الحمد لله الذي انزل القرآن بلسان عربي مبين والصلاة والسلام على من بعثه بشيرا ونذيرا
وداعيا الى الله باذنه سراجا منيرا ......
يسرني اخوتي ان اقدم بين يديكم هذا المقال الذي سيتناول (( اللغة العربية ))
التي اختارها الله عزوجل لتكون وعاءا لكلامه العظيم وكتابه الكريم والمعجزة الخالدة لنبيه الامين
صلى الله عليه وسلم واثنى الله تعالى (( وانه لتنزيل من رب العالمين 192 نزل به الروح الامين 193
على قلبك لتكون من المنذرين 194 بلسان عربي مبين 195 )) الشعراء .....
تقديم
اللغة : ( الفاظ يعبر بها كل قوم عن اغراضهم , وهي من الاوضاع البشرية ) ..
اللغة العربية : ( احدى اللغات السامية وهي لغة امة العرب القديمة العهد الشائعة الذكر التي كانت
تسكن الجزيرة المنسوبة اليها الطرف الغربي من آسيا ) .
- اول من اطلق عليها هذا الاسم :
اللغة العربية فرع من فصيلة كبيرة يطلق عليها (( اللغات السامية )) واول من اطلق مسمى اللغة
العربية هو المستشرق (( شلوتسر )) اخذ ذلك الاسم من جدول تقسيم الشعوب الموجودة في التوراة ذلك الجدول يرجع لكل الشعوب التي عمرت الارض بعد طوفان نوح الى اولاده الثلاثة : سام - حام – يافث
وهذه التسمية مختصرة مناسبة كما هو الواجب في التسميات الاصطلاحية الا ان العلم يفهم منها شيئا يختلف
الى حد ما عمَا يفهمه مؤلف جدول الشعوب في التوراة لانه بنى تقسيمه على اعتبارات سياسية وحدود جغرافية فحسب ولذلك جعل العلاميين واللوديين من ابناء سام لانهما كانا من رعايا الدولة الآشورية على الرغم من انه لا توجد بين هذين الشعبين قرابة من ناحية كما انه ليس بينهما وبين الآسوريين قرابة من ناحية اخرى كما جعل الفنينقيين من ابناء حام بسبب صلتهم السياسية بالمصريين على الرغم من انهم اقرب الشعوب الى العبريين ....
وتنقسم اللغات السامية الى :
- اللغة العربية قبل الاسلام :
هذه اللغة كان لها شان قبل الاسلام كما كان لها بعده اخر قبل ان نعرف شانها الثاني يجدر بنا نعرف شانها الاول .
لقد نشات هذه اللغة ونمت في عهدها الاول _ أي قبل الاسلام _ وهي ما زالت في حجر امها ( اللغة السامية ) أي قبل انفصالها عن اخواتها الكلدانية والعبرانية والفنييقية واآرامية والاكدية بقسميها البابلي والآشوري ثم
الاحريتية التي هي لغة قريش نقوش راس شمرا ..
فحين حاط الساميون بالجزيرة العربية كان لهذه البيئة اثرها في تلوين لسانهم وامداد لغتهم بالكثير مما لم تضمه بيئتهم الاولى التي خلفوها وراءهم كما كان لمن جاوروهم وخالطوهم من امم وشعوب اثر اخر ...
واذا كانت الرقعة الجديدة فسيحة ممتدة مختلفة صقعا عن صقع اختلفت لغة هذه القبائل النازحة اليها لغة عن لغة فكان للحجاز لغة واليمن لغة ثم لكل من الحجاز واليمن لغات للانقسام الى قبائل وعشائر وفصائل يضرب بين الكل منها وهاد وجاد ولكل هذه اللغات كلها بالرغم من اختلافها كانت تظل تحت راية واحدة ووحدة جامعة ,(( اللغة العربية )) ...
