ليفني ... هل أُفلتت من العدالة؟
لم يكن منتظرا من رئيس الوزراء البريطاني (غوردون براون) تشكيل قوات (كوماندوس) خاصة يصدر الأمر لها بإحضار زعيمة حزب (كاديما) المجرمة
(تسيبي ليفني) التي اعترفت بارتكابها جرائم يندى لها جبين الإنسانية بحق أبنائنا من الشعب العربي الفلسطيني في عدوان الكيان الصهيوني على غزة البطلة أواخر العام المنصرم 2008 ،لكن لم يكن منتظرا من براون في الوقت نفسه أن يتحدى مشاعر شرائح واسعة من الشعب البريطاني عندما جاهر بدعمه لهذه المجرمة، ولا نعرف كم حشد لها من كلمات وعبارات الاعتذار خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه معها، ولم يشأ أن يكون الاتصال مخصصا للإعراب عن الأسف العميق لصدور مذكرة اعتقال بحقها من قبل القضاء البريطاني، لذلك أكد لها تصميمه على تعديل القانون في بلاده، خشية حصول ملاحقات قضائية مستقبلا ، تطارد أولئك الذين يتفننون بارتكاب جرائم حرب دون أن يتمكن القضاء من الإمساك بهم والاقتصاص منهم . يوم صدرت مذكرة اعتقال ليفني تنفس العرب شيئا من الصعداء، ولا تكمن أهمية المذكرة بمضمونها، بل تأتي أهميتها من جنسيتها، فهي صادرة عن الدولة التي كان لها اليد الطولى في إقامة هذا الكيان البغيض على أرض فلسطين العربية، وظل البريطانيون يحملون وزر تشريد أبناء الشعب العربي الفلسطيني ، ووزر كل قطرة دم فلسطيني تسيل بحراب المحتلين الصهاينة حتى يومنا هذا، وإن كانت بريطانيا لا تجلس على مقعد الصدارة بتقديم الدعم المباشر للكيان الغاصب لأن هذا الكيان كان قد اصدر منذ زمن بعيد قراره بإحالة (بريطانيا) إلى المعاش وعين بدلاً منها الولايات المتحدة الأميركية التي برهنت- والحق يقال على تفان وإخلاص منقطعي النظير في الولاء للكيان الصهيوني وتقديم الخدمات الكبيرة له، وتزويده بوسائل تشريد وإبادة الفلسطينيين!..
رأى العرب في مذكرة الاعتقال صوتا خافتا صدر عن الضمير البريطاني، وكأن هذا الضمير يريد بهذا الصوت الحي تقديم دليل مادي على أنه لم يزل على قيد الحياة، أو أن نفسا ما يجري في صدره حتى يومنا هذا ولا سيما أن العرب كانوا قد أعلنