الوطن العربي وطن الأمة الواحدة
"وطن التضامن"
في تاريخنا العربي ثنائية يحلم اليوم كل عربي بأن يكون لها زوال ربما لأننا كنا في عمق التاريخ منقسمين بين إمبراطوريتين فارس، بيزنطة ثم انقسمنا بين توجهين في الدولة العربية الإسلامية،
العروبة والإسلام وفي زمن النهضة بين التراث والمعاصرة وفي زمن الاحتلالات الأوروبية "وسايكس بيكو" بين الخصوصية والتغريب وما زالت ثنائيتنا لم تفتح لنا أي طريق بمقدار ما تسد أمامنا الطرق حتى حين قلنا بالوحدة قال البعض بالتضامن، ثم حين تمسكنا بالتضامن ولم يعد أمام الآخر أي فرصة للتهرب من الخيار الأخير صار يعطى للتضامن مفاهيم لا تتحقق فيها المصالح العليا للأمة العربية باعتبار أن التضامن يجب أن يمر من إزالة التوترات ووقف الخصومات العربية- العربية والوصول إلى شكل أعلى من التنسيق العربي، وبناءً عليه تتقارب الرؤى وتتضح السياسة الناجعة ويصبح المنهج السياسي السليم هو الخيار الذي يجمع وتستبعد حالة الذرذرة وتشتيت القوة التي لا ينتفع منها غير العدو.
نعم إن الوجود العربي الواحد له انعكساته الواحدة على الذات العربية وعلى النفس ليبقى الحلم العربي حصيناً بالإحساس المشترك وبالفكرة الجامعة وبالموقف المجسد لوحدة الوجود ومعها وحدة المصير وما يتأتى عنهما من وحدة العمل والكفاح لتصبح ثلاثية لا غنى عنها ونحن نفكر بجدلية الخروج من معضلات الصراع العربي ضد الصهيونية وكيانها العنصري من جهة ومن معضلات دخول العصر العولمي الذي لسنا قادرين على دخوله قبل تحضير القوة الحضارية ببعديها الرؤيوي والتطبيقي، أي المعرفي والتقني.
ومن غريب الأمر أن تمر علينا مراحل التاريخ بمن فيها وما كان فيها ولا نحسن استبصارها وتحصيل العبر منها وكأن الزمن العربي في الذاكرة الجمعية هو حاضر محدود فقط وليس حاضراً مستقبلياً كما يلزم.
وعلى هذا الحال تتكرر الحوادث علينا في العروبة وتتكرر المواقف الثنائية ويتكرر الافتراق ولا يصغين أحد إلى ما قاله الشاعر:
أمرتهم أمري بمفترق اللوى - فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وبهذا كنا وما زلنا لا نثمن الوقت ولا نلتقط الفرص القادمة إلينا ولا ننتفع من التجربة أو حتى من ضعف عدونا حين يمر أمامنا في حلقة ضعف.
ويمكننا أن نعطي الدليل من آخر لحظة في الزمن العربي والإقليمي والعالمي، فهي تشير إلى سقوط الكثير من المشاريع العالمية وعلى رأسها مشروع الهيمنه الأمريكية والقطب الوحيد المتحكم بالإدارة العالمية ومعه سيسقط المشروع الصهيوني المرتبط فيه والمعتمد عليه.
وإذا توقفنا أمام الوثيقة السويدية التي قدمت إلى اجتماع دول الاتحاد الأوروبي وتعلن الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية ورأينا أوباما وهو يهيب بالاتحاد الأوروبي لكي يكون له دور أكثر حيوية في الوصول إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين - على حد قوله- ثم على المسارات الأخرى وتذاكرنا في زمن قريب حين لم تكن أمريكا ومعها إسرائيل راغبتين بأن يكون للرباعية بتمامها الدور المطلوب، اليوم سنجد أن في الحالة الأمريكية ما يجب تفهمه واستثماره بكونه حالة ضعف عند العدو أولى بنا أن نستثمرها ونكسب لحظتنا العالمية لننتصر على الكيان الصهيوني بتحرير الأرض وإحقاق الحقوق التاريخية المشروعة لشعبنا العربي في فلسطين، ثم في الحالة الإقليمية سنجد أن المصالح المشتركة قد أسست إلى أشكال من التعاون الإستراتيجي والتنسيق اقتضتها دوماً مطامح الشعوب الإسلامية في التطور والحداثة والازدهار.
وقد غلب على هذا التوجه شعور لدى الجميع بأن أمريكا لا يهمها أن تتطور أية دولة من جوار إسرائيل حتى تضمن قوة وإدامة المشروع الصهيوني، وداخل هذه المراجعة تأكد لدول الإقليم المحيط بالأمة العربية ولا سيما تركيا وإيران بأن العصر هو عصر التعاون والأقلمة السياسية والاقتصادية وبهذه الأقلمة تتشكل القوة اللازمة لحماية مصالح الجميع ولبناء الدول الوطنية باستراتيجيات هويتها وآفاق مشاريعها المتعاضدة مع الجوار في مصير واحد.
فإذا كانت صورة العالم تؤول إلى تراجع أمريكا ومعها إسرائيل من حالة القوة في القرار الدولي إلى حالة التراجع، ومن غطرسة السيطرة إلى الطلب من الآخرين التشارك والمشاركة وما قام به القضاء البريطاني مؤخراً من تصدير قرار باعتقال تسيبي ليفني حينما تدخل بريطانيا، وكما قالت صحيفة هاآرتس الصهيونية: «إلى أين وصلنا إذاً، ولماذا؟ ليفني لا يمكنها أن تسافر إلى بريطانيا والمسئول عن ذلك نحن وليس العالم فالتهديد بالاعتقال أصدرته أكثر الدول تنوراً وقد فعلت ذلك بعد أن تبين لها أن إسرائيل لا تحقق مع ذاتها، أليس هذا كافياً لهز المجتمع في إسرائيل ودفعه للنظر في صورته بدل توبيخ نصف المعمورة؟»
وحين تكون عليه حالة العدو الصهيوني كما أصبحت عليه ولا يستطيع مسئول أن يزور دول العالم فهل بعد هذا ما يستدعي التفكير؟ فالحقيقة تشير إلى أن أعداءنا قد وقعوا بما أرادوه لغيرهم وها هم يتراجعون أمامنا خائبين وزيادة عليه ترتفع أصوات أوروبية -كانت في يوم من الأيام مسيطراً عليها صهيونياً- لتقول بالحقائق العربية لحل مسائل الصراع وهي الحقائق العادلة والمشروعة.