الكلمـــــة الحـــــرّة
الكلمـــــة الحـــــرّة
الكلمـــــة الحـــــرّة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الكلمـــــة الحـــــرّة

منتدى ثقافي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
bassam65
عضو ماسي
bassam65


عدد المساهمات : 3455
نقاط : 20323
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
العمر : 59
الموقع : سوريا

الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة Empty
مُساهمةموضوع: الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة   الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة I_icon_minitimeالجمعة نوفمبر 13, 2009 4:47 pm


الرعاية والخدمات النفسية والاجتماعية في مجال الانحـراف و الجريمة بقلم:د.سيف الدين قدي



الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة Fontsize_increase الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة Fontsize_decrease الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة Fontsize_reset

د/ سيف الدين قدي
قسم علم الاجتماع جامعة حلب
1ـ مقدمة
يعتبر السلوك الإجرامي من أخطر السلوكيات التي تهدد المجتمعات في أمنهـــا واستقرارها، فهو يتضمن تهديدات للأخــلاق والقــيم والتقــاليد والأمن الاجتماعي. ونظراً للآثار الوخيمة والخطيرة التي تنجم عن السلوك الإجرامي، فقد أصبح محل اهتمام خاص من قبل العديد من الأكاديميين السيكولوجييــــــن والاجتماعيين والسياسيين ورجال القانون والأمن، حيث توجهت جهودهم نحو دراسة الظاهرة الإجراميــة بالأساليب العلمــية الموضوعيـة بغية تحديد عواملــها وأبعادها الرئيسية، فضلاً عن وضع التدابير الوقائية والعلاجية التي تقلل من أخطارها وعواقبها.
وتعد الخدمات النفسية والاجتماعية إحدى التدابير والإجراءات الأساسية التي يعتمد عليها في عمليات العلاج والتأهيل للمجرمين لما لها من دور فعال في مساعدة المجرم في التغلب على مشاكله النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى تزويده بالأساليب الناجحة التي تعيد توازنه وتحقق تكيفه الشخصي والاجتماعي.
وتسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على أهم أساليب التكفل السيكولوجي الحديثة التي من شأنها إعادة تأهيل المجرم نفسياً واجتماعياً وجعله مواطناً فاعلاً ونافعاً في مجتمعه.
2ـ تعريف الجريمة
يعد مفهوم الجريمة من المفاهيم التي أهتم بها الكثير من الباحثين في حقول معرفية مختلفة كعلم الاجتماع، وعلم الأجرام، وعلم النفس، و الطب العقلي، وعلم البيولوجية ... وغيرها من العلوم. وقد نتج على ذلك نوع من الغموض في استخدام المفهوم من حقل معرفي لآخر، بل نجده قد استخدم استخدامات متعددة داخل الحقل الواحد، وعليه فإن المرء لا يعثر على تعريف واحد لمفهوم الجريمة يتفق عليه جميع الباحثين داخل الحقل الواحد. وسوف نتعرض فيما يلي إلى مفهوم الجريمة في الحقل الاجتماعي و السيكولوجي والقانوني.
1.2- تعريف الجريمة من المنظور القانوني: تعرف الجريمة من الناحية القانونية بأنها " ذلك الضرب من السلوك الذي يجرمه القانون الوضعي (1) وهي ذلك الفعل أو الامتناع الذي نص القانون على تجريمه، ووضع عقوبة جزاء على ارتكابه(2).
بناء على التعريفين لا يشكل الإتيان بأي سلوك أو فعل لم يجرمه القانون الجنائي أي جريمة. فالقانون هو المصدر الوحيد للتجريم والعقاب.
2.2- تعريف الجريمة من المنظور السوسيولوجي:
يركز هذا الاتجاه على الربط بين الجريمة وبين مصالح وقيم المجتمع حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن الجريمة تقتضي وجود قيم معينة تحظى بقبول واهتمام من قبل الدولة يتطلب حمايتها وتجريم كل فعل من شأنه المساس بها. ومن تعريفات هذا الاتجاه، التعريف الذي قدمه عالم الاجتماع الفرنسي المعروف اميل دوركهايم الذي مفاده (أن الجريمة هي كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم والأفكار التي ترسّخت في وجدان الجماعة) (3).
ومن التعريفات التي يؤخذ بها الكثير من علماء الاجتماع حالياً هي: الجريمة نوع من الخروج عن قواعد السلوك التي يرسمها المجتمع لأعضائه، بمعنى أنها كل انحراف عن المعايير الجمعية الذي يتصف بقدر هائل من الجريمة والنوعية والكمية (4).
3.2- تعريف الجريمة من المنظور السيكولوجي:
لقد تعددت الآراء وتباينت الاتجاهات بين علماء النفس في تحديدهم لمفهوم الجريمة، ويرجع ذلك إلى طبيعة التوجهات التي يعتقد فيها كل باحث وإلى نظرتهم لطبيعة السلوك البشري، وبالرغم من هذا الاختلاف، إلا أن علماء النفس ينطلقون من فكرة واحدة وهي أن الظاهرة الإجرامية ليست ظاهرة اجتماعية خالصة، أو مادية خالصة، أو قانونية خالصة، بل هي فعل إنساني يقوم به الفرد ويتحمل عواقب هذا الفعل إذا توافرت الإرادة والحرية والاختيار.
وبصورة عامة، يذهب المحللون إلى اعتبار السلوك الإجرامي على أنه سلوك معاد للمجتمع وهو بدون شك كأي نوع من أنواع السلوك الشاذ أو غير السوي ولذلك فإن الشخص المجرم لا يختلف عن الشخص المريض الذي يأتي بالسلوك الشاذ.
وحسب هذه الرؤية فإن السلوك الإجرامي ما هو إلا نوع من السلوك الشاذ المرضي الذي يحتاج إلى العلاج كما تحتاج الأمراض العقلية إلى العلاج والوقاية (5). وأن كل فعل إجرامي ما هو إلا تعبير عن صراعات نفسية تدفع صاحبها إلى الوقوع في براثن الجريمة والانحراف.
وعلى العموم، يمكن تعريف الجريمة من الناحية النفسية على أنها إشباع لغريزة إنسانية بطريقة شاذة لا يتبعه الرجل العادي في إرضاء الغريزة ذاتها وذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكبي الجريمة في لحظة ارتكابها بالذات (6).
3- تفسيرات السلوك الإجرامي:
1.3 ـ التفسير في التراث السيكولوجي:
إن النظريات التي استندت على العوامل السيكولوجية في تفسير السلوك الإجرامي من الكثرة والتنوع بحيث يتعذر التطرق إليها جميعاً في هذا اللقاء، وعليه سينحصر الجهد في تناول أشهرها وأبرزها وهي النظرية السلوكية والنظرية التحليلية.
يرى أصحاب الاتجاه السلوكي أن الإنسان لا يولد مزوداً باستعدادات أو قدرات طبيعية فطرية تحقق له ضبط النفس وتسهل له التوافق وتساعده على كبح وتوجيه بعض الرغبات والحاجات الفطرية اللااجتماعية التي لا تتوافق مع قيم ومعايير المجتمع، بل إن هذه القوة الداخلية الضابطة قوة يتعلمها الإنسان ويكتسبها عبر مراحل نموه الفسيولوجي، ومن خلال عمليات التفاعل الاجتماعي. وقد رفض واطسون رائد الفكر السلوكي كل ما هو وراثي أو غريزي، ولم يعترف في تفسيره للسلوك الإنساني، بما فيه السلوك الإجرامي، إلا بما هو مكتسب من البيئة.
فوفق هذا الاتجاه يفسر السلوك الإجرامي على أنه سلوك مكتسب ومتعلم ولكنه خاطئ وغير مقبول. فالطفل الذي ينشأ على الإجرام والضعف كان محاط بنماذج سيئة وعلى الأخص الآباء إذا كانوا غير مسؤوليين، هم أنفسهم الذين يتصفون بسوء المعاملة، وكذا الأقران السوء العدوانيين. ويمكن أن ترجع الجريمة إلى عوامل أخرى كالإعلام (7).
ويفسر السلوكيون الجدد الظاهرة الإجرامية على أساس أنها استجابة نمطية داعمة للتوتر والقلق الناتج عن استمرار مشاعر الإحباط وقد فسر مورر MAURER الجريمة على أنها استجابة لسوء عملية التطبيع الاجتماعي وإلى الفشل في تعلم القيم وفي امتصاص عوامل الضبط الاجتماعي وعيوب في نمو الضمير (Cool.
تقوم وجهة النظر التحليلية وتحديداً نظرية فرويد في تفسير الجريمة على أن للنفس البشرية مكونات ثلاث رئيسية هي الهو، والذات، والذات العليا. فالهو يتمثل في الجانب اللاشعوري من النفس الإنسانية ويتضمن النزاعات الفطرية والاستعدادات الوراثية، وهي تعمل على تحقيق أكبر قدر من الإشباع لتلك النزاعات الغريزية دون إقامة أي وزن للقيم والمعايير السائدة في المجتمع.
أما الذات فتمثل ذلك الجانب الشعوري من النفس الذي يكون على صلة دائمة بالواقع محاولاً تسوية الخلافات وإيجاد التوازن بين نزعات الهو الغريزية، وأوامر ونواهي الذات العليا، ومتطلبات العالم الخارجي (القيم والتقاليد). وتشير الذات العليا أو الأنا الأعلى إلى الجانب المثالي من النفس البشرية، وتتضمن هذه الأخيرة جانبين هما الضمير (مستودع المحرمات والنواهي)، والذات المثالية وتحتوي القيم والمثل والأخلاقيات (9).
يعتقد فرويد أن السلوك الإجرامي الذي يأتي به الفرد يكون العامل المسبب له إما فشل الذات في تطويع وتهذيب النفس، وإما بسبب انعدام وجود الضمير أو عجزه في السمو بالنزعات والميول الفطرية إلى مرتبة الإشباع المشروع أخلاقياً وقانونياً. ففي كلتا الحالتين تنطلق النزعات الغريزية من عقالها لتحقيق إشباعاً تاماً أو جزئياً ضاربة بذلك عرض الحائط كل ما يتصل بالقيم والمبادئ التي يجب احترامها داخل المجتمع.
ويرى فرويد أن المجرم قد يفلح في كبت نزعاته وإسقاطها في اللاشعور، ولكنه مع ذلك يعود للتعبير عنها رمزياً بسلوك يعتبر جريمة في نظر القانون، وإجمالاً فإن الجريمة تعود إلى أحد الأمرين (10) :
1- إما عجز الذات عن مواجهة ضغوط الهو من جهة، وصرامة الذات العليا من جهة ثانية، وفشلها في التوفيق بين نزعات الأولى ومثل الثانية.
2- وإما إلى تخلف الذات العليا نفسها أو ضعفها بحيث لا تجد الذات من يزودها بالقوة بحيث تكون قادرة على الردع، في كلتا الحالتين تجد الهو نفسها بدون رقيب فتفعل ما تريد.
3. 2 ـ التفسير في التراث السوسيولوجي:
تمثل الاتجاهات الاجتماعية محاولة علمية منهجية تربط السلوك الإجرامي بأرضية اجتماعية واسعة، يمكن أن تعتبر مسؤولة عن نشأة وتكوين الأنماط السلوكية الإجرامية. وتركز هذه الاتجاهات على ربط الفرد بالجماعة أو بالمجتمع المحلي أو المجتمع الكبير.
وبالرغم من اختلاف العلماء في نظرتهم وتفسيرهم للسلوك الإجرامي إلا أنهم يؤكدون على فكرة جوهرية، وهي دور البيئة التي يعيش فيها الفرد كعامل أساسي يساهم والى حد بعيد في تكوين الجريمة.
ولا ينظر علماء الاجتماع في تفسيرهم لشخص المجرم كشخص مختلف من الناحية العضوية أو العقلية أو المرضية، بل كشخص مختلف من الناحية الاجتماعية عن سواه من الأشخاص غير المجرمين.
فالسلوك الإجرامي برأيهم يشكل حالة لا اجتماعية أو حالة عدم توافق اجتماعي. فمعظم التفسيرات الاجتماعية للسلوك الإجرامي تدور حول محور واحد وهو الانحراف الاجتماعي، وهو من جهة سلوك لا اجتماعي أو غير متوافق مع معايير وقيم وتقاليد المجتمع. ومن أشهر النظريات الاجتماعية المفسرة للسلوك الإجرامي نظرية سثرلاند SUTHERLAND(11). أو فعل أو فعل لم يجرمه.
