض الأعباء البينية النسائية من دون أن يفعل ذلك سرا عن رفاقه كأنه يرتكب إثما، وحتى لا يتهم بالضعف والتخنث. جميعنا يعرف أن انتقال شهريار من قاعة عشقه للنساء وإعدامهن لغرفة المطبخ لغسل الأطباق ليس سهلا، ولكنه ليس أصعب من عمل شهرزاد كرجل عصري في المكتب وكأنثى عتيقة في البيت... وحرصا على بقاء البيت، لا مفر من التطور... ولكن كيف؟ للأمانة الفكرية منقـــــــــــــــــــــول | |
|