- اللغة العربية في ظل الاسلام :
كما احدث الاسلام هذه الاضافة المعنوية الجديدة للتعبير عن معان جديدة او جبها التشريع الجديد واو جبتها العلوم الجديدة التي ظهرت بظهور الاسلام منبثقة منه فلقد امات ظهور الاسلام الفاظ الجاهلية التي كانت تسمى العقائد الجاهلية التي اختفت بظهور الاسلام كما كانت تسمى عبادات ماتت بظهور الاسلام ومن ذلك ( المرباع ) وهو ربع الغنيمة الذي كان ياخذه الرئيس ومن ذلك تسميتهم في الجاهلية لمن لا يحج ( صرورة ) الى غير ذلك من الالفاظ والعبارات الاخرى كثيرة ولكن نكتفي بمَ ذكر ... اما عن المصطلحات الادارية التي تبعت ظهور الاسلام ك ( الخليفة والوزارة والكتابة والحجابة ) الى غير ذلك ولم يكن حظ المصطلحات العلمية بقليل ولا سيما بعد اتساع الرقعة الاسلامية واظلت الراية الاسلامية حضارات مختلفة ونقل الى العربية كتب عن لغات اخرى في العلوم والفلسفة والدارسون لهذا والمقتصون له يجدون من تلك المصطلحات جملة كبيرة وفي الحق انه لم يكن ثمة شيء له اثره في اللغة العربية اقوى من الاسلام ولا اظهر ..
فمنذ ان جاء محمد صلى الله عليه وسلم قومه بالقران الكرم منزلا عليه من ربه بلسان عربي مبين كانت تلك الصلة الوثيقة بين اللغة والدين وكتب اللغة العربية ذلك المستقبل العظيم بحصيلته الباهرة فبالاسلام ونزول القران بلسان عربي مبين كانت معجزة الرسول الكريم التي تحدى بها قومه فتبولأت اللغة العربية مكانها بين اللغات الحية واصبحت لغة دين وحضارة معا ثم كتب لتلك اللغة العربية التي محصورة في بيئة لا تعدوها ان تنتشر في بيئات مختلفة وان تجمع تحت رايتها امما كانوا على السنة غير عربية فاصبحوا يتكلمون العربية من اسبانيا الى اواسط آسيا شرقا ولقد حظيت اللغة العربية في اوائل الدولة العباسية باجمل عناية بما يتصل بقواعدها ثم كان العصر الذهبي للادب العربي ولم يزعزع ذلك الانحلال الذي منيت به به الدولة اواخر الدولة العباسية ....
- اثر الاسلام على اللغة العربية واساليبها :
لقد كان لظهور الاسلام اثرا, أي اثر في اللغة العربية واساليبها والفاظها وهذا وهذا الامثلاء نفوس المسلمين بروح القران وغرامهم باسلوبه من هنا كان ظهور الفاظ القران واساليبه في لغة المسلمين شعرا ونثرا وكتابة وخطابة ويمكن التعرف على هذا التاثير في شيئين هما الاسلوب والالفاظ ومن اليسير ملاحظته التغير في الاسلوب فما جاء على السنة الكهنة في الجاهلية وبين ما جرى على السنة خطباء الاسلام
فمثلا قول طريفة كاهنة اليمن حين خاف اهل مأدب من سيل العرم وعليهم مزيقياء عمرو بن عامر فانها قالت لهم لا تؤموا مكة حتى اقول وما علمني ما اقول الحكم المحكم رب جميع الامم من عرب وعجم
أي هذه الاساليب القرآنية الي سقت امثلة منها منها والتي كتابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى عمرو بن العاص ..
لمَا بعث به الى فتح مصر ثم تخوف فكتب اليه :
" بسم الله الرحمن الرحيم من الخليفة عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص عليه سلام الله تعالى وبركاته اما بعد فان ادركك كتابي هذا وانت لم تدخل مصر فارجع عنها واما اذا ادركك وقد دخلتها او شيئا من ارضها فامضِ واعلم اني ممدك ."