تعتمد نظرية سثرلاند في الاختلاط التفاضلي على شرح كيفية انتقال السلوك الإجرامي عن طريق التعليم من الآخرين أو من خلال الاحتكاك بالمنحرفين في تعلم الأشكال الإجرامية والبواعث والمبررات التي تشجع على ارتكاب الجريمة من خلال علاقات شخصية وثيقة بين الأفراد المنحرفين. وتقوم النظرية على عدة فرضيات منها .
- أن السلوك الإجرامي مكتسب بالتعلم .
- يتعلم الفرد السلوك الإجرامي عن طريق التفاعل مع أشخاص آخرين .
- تتم عملية تعلم السلوك الإجرامي في إطار علاقات أولية حميمة وتنفى هذه الفكرة دور وسائل الإعلام في إحداث الجريمة.
- أن عملية تعلم السلوك الإجرامي بالمخالطة وباتصال الشخص بالمجرمين لا تقتصر على ما يتعلمه الفرد عن طريق التقليد بمفرده، بل تشمل أيضاً كل خبرة شخصية مر بها الفرد، كأن يكون هو نفسه ضحية جريمة.
خلاصة القول، إن الاتجاه الاجتماعي في تفسير الجريمة، وعلى خلاف الاتجاهات البيولوجية والفسيولوجية والنفسية، ربما هو أهم الاتجاهات شيوعاً و اكترها استيعاباً للعوامل والظروف التي يشيع تواجدها عند دراسة عوامل الجريمة.
آليات الضبط الاجتماعي
عادة ما يطرح التراث في موضوع الضبط الاجتماعي تقسيماً ثنائياً لآليات الضبط، وهي آليات الضبط غير الرسمية، وآليات الضبط الرسمية. من أبرز آليات الضبط غير الرسمية العادات الاجتماعية والتقاليد، والأعراف، والدين، في حين يعد القانون من أبرز آليات الضبط الرسمية.
1.2.3 ـ آليات الضبط غير الرسمية
ـ العادات الاجتماعية: تستمد العادات قوتها بما تستخدمه من جزاءات اجتماعية، تلك الجزاءات التي قد تأخذ الشكل الإيجابي عندما يكون هناك التزام بالعادة، أو تأخذ الشكل السلبي عندما يتم مخالفة العادة.
ـ التقاليد: أحياناً ما يفرق علماء الاجتماع بين العادة والتقليد، على اعتبار أن العادة تتعلق بالسلوك الخاص، في حين أن التقليد يتعلق بسلوك المجتمع ككل. وتستمد التقاليد قوتها كآلية للضبط الاجتماعي من كونها تتدخل في كافة ممارسات الحياة اليومية للفرد الأمر الذي يعزز وجودها وقوتها، ويدفع الأفراد إلى الالتزام بها. وتعد الشعائر والطقوس من أهم الأساليب المؤيدة للتقاليد لأنها تتضمن إجراءات تتم ممارستها بشكل منتظم أحياناً في أوقات وأماكن معينة مثال ذلك الشعائر والطقوس المرتبطة بالتقاليد الدينية. لذلك تعتبر التقاليد أداة تنظيمية للضبط الاجتماعي لأنها تحقق نوعاً من التواؤم والتآلف بين أفراد الجماعة، ولأنها تعمل على استقرار الجماعة والمجتمع وحفظ النظام الاجتماعي للطبقة التي ينتمي إليها الفرد.
ـ العرف: يعتبر العرف سلطة من سلطات المجتمع، ويشمل المعتقدات التي تسري بين الناس وخاصة العامة منهم، وهم يشعرون أن هذه المعتقدات ملزمة لهم وتضغط عليهم. ويستمد العرف قوته من قوة المعتقدات التي تسود فكر الجماعة وعقائدها والتي لايستطيع الأفراد الخروج عليها إلا في حدود ضيقة، ويقابل هذا الخروج من الجماعة برد فعل يتناسب مع قوة المعتقدات التي تم الخروج عليها.وبصفة عامة فإن العرف من أهم مصادر التشريع، ويتم اللجوء إليه إذا لم يوجد في التشريع قاعدة لمسالة ما، فهو أداة هامة من أدوات الضبط الاجتماعي والتنظيم الإنساني وأقواها لأنه يعتبر صلب العادات الاجتماعية السائدة في المجتمعات.
ـ الدين: يعتبر الدين من أهم وأقوى وسائل الضبط الاجتماعي ومن أهم النظم الاجتماعية وأخطرها شأناً لما يؤديه من وظائف في حياة الفرد والمجتمع واستقرار النظم الاجتماعية، فإذا ما ضعف الدين كآلية للضبط الاجتماعي شاب التفكك والاضطراب في المجتمع. ولقد ذهب دور كايم في مؤلفه "الصور الأولية للحياة الدينية"إلى أن كل المجتمعات تعرف التفرقة بين الأشياء المقدسة والأشياء الدنسة. فالدين نظام موحد للمعتقدات والممارسات المتعلقة بالأشياء المقدسة، أي الأشياء التي يتعين تجنبها وتحريمها. فوظيفة الطقوس الدينية هي تأكيد السمو الأخلاقي للمجتمع وسيطرته على الأفراد ثم تحقيق تضامن المجتمع(12). وتبدو أهمية الدين في الحياة الاجتماعية لأنه يسد حاجة ضرورية بفضل وضع القواعد والقوانين التي تنظم علاقات الأفراد وتعمل على التماسك الاجتماعي، واستقرار النظام والاطمئنان النفسي والسمو بالمشاعر الذاتية كلما زاد تعلق الأفراد بالقوة والرموز الغيبية. ولذلك فإن الحياة الاجتماعية لا يمكن أن تستقر بفضل القوانين الوضعية وقوة السلطة السياسية وتعزيز الجزاءات وتوقيع العقوبات، بل لابد من وجود الوازع الروحي والإيمان بالقيم الدينية كآلية لضبط السلوك الاجتماعي للأفراد(13).
