جرائم غزة بين فتاوي الحاخامات ونصوص التوراة بقلم: علاء مطر
جرائم غزة بين فتاوي الحاخامات ونصوص التوراة
بقلم: علاء مطر
ليس غريباً ما يتردد كثيراً في وسائل الإعلام حول العديد من الفتاوى الحاخامية التي تبارك القتل العشوائي للفلسطينيين، وبالتالي تبرير الإبادة الجماعية لهم. هذه الفتاوى التي وجدت طريقها العملي في الحرب الإسرائيلية القذرة على فلسطينيي قطاع غزة. فحجم وطريقة ونوع القتل الهمجي وطبيعة الإجرام الممارس خلال أيام الحرب الـ23، شاهدة على عقلية العدوان الإسرائيلية المتعطشة للدماء والقائمة على أسس ممنهجة ومبرمجة مسبقاً، وهي تأتي في سلسلة المجازر البشعة التي ارتكبت بحق آلاف المدنيين الأبرياء عبر تاريخ الهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين والعرب.
لكن ماحصل في الحرب الأخيرة على غزة فاق كل أخلاق وتصور في همجية العدوان وكأن بالفعل فتاوي الحاخامات وجدت صداها بشكلٍ أكثر فاعلية هذه المرة لدى دولة الاحتلال اللاأخلاقية، هذه الفتاوي التي تبرهن على مرجعية هذه الدولة القائمة على الموت والخراب. وفي رصد لبعض هذه الفتاوي، نذكر رسالة الحاخام " مردخاي إلياهو" المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي في إسرائيل، إلى رئيس الوزراء إيهود أولمرت وكل قادة إسرائيل، حيث أشار فيها إلى قصة المجزرة التي تعرض لها شكيم بن حمور كدليل على النصوص التوراتية التي تبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم وفقا لأخلاقيات الحرب.
ففي(الإصحاح 34 من سفر التكوين) إشارة إلى اعتداء أبناء يعقوب بن إسحق "إسرائيل" على سكان منطقة شكيم التي كانوا يسكنون فيها ويلقون كل الاحترام والمحبة منهم. فقد أحب "شكيم" بن حمور زعيم المنطقة ابنة يعقوب، وأرادها زوجة له وقد طلبها من والدها وأخوتها، لكن أولاد يعقوب غدروا بشكيم ووالده وبسكان المنطقة جميعهم، بعد أن احتالوا عليهم وتمكنّوا منهم وقتلوهم، ثم هربوا من المنطقة بعد أن نهبوا البيوت جميعهاً وسبوا النساء والأطفال.
ووفقاً لإلياهو "إن هذا المعيار نفسه يمكن تطبيقه على ما حدث في غزة حيث يتحمل جميع سكانها المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئاً من شأنه وقف إطلاق صواريخ القسام". وأكد إلياهو على ضرورة مواصلة شن الحملة العسكرية على غزة معتبرا أن" المس بالمواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعي".
في نفس الصدد نشرت صحيفة "هآرتس" فتوى لعدد من حاخامات اليهود في إسرائيل أفتوا فيها بأنه" يتوجب على اليهود تطبيق حكم التوراة الذي نزل في قوم عملاق على الفلسطينيين". ونقلت الصحيفة عن الحاخام" يسرائيل روزين" رئيس معهد تسوميت وأحد أهم مرجعيات الإفتاء اليهود، فتواه التي سبق أن أصدرها في 26 مارس من العام الماضي بأنه" يتوجب تطبيق حكم عملاق على كل من تعتمل كراهية إسرائيل في نفسه".
وأردف روزين قائلاً بأن" حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وحتى سحق البهائم".
هذا وتشير التوراة للعماليق بوصفهم شعباً معادياً لليهود، وقـد عدهم اليـهــود من أعـدائهم الأزلـيين« فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ماله، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً » (صموئيل الأول 15).
من جهته أيضاً أيد رئيس مجلس حاخامات المستوطنات في الضفة الغربية الحاخام دوف ليئور فتاوى قتل المدنيين الفلسطينيين.
هذه الفتاوي التي جاءت داعمة لقتل المدنيين وإبادتهم، كم أسلفنا ليست الأولى من نوعها بل تأتي في إطار سلسلة من الفتاوي الحاخامية الإجرامية، فعلى سبيل المثال هناك فتوى لـ"رابطة حاخامات أرض إسرائيل" في سبتمبر 2005 بعثتها ضمن رسالة إلى رئيس الوزراء حينها أرئيل شارون، حثته فيها على عدم التردد في المس بالمدنيين الفلسطينيين خلال المواجهات التي كانت مندلعة في الأراضي المحتلة ذاك الوقت. بل إن الهمجية وصلت بهؤلاء الحاخامات إلى حد إصدار الحاخام إسحاق جينزبرج، أحد مرجعيات الإفتاء اليهودية، كتاباً بعنوان "باروخ البطل" تخليداً لاسم باروخ جولدشتاين المجرم الذي قتل وجرح عشرات المصلين في مجزرة بشعة ارتكبها في الحرم الإبراهيمي عام 1994.
بالفعل هؤلاء الحاخامات من يسيرون دفة الحكم بإسرائيل وهم المرجعية الأولى لسياسات وممارسات دولة الاحتلال، بل هم من يزرعون ثقافة الحرب في عقول الشعب الإسرائيلي نفسه، الذي أيد الحرب والموت للفلسطينيين بغزة على نطاقٍ واسعٍ.
إذاً ليس مستغرباً ماجرى بغزة من قتلٍ ودمارٍ، أقل ما يقال عنه أنه لا يصدر إلا من أناس عشقوا الدماء وتربوا على القتل واحتقار الغير. فهم من حقهم العيش وغيرهم الاستعباد والذل يجب أن يكون حالهم "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأمّا النساء والأطفال والبهائم وكلّ ما في المدينة كلّ غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك"( سفر التثنية الإصحاح 20).
لكن ما ينغص على هذه الدولة اللاأخلاقية، هو صمود هذا الشعب الذي فاق كل التوقعات، فهو رغم إمكاناته المتواضعة استمر بنضاله وتضحياته من أجل نيل حريته وحقوقه المشروعة والمكفولة قانونياً. بل أنه رغم كل العذابات والإجرام الإسرائيلي المنظم لم يضعف ولم يساوم، بل ظلت قضيته العادلة ماثلة أمامه توقد كل طاقاته وتقويه على جراحه وآلامه ليعاود المضي قُدماً في طريق فلسطين.