وهكذا نجد فرقا بين اسلوب واسلوب.
اسلوب جاهلي فيه مقومات الجاهلية والاسلوب الاسلامي فيه مقومات الاسلامية ومحاكاة القران الكريم اما التاثير في الالفاظ فهو امر طبيعي اقتضته تلك المعاني الجديدة
التي دخل الاسلام بها وحملتها الفاظ كان لها معان غير تلك المعاني الاسلامية ان المصطلحات الشرعية والفقهية للكثير مثل الزكاة والصلاة والسجود والركوع فهذه وغيرها دلالات قبل الاسلام ولما جاء الاسلام حملها دلالات جديدة واصبحت لغة القرآن عند المسلمين عامة سواءا كانوا عرب ام غير عرب
ومجمل الكلام نقول :
- خلد الاسلام اللغة العربية حين نزل القران بلسان عربي مبين وضمن الله تعالى لها الخلود بقوله ( انا نحن نزل الذكر وانا له لحافظون )) الحجر 9 وحفظ القران يستلزم حفظ لغته التي نزل بها .
- اثر الاسلام في لغة العرب انه جعلها لغة عالمية غير مقصورة على اقليم معين يحرص كل مسلم على وجه الارض على تعلمها ليقرأبها القران في صلاته .
- ومن اثره ايضا انه دقق الفاظها وابعدها عن الجفاء والغلظة كما حول اساليبها الى العذوبة والسلاسة .
- نشاة الفصحى :
لقد نشات اللغة العربية المشتركة من مكة وام القرى وبلد الله الحرام لظروف دينية وسياسية واقتصادية
الظروف الدينية فذلك لان بيئة مكة كانت منذ عهود سحيقة قبل الاسلام بيئة مقدسة يفد اليها العرب من كل فج ليحجوا اليها ويؤدي هذا بالطبع الى اجتماع فريق كبير من العرب في هذه البقعة المباركة ويختلطون باهلها ومن هذا الاختلاط ينشا ما يسمى باللغة المشتركة وليس الامر اصطلاحا شعوريا بين القبائل على اختيار لغة معينة كلفة قريش مثلا لغة مشتركة وانما ذلك الامر لا شعوري كما يحدث للريفي الذي يحضر الى المدينة ويعيش فيها مدة مثلا فانه سرعان ما يتاثر باللهجة المدنية قهرا عنهودون شعور منه هذه القبائل
لم تفد الى مكة للحج والعبادة فقط وانما ليشهدوا كذلك تلك الاسواق التي تقام حول مكة للبيع والشراء وكانت تعقد في تلك الاسواق ندوات ادبية للخطباء والشعراء ويسمع فيها عيون الشعر زجيد القول كما كانت الحال في سوق عكاظ المشهورة التي كانت تدوم فيها الندوات ما يقرب من الشهرين وفي هذه الاسواق كان اهل مكة يختلطون بالوافدين فيسمعون منهم كما يسمع منهم هؤلاء هناك نبتت البذرة الاولى للغة المشتركة بين هؤلاء القبائل جميعا ونمت وازدهرت بتوالي وفود القبائل الى هذه الاسواق وقد حملت هذه الوفود تلك اللغة المشتركة الى مواطن قبائلها فانتشرت بين انحاء الجزيرة العربية ولكنها لم تنتشر على ما نرجح الا بين الخاصة فقط من ابناء القبائل المختلفة وهم اولئك الشعراء والخطباء وقد ازدهرت هذه اللغة نموا وازدهارا بنوزل القران الكريم بها ولسنا نوافق القائلين بان نزول القران هو الذي وحد اللغة واوجد اللغة المشتركة
لان هذه اللغة نمت وازدهرت وكما قلنا قلنا قبل نزول القران الكريم بها ولذا تخيرها القران بنزوله ليفهمه جميع الناس في شتى القبائل العربية هذه هو العامل الديني .