2.2.3 ـ آليات الضبط الرسمية (القانون):
يعد القانون ومؤسساته من أقوى وسائل الضبط الاجتماعي، وهو ضرورة اجتماعية لازمة لحياة الجماعة، وتدعيم واستقرار النظم الاجتماعية في المجتمع. ويعكس القانون نمطاً من الرقابة المنظمة، وهو يتكون من عدة قواعد تنظم العلاقة بين الأفراد، وهذه القواعد ملزمة لهم، ومن يخرج عليها يتعرض للعقاب. ويمثل القانون جزءاً هاماً من العرف الأخلاقي للمجتمعات، فهو لم يظهر إلا عندما عاش الأفراد في النظام المدني، وألفوا الحياة في المدينة ومارسوا الأشكال المختلفة للحياة الاجتماعية التي تقدمت وتطورت فأصبح القانون في المجتمعات الحديثة الوسيلة الفعالة لعملية الضبط الاجتماعي(14).
ويذهب دور كايم إلى أن المجتمع الذي يسوده التضامن الآلي يتميز بالقانون القمعي، والأفراد في هذه المجتمعات يكونون على درجة عالية من التماثل، لأنهم يميلون إلى الإيمان بقوة مجموعة من القواعد الأخلاقية المشتركة، فأي انتهاك لقيم هذه المجتمعات يعد أمراً ذا خطورة بالغة في نظر غالبية أفراد هذه المجتمعات، وبالتالي تعاقب المخالف بقسوة لانتهاكه للنظام الأخلاقي.
وعلى العكس من ذلك فإن المجتمع الذي يسوده التضامن العضوي يتميز بالقانون التقويمي، فبدلاً من معاقبته بقسوة لانتهاكه قواعد الأخلاق الجمعية، فإنه في ظل القانون التقويمي ليس مطالباً سوى بطاعة القانون، أو تعويض هؤلاء الذين تسبب في ضررهم، وإعادة الأمر إلى ما كان عليه. وعلى الرغم من سيادة القانون التقويمي في المجتمعات ذات التضامن العضوي، فإنه توجد في هذا المجتمع بعض مظاهر القانون القمعي (مثل عقوبة الإعدام). ولا يتطلب القانون التقويمي وجود قواعد أخلاقية عامة ذات سلطان وقوة، كما أن استجابة الغالبية العظمى من أفراد المجتمع تجاه انتهاك القانون لا تكون استجابة عاطفية، وتقع مسؤولية الإشراف على تنفيذ القانون التقويمي على عاتق أجهزة متخصصة (مثل الشرطة والمحاكم)، وذلك على عكس الحال في القانون القمعي حيث تقع مسؤولية الإشراف على تنفيذه على عاتق جميع أفراد المجتمع (15).
وترجع أهمية القانون أنه يحقق من خلال دقة قواعده وجزاءاته درجة من اليقين في السلوك الإنساني، لا يمكن تحقيقها بواسطة أية من أنماط الضبط الاجتماعي الأخرى. هذا رغم أنه يعتمد على مشاعر أخلاقية ويتأثر بالنظم الاجتماعية القائمة. وعلاوة على ذلك يمكن أن يكون للقانون تأثير مستقل على السلوك الاجتماعي، على الأقل من حيث أنه يخلق في المجتمع بصفة عامة بعض الاتجاهات أو أنماط السلوك التي ترجع في الأصل إلى أقلية قليلة من المصلحين.
ويذهب أدوارد روس إلى أن القانون له مهمتان أساسيتان هما:
1 ـ قمع الذين يقومون بالاعتداء على الآخرين سواء في أشخاصهم أو أموالهم وأعراضهم.
2 ـ إلزام وإجبار الأفراد الذين ينقضون الارتباطات الأسرية أو العقود المبرمة على الالتزام.
ويهدف المجتمع من توقيع العقوبات القانونية إلى هدفين، الهدف الأول: تجنب الأذى من شخص معين، أو العودة إلى مخالفة القانون، ويتحقق ذلك عن طريق عقاب الخارج على القانون. الهدف الثاني: حماية المجتمع ممن يرغبون في احتراف الإجرام، وذلك يمكن تحقيقه عن طريق العقاب فقط إذا لم يؤد العقاب بالخوف إلى نتيجة، فإنه لابد من الهبوط إلى مستوى العنف والقسوة. فالهدف النهائي لتوقيع العقاب هو الحماية وإظهار الضبط عن طريق الخوف(16).
يقوم القانون بدور هام وفعال في عملية الضبط الاجتماعي في المجتمع، فهو يعمل على ضبط سلوك الأفراد، ويعتبر وسيلة لإلزام الأفراد على إتباع قواعد معينة من السلوك، لأنه يمد الأفراد بالقوة ويحمي حقوقهم ويستثير في الفرد الشعور بضرورة أداء واجباته.
ويحدد "تبراشنسكي" مجموعتين من الوظائف الاجتماعية للقانون هما:
ـ الوظائف التوزيعية: أن القانون في جوهره فكرة انفعالية تعمل على توزيع الحقوق والواجبات على أفراد الهيئة الاجتماعية، أي أنه يؤدي وظيفة التوزيع بأن يوضح لكل فرد ما عليه أن يفعل ومتى وأين ولم يفعله؟.
ولما كانت الحقوق والواجبات قيماً اجتماعية، فإن توزيعها بواسطة القانون معناه توزيع القيم الاجتماعية كلها، بما في ذلك القيم الاقتصادية على أعضاء الجماعة، وفي هذه الوظيفة يكون الدور الاجتماعي للقانون عظيماً، فهو القوة التي تشكل التنظيم الاجتماعي بأكمله والدستور السياسي والنظم الاقتصادية، والطبقات الاجتماعية. وما القوانين الرسمية، والمحاكم والقضاة إلا آليات لتحقيق وظيفة القانون الاجتماعي.
ـ الوظائف التنظيمية: لكي توزع الحقوق والواجبات توزيعاً عادلاً، لابد من وجود قوة أو سلطة يتم فرض التوزيع عن طريقها ويحافظ عليها، ومع هذا الأساس تظهر الحكومة أو الدولة، والهيئات المرتبطة بالقانون، والهيئات التشريعية والمحاكم والقضاء والشرطة، وما إليهم من أي قوة للإقناع تخول لأشخاص معينين حقوق الحكم، وتفرض مع الشعب واجب الطاعة.
ومما سبق يتضح، أن الضبط القانوني يتم عن طريق تحديد السلوك البشري، فالقانون يحدد مجموعة من الأنماط السلوكية التي يجب على الأفراد إتباعها في المواقف المختلفة، ويحدد أساس العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، كما أنه يقوم بتحديد العقوبات التي توقع على الفرد في حالة خروجه على هذه الأنماط التي حددتها القواعد القانونية. فالقانون بناء على ذلك هو مجموعة الأنماط السلوكية التي تنتشر بواسطة التشريعات التي تقرها الحكومة، ويلتزم بها أفراد المجتمع ككل.


3.3ـ التفسير حسب النظرية البيولوجية
على خلاف وجهات النظر السيكولوجية والاجتماعية يرجع بعض العلماء السلوك الإجرامي إلى عوامل بيولوجية وراثية، حيث يرون أن " المرضى نفسياً ربما يكونون قد ورثوا جينات سيئة أو رديئة، وربما يرجع ذلك إلى إصابة في خلايا الدماغ، بمعنى وجود عجز عصبي ما لديهم يجعلهم أقل قدرة على الاستجابة للضوابط الاجتماعية مقارنة بزملائهم ممن يطيعون القوانين. ومن العلماء الذين يتبنون هذا الطرح العالم الايطالي سيزار لمبروزو الذي فسر الجريمة من خلال قاعدتين أساسيتين (17) .
ـ فحسب القاعدة الأولى يرى لمبروزو أن المجرم إنسان يختلف عن غيره من الناس بملامح وسمات وطباع خاصة، وأن سلوكه الإجرامي يفسر في رجوعه إلى الحياة البدائية الأولى فملامحه وسماته تختلف من حالة لأخرى بحسب ميوله الإجرامية. فالمجرم الذي يميل إلى ارتكاب الجرائم الجنائية له ملامح وسمات خاصة تميزه عن المجرم الذي يميل إلى جرائم القتل .
ـ أما القاعدة الثانية فترتبط بالتحديد العضوي والنفسي السابق للإنسان المجرم، فالمجرم عبارة عن هيئة أو صورة أو طبع مماثل للإنسان البدائي. فالسمات التي تحدد المجرم من غيره ناجمة من الفكرة السابقة حول حديثه عن ارتداد الإنسان المجرم إلى الحياة الإنسانية الأولى. وهذه الفكرة هي أساس كلامه من أن المجرم الحقيقي هو مجرم بالولادة .
هذه هي جملة أفكار لمبروزو حول الإجرام، ونشير إلى أن هذا الاتجاه لم يكتب له النجاح، كما انه لم يؤيد في الاعتقاد من حيث وجود علاقة سببية بين الإجرام ونمط الجريمة. وبالرغم من الاعتراضات التي لاقتها نظريته، إلا أن هناك عدداً من العلماء والباحثين الذين يعتقدون بوجود عوامل بيولوجية أو تكوينية في الجريمة.
4-التكفل النفسي بالمجرمين
توجد عدة صور للتكفل النفسي بالمجرمين أثناء إيداعهم وبعد الإفراج عنهم، ويمكن تلخيص هذه الصور كالتالي:
1.4 ـ التكفل النفسي التمهيدي:
من أهم صور التكفل النفسي التمهيدي مساعدة السجين على التخلص من التوترات النفسية والمشاعر السلبية التي تسيطر عليه نتيجة عمليات الضبط والمحاكمة والإبداع بالسجن. فالسجين عادة تسيطر عليه أفكار ومشاعر سلبية من أنه شخص مرفوض ومغضوب عليه وأنه قام بارتكاب خطيئة ضد المجتمع، وبسبب ذلك يقع فريسة للقلق والتوتر والإحساس بالخوف والاغتراب.
أيضاً وفي أحيان أخرى، قد يشعر السجين بأنه شخص مظلوم ولا يرى نفسه مذنباً، إذ يقيّم سلوكه تقييماً مغايراً، هذا حسب نظريته الشخصية للحقوق والواجبات، ويؤدي به الشعور بالبراءة إلى العناد والتصلب في الرأي، ومقاومة النظام، ورفض التعامل مع القائمين بأمر إصلاحه وعلاجه.
ويتدخل الأخصائي النفسي في هذه الفترة الحرجة لتهيئة السجين لتقبل بيئة السجن الجديدة، ومحاولة التأقلم معها من خلال استخدام خبرته ومهاراته (التقدير، التقبل، التعاطف الوجداني ...إلخ)، أثناء المحادثة والحوار للتعرف على حاجاته والعمل على إزالة هذه التوترات النفسية والمشاعر والأفكار السلبية التي تسيطر عليه عند دخوله السجن.
ولتمكّين السجين من التأقلم والتكيف مع واقع وطبيعة الحياة داخل السجن يعمل الأخصائي النفسي على تبصيره وتعريفه بنظم المعاملة بالمؤسسة (السجن)، وبرسالتها التربوية ويزوده بمعلومات وشروح حول لوائحها وطبيعة النظام المطبق بها، وغيرها من المعلومات التي يتعين الإطلاع عليها لمعرفة حقوقه وواجباته، وقد تأخذ هذه العملية (تكييف السجين) فترة من الزمن.
2.4 ـ التكفل النفسي التشخيصي والعلاجي:
يتضمن هذا النوع من التكفل إجراء فحوص واختبارات قصد التعرف على الأمراض النفسية والجسدية التي قد تكون لدى السجين، على اعتبار أن تجربة الإبداع والحبس تجربة قاسية ومرهقة بإمكانها تفجير أمراض نفسية لدى السجين، فقد تبين أن نسبة من المجرمين كانوا يعانون من حالة تعرف بهذيان السجين (18)، وهي حالة تستلزم التشخيص والعلاج ليس فقط لمساعدة السجين، وإنما أيضاً للحيلولة دون استخدامها كحيلة أو مبرر لإبعاد مسؤولية المجرم بسبب المرض العقلي الذي يوحي به هذا الهذيان.