وهناك عامل اخر اقتصادي له اهميته في تكوين اللغة المشتركة فان اهل مكة كانوا تجارا ينتقلون بتجارتهم في امكان مختلفة ويرتحلون بها الى اليمن في الشتاء والى الشام في الصيف ولا يستقرون في مكان الا بمقدار الزمن الذي يحدده لهم البيع والشراء والنشاط هذا النشاط التجاري الضخم قد اتاح لهم الغنى والثراء ومن ملك المال واحتضن الدين فقد حقق له سلطان سياسي قوي وكان اكثر حضارة واقوى نفوذا من غيره
ولهذا كله كانت اللهجة القرشية من اقوى اللهجات اثرا في تكوين اللغة العربية الفصحى وتتميز تلك اللغة الفصحى المشتركة بصفات معينة شانها في ذلك شان كل اللغة المشتركة ....
- سبب بقاء العربية :
هذا واذا كان قدَر للغة العربية الفصحى ان تعمر الى الآن لا يعنينا انكماشها حينا وانبساطها حينا آخر ولكن يعنينا انها بقيت الى اليوم وبقي لها ظل ممدود فهذا البقاء اذا امعنا فيه النظر لم نجد ولن نجد سببا الا القرآن الكريم محفوظا الى اليوم وسوف يظل الى يوم البعث قال تعالى : ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون )) الحجر آية 9
فالقرآن الكريم هو الذي كان سببا في بقاء اللغة العربية الفصحى اذ ان كل مسلم به مطالب بان يطالعه ويحفظه او يحفظ منه قدرا ولولا القرآن لتشتت اللغة العربية وتجزأت وكانت لغات ولهجات لكل قطر لغته ولهجته كما صارت اليه اللغة اللاتينية بعد ذهاب دولة الرومان فغرق اعلها امما وطوائف ولم يعد للدولة الرومانية ولا للامة الرومانية وجود بعد ذهاب لغتها اللاتينية ومثل ما حدث للرومان حدث للسريان والانباط في الشام انما عن اللغة العربية فقد حفظها القرآن الكريم فحفظ بها بها التفاهم بين المسلمين كافة في السعودية والكويت والمغرب ومصر والعراق والشام واليمن والشام والسودان ودول الخليج العربي وغيرها ولولا بقاء العربية ببقاء القرآن الكريم
لاصبحت هذه الامة امما ذات ألسنة مختلفة ولهجات متعددة يصعب التفاهم بينها وكان الممكن ان تذوب لغتها في لغة من تسلطوا عليها وهذا لو تم لكان من اليسير اندامجها في غيرها وانسلاخها من الكيان العربي والوحدة العربية فالقرآن الكريم هو الذي أبقى هذه الشعوب أمة واحدة ذات لسان واحد عربي ثم لا ننسى من انطووا تحت لواء الاسلام من شعوب كما هو الحال في باكستان واندونيسيا وايران وتركيا والهند والصين بل في امريكا وروسيا واوروبا واصبح فيهم من يقرأ القرآن بعد أن قرأ العربية على حين ان النصارى واليهود يقرؤون التوراة والانجيل باللغات التي ترجمها اليها وعلى اية حال فاثر القرآن الكريم في اللغة العربية لا يعد له اثر يقرب منه اثر الى كتاب ديني آخر في لغته التي كتبت بها اذ انه ليست لهذه اللغة الاخرى قدسيتها التي هي للقرآن ثم ليس لها اعجازها كما هو الحال في اللغة العربية فهي لغة تحدى الله سبحانه المعاندين ان يحاكوها ويأتوا بآية او ببعض آية على نمط القرآن الكريم وقبول هذا التحدي لا يتأثر الا اذا كان اللسان العربي الذين تحداهم القرآن ولسان الذين قبلوا التحدي ....
انتهى المقال واعتذر عن الاطالة
مع وافر المحبة والتقدير
منقول للافادة