يشمل التكفل النفسي أيضاً تطبيق اختبارات وإجراء مقابلات عيادية متعددة قصد تشخيص وتقييم حالات النزلاء (دراسات لتاريخ الحالة) ودراستها دراسة شاملة من النواحي النفسية والعقلية والتعليمية تسهيلاً لرسم طرق علاجهم وتوزيعهم على نشاطات البرنامج التمهيدي المسيطر لهم.
يركز التكفل النفسي أيضاً على علاج بعض السلوكيات الانحرافية لدى السجين التي تكون موجهة نحو الآخرين لسبب ما، كالرغبة في السيطرة على الغير، أو الزعامة، والسلوكيات الإنحرافية الجنسية، وقد يكون السلوك العدواني للسجين موجهاً نحو الذات، كمحاولته الإضراب عن الطعام، أو إحداث إصابات بنفسه، أو حالات التفكير بالانتحار والتي تعود إلى الإحساس باليأس، أو سوء المعاملة داخل السجن أو الشعور بالغربة عن البيت(19).
هذا وتوجد خدمات استثنائية أخرى متنوعة يتلقاها السجين هدفها حل مختلف المشكلات النفسية والعلائقية التي تواجهه وتعيق توافقه مع بقية المسجونين ومع الإدارة.

3.4 ـ التكفل النفس الوقائي أو الاندماجي:
نعني بالتكفل النفسي الوقائي والاندماجي ذلك التأهيل النفسي الذي يعمل على تبصير المجرم بطبيعة الجرم الذي ارتكبه وبعواقبه وأضراره، فضلاً عن التدخل لإعداد المجرم (السجين) وتهيئته، من خلال الخدمات التعليمية، والمهنية، والترفيهية، والجلسات الإرشادية لمواجهة المرحلة الانتقالية ما بين حياة السجن، والعودة إلى الحياة العادية للتقليل من ظاهرة العودة.
تهدف خدمات وبرامج التأهيل النفسي معاونة ومساعدة السجين وتمكّينه من مواجهة مختلف المشاكل النفسية التي يعانيها والتغلب عليها، مثل فقدان الثقة بالنفس، والخوف من الوصم والعار، والشعور بالاكتئاب، والقلق، والخوف والميول العدوانية التي غالباً ما يكون السجين مصاباً بها.
كما يهتم التأهيل النفسي بإعادة بناء الشخصية، وتحقيق توازنها النفسي وإذا تبين أن السجين يعاني من مرض الاكتئاب أو الهوس فإنه يحول إلى أخصائي الطب العقلي.
إلى جانب التأهيل النفسي، توفر مؤسسات إعادة التربية لنزلائها برامج وخدمات مهنية متنوعة لتأهيلهم وإعدادهم للحياة العملية بعد الإفراج عنهم. ففي مجال التكوين المهني والعمل يتمتع السجناء بفرص هامة تدريبية باعتماد برامج خصوصية منجزة بالاشتراك مع مراكز التكوين، كما يسمح للراغبين منهم في اختيار التخصص أو الحرفة المناسبة لهم، وتتعدد هذه الحرف من الحرف الإدارية إلى الحرف اليدوية، فحرف الصناعات التقليدية.
وفي مجال العمل تتاح للمساجين الفرصة للعمل داخل المؤسسة ويتقاضون نظير ذلك راتباً يعينهم على تسديد بعض الأغراض التي يشترونها من داخل المؤسسة، ويهدف العمل داخل المؤسسة إلى غرس قيمة العمل لدى السجين وإعداده للاندماج في سوق العمل بعد الإفراج عنه. كذلك يمكن العمل داخل السجن من إقرار النظام، حيث أن السجين الذي لا يعمل يوجه فكره نحو الهروب أو التمرد.
وتمثل الخدمة الترفيهية جزءاً مهماً من برامج خدمة السجين نفسياً، وتكمن أهميتها من كونها تساعد السجين على استغلال وقت فراغه بصورة بناءة سليمة، وتجنبه التفكير في متاعبه، فضلاً عن الشعور بالتسلية والارتياح.
ويدعم التأهيل النفسي التأهيل الاجتماعي، وفيه يعيد الأخصائي الاجتماعي تواصل السجين بأسرته ومجتمعه ودمجه في النشاطات (الثقافية، الترفيهية، الرياضية، المهنية) داخل السجن، فمن خلال هذا النوع من التأهيل يتوضح للسجين أهمية احترام القوانين والامتثال للمعايير الاجتماعية في المحافظة على أمنه وأمن مجتمعه، وكذا توضيح أنسب الطرق لإشباع حاجاته المادية والنفسية، وكيفية تجنب الصراع الناتج عن المواقف المحبطة التي تعترض حياته.
ولأغراض الاندماج الاجتماعي للسجين يحاول الأخصائي النفسي والاجتماعي، قبل مغادرة السجين المؤسسة، تبصير السجين بأن فرصته في النجاح بعد خروجه من السجن تتطلب تغيراً جذرياً في سلوكه، وأن هذا التغيير هو نتيجة مباشرة لاتجاهاته الاجتماعية نحو المجتمع.
إن نجاح عملية الاندماج الاجتماعي عملية صعبة تتضافر في تحقيقها جهود الأخصائي النفساني والاجتماعي، وجهات أخرى داخل المجتمع المدني، فضلاً عن السجين نفسه خاصة إذا كانت عمليات اصطلاحه وتأهيله ناجحة.
ونشير في هذا الجزء إلى أن برامج وخدمات التكفل النفسي للسجين تتنوع بتنوع سن السجين ونوع الحالة وعلى الأخصائي (الاجتماعي أو النفساني) أن يحسن الإنصات والاتصال مع السجناء، وعليه الأخذ بالفكرة الأساسية التي تقوم عليها النظرة الحديثة في التعامل مع السجناء والتي مؤداها أن للعقوبة وظيفة نفسية واجتماعية وهي تأهيل الجاني وجعله مواطناً صالحاً عن طريق تنمية إمكانياته ومؤهلاته وتهذيب سلوكياته وأخلاقه، ومساعدته على التوافق مع نفسه ومع محيطه الاجتماعي.
5 ـ أســاليب التكفـل النفسـي بالمجرميــن:
تمثل أساليب التكفل النفسي الجانب التقني الذي يتبع مع المجرمين أثناء فترة إيداعهم بمؤسسات إعادة التربية وبعد الإفراج عنهم. وتشمل هذه الأساليب العلاج والإرشاد النفسي، والإرشاد الاجتماعي، والتوجيه والتأهيل المهني ... إلخ، وغيرها وفيما يلي توضيحاً موجزاً لها:
1.5 ـ العــلاج النفســي:
إلى جانب العلاج الطبي الجسدي والعلاج الطبي العقلي، تتوافر بمؤسسات إعادة التربية مجموعة من الخدمات النفسية يقوم بها أخصائيون نفسانيون (إكلينيكيون) مؤهلون ومدربون على الأساليب العلمية الحديثة في علاج وتأهيل المساجين.
ويؤخذ العلاج النفسي صوراً متنوعة لكل منها ميدانه وأسلوبه الخاص، وما يناسبه من حالات، مع أنه يمكن استخدام أكثر من أسلوب في علاج حالة معينة. ومن الطرق الأكثر شيوعاً في علاج نزلاء السجون، العلاج النفسي التحليلي، والعلاج السلوكي، والعلاج العقلاني – الانفعالي، والعلاج النفسي التدعيمي.
وتستخدم هذه الطرائق أساليب علاجية متنوعة كالإيحاء، والتداعي الحر، وتدبر القلق، والتخيل، والإقناع، والنصح، والتدريب على الاتصال الاجتماعي .... وغيرها. هذا ويفيد العلاج النفسي في معرفة أمور عدة هي:
- معرفة الدوافع (الشعورية واللاشعورية) التي دفعت بالسجين إلى ارتكاب الجريمة.
- معرفة ما إذا كان السجين يعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية كانت المحرض على الجريمة أو نتاج لها.
- معرفة مدى توافق السجين مع ذاته.
- التعرف على سمات شخصيته، وهل تصاحبه مثلاً اضطرابات معينة ومشاداة هذه الاضطرابات وتأثيرها على سلوكه.
أما أهدافه فيمكن جمعها في الآتي:
 زيادة وعي الفرد (السجين) واستبصاره وفهمه.
 تقوية الأنا (الذات) وتنميته.
 تغيير البناء المعرفي وأساليب التفكير الخاطئة.
 تعويد السجين على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.
 تنمية الكفاية الذاتية والقدرات الذاتية(20).
2.5 ـ الإرشاد النفســي:
يستخدم الأخصائي النفسي أكثر ما يستخدم مع الحالات ذات الاضطرابات الخفية في الشخصية. ويلعب الإرشاد النفسي دوراً هاماً خلال مرحلة التكفل النفسي المبكر، لأنه يساعد على إزالة التوترات النفسية والمشاعر السلبية التي يعانيها السجين بعد دخوله السجن، فمن خلال إقامة العلاقة الإرشادية الجيدة (التقبل، التقدير، التفهم الوجداني) يستطيع المرشد النفساني تهيئة السجين للبيئة الجديدة، وإزالة الكثير من مشكلاته وتوتراته.
وكما هو الحال في العلاج النفسي، ينصب الاهتمام في الإرشاد النفسي على شخصية السجين من خلال تدعيم الذات لإزالة المشاعر السلبية المرتبطة بوضعه الحالي، إلى جانب تعديل وتغيير استجابته وأفكاره واتجاهاته الخاطئة.
ويستخدم الإرشاد النفسي أيضاً لتحديد المشاكل وإيجاد الحلول وتكوين القدرات الكافية لدى السجين لحل مشكلاته واتخاذ قراراته بنفسه فضلاً عن توعيته بأهمية الحفاظ على صحته النفسية والجسدية.
ومن الطرائق الشائعة في الإرشاد النفسي، الإرشاد الديني: وبمساعدة رجال الدين الذين لديهم خبرة في المعاملة العقابية بهدف تنمية القيم الدينية والأخلاقية لدى السجين وزيادة إدراكه ووعيه بشأن الأسباب التي أدت به إلى ارتكاب الجريمة. فعن طريق الإرشاد الديني يتمكن السجين من تكوين بصيرة جيدة عن العوامل والأسباب الذاتية التي دفعته إلى القيام بذلك السلوك الإجرامي، وكذا معرفة وإدراك العوامل الخارجية التي ساهمت في موقفه، تنمية الشعور بالمسؤولية والواجب.
وقبل الانتهاء من هذا العنصر يجب أن أشير إلى أنا الإرشاد النفسي يعتمد على أساليب وطرائق متنوعة هي نفسها التي يستخدمها المعالج النفساني مثل الإيحاء، النصح ، الإقناع، تأكيد الذات، التوضيح، التعاطف، التقبل، عكس المشاعر ...الخ.

3.5 ـ التوجيــه التأهيلــي المهنــي:
يتم ذلك من خلال طريقة دراسة الحالة وعمليات التقييم والتشخيص المختلفة كأن يتم جمع بيانات متنوعة عن المساجين مثل مؤهلاتهم، استعداداتهم، قدراتهم، ميولهم، اهتماماتهم، هواياتهم ... التي تفيد في وضع وبناء البرنامج التأهيلي المهني لهم.
وقبل توزيع المساجين على مختلف البرامج التأهيلية تجرى عمليات توجيهية شتى لهم كالتوجه نحو نوع الدراسة (التعليم) المناسبة لخصائصهم، ثم التوجيه إلى نوع المهنة أو الحرفة التي سوف يتدربون عليها، وأخيراً توجيههم إلى العمل ومتابعتهم فيه.
وتهدف برامج التأهيل المهني ـ مؤسسات إعادة التربية ـ إلى تكييف شخصية السجين لتأكيد عملية العلاج بدلاً من تأكيد العقاب، ويعني ذلك استعمال التأهيل المهني كأداة للتكيف الاجتماعي والتربية، ولإعادة السجين إلى حياته العادية.
ويتم التكوين والتأهيل المهني للمساجين، الذين ليس لهم مهنة أو حرفة، على ممارسة إحدى المهن أو الحرف التي اختاروها عند توجيههم.
يشمل التكوين المهني دروس نظرية وأخرى تطبيقية، يتم البعض منها داخل مؤسسة إعادة التربية والبعض الآخر بمراكز التكوين العادية، وفي الحالة الأخيرة تتكفل إدارة المؤسسة بحراسة ونقل المسجونين إلى مراكز التدريب.
توفر مؤسسات إعادة التربية لنزلائها عدداً من البرامج التدريبية في مهن الصيانة الصناعية، الكهرباء، التجارة، الحلاقة، التلحيم، الإعلام الآلي، وحرف يدوية أخرى متنوعة.
يسعى التكوين المهني للمساجين إلى جعلهم أكثر إعداداً وأكثر اعتماداً على أنفسهم في كسب العيش الكريم، فضلاً عن ذلك تحسين حراكهم الاجتماعي.
وللتكوين المهني آثار إيجابية أيضاً على مؤسسات إعادة التربية ذاتها، من ذلك أنه قد يكون وسيلة فعالة لحفظ النظام وتحسين العلاقات بين المسجونين بعضهم ببعض، وبينهم وبين الإدارة. ولأن التكوين المهني يقتطع الكثير من وقت السجين فإنه يجعله ينصرف عن التفكير في المسائل السلبية أو التفكير في الهروب والتمرد والعصيان.
4.5 ـ العمــــل:
ينّظر للعمل داخل مؤسسات إعادة التربية على أنه يشمل قيمة تأهيلية غير مباشرة تؤدي إلى إحداث تغيرات عامة في العلاقات والجوانب الأخلاقية من شخصية السجين بعد الإفراج عنه.
كما أن للعمل قيمة اجتماعية من ذلك أنه يمكّن السجين من تحسين وضعه الاجتماعي (من الشخص العادي عديم المهارة إلى الشخص الماهر)، ويمكّنه من العيش الكريم بعد خروجه من المؤسسة. ومن شأن العمل أن يجعل السجين يعيد الاعتبار لذاته، والثقة في نفسه، وأن يعطي للعمل ذاته قيمة كبرى.
ويجب أن نشير بأن معظم مؤسسات إعادة التربية، تضمن للسجين مقابلاً مادياً نظير عمله، يمكن أن يصرف له جزءً منه أثناء تواجده بالمؤسسة، ويصرف له الجزء الآخر بعد الإفراج عنه أو يرسل لأسرته بموافقته.
وقبل أن ننهي هذا المقال يتعين علينا ذكر بعض التجارب هنا وهناك في التكفل بالمجرمين. ففي بعض الدول وتحديداً بالولايات المتحدة الأمريكية لجأت إحدى الولايات (نيويورك وكاليفورنيا) إلى أساليب خاصة من تأهيل المساجين، حيث يتم التركيز على التكفل النفسي أكثر من التركيز على مجرد الاعتقال والحبس. فعندما يودع المتهم في السجن فإنه يحال على مكان للعلاج، حيث يخضع لإشراف أحد الأطباء العقليين وأحد الأخصائيين النفسانيين، وعندما يلاحظ على السجين علامات التقدم والتحسن فإنه ينقل إلى قسم آخر حيث يسمح له بالزيارة، الأمر الذي يساعده على التمتع بجو طبيعي يعيده للحياة في العالم الخارجي.
وفي بعض الدول لا يقتصر التكفل النفسي للمجرمين على فترة وجودهم داخل مؤسسة إعادة التربية بل يتعدى ذلك إلى متابعة ظروف حياتهم بعد الإفراج عنهم من خلال مساعدتهم على إيجاد عمل ملائم يكفل لهم العيش الكريم وبالتالي تجنب عودتهم للإجرام.
وفي الجزائر عقدت مؤتمرات حول تسيير مؤسسات إعادة التربية انتهت بطرح مشروع إصلاح العدالة يتضمن العديد من الأفكار والتصورات، وحتى الحلول للوصول إلى مستوى مقبول من التكفل النفسي والاجتماعي والصحي والمهني للسجين.
المراجع:
1) سمير عبده، التحليل النفسي للجريمة، دمشق: دار الكتاب العربي 1989، ص 10
2) سمير نعيم أحمد، الدراسة العلمية للسلوك الإجرامي، مقالات في المشكلات الاجتماعية و الانحراف الاجتماعي، القاهرة، مكتبة سعيد رأفت 1969، ص 3
3) عبد الرحمن محمد أبو توته، علم الإجرام، إسكندرية، مكتبة الجاهي بيروت 1999، ص 41
4) نفس المرجع السابق، سمير عبده، ص 13
5) عبد الرحمن العيسوي، علم النفس في الحياة المعاصرة، إسكندرية 1978، ص 5
6) رمسيس بهنام، لإجرام و العقاب، علم الجريمة و علم الوقاية و التقويم، إسكندرية، منشأة المعارف، 1978 ص 3
7) عبد الرحمن محمد العيسوي، علم النفس الجنائي أسسه وتطبيقاته العملية، الدار الجامعية المعرفة, الإسكندرية، 1998، ص 147.
Cool جليل وديع شكور،أمراض المجتمع، بيروت، الدار العربية للعلوم 1998، 71.
9) السيد رمضان، خدمة الفرد التحليلية: عمليات ومجالات نوعية للممارسة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص:329.
10) نفس المرجع، ص:325
11) جابر نصر الدين: السلوك الأغراض والجريمة، نخبر التطبيقات النفسية والتربوية، جامعة منتوري قسنطينة، 2007، ص 113.
12) محمد الجوهري وآخرون، الانحراف والضبط الاجتماعي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2000، 69.
13) سلوى علي سليم: الإسلام والضبط الاجتماعي، مكتبة وهبة، القاهرة،1985 ، 72.
14) سلوى علي سليم: المرجع السابق، 76-78.
15) جورج ريترز: رواد علم الاجتماع، ترجمة محمد الجوهري وآخرين، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1999.
16) سلوى علي سليم: المرجع السابق، 86-87.
17) عدنان الدوري، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي، ط،3 الكويت،دار السلاسل،1985،ص،215-216.
18) جابر نصر الدين، المرجع السابق،ص،59.
19) جلال الدين عبد الخالق والسيد رمضان، الجريمة والانحراف من منظور الخدمة الاجتماعية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2001، ص 201. 202.
20) عبد الرحمن العيسوي،علم النفس الجنائي، المرجع السابق،ص:288.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرعاية النفسية في مجال الانحراف والجريمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف نحمي اطفالنا من المشاكل النفسية
» وقذف في قلوبهم الرعب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الكلمـــــة الحـــــرّة :: المنتدى العام-
انتقل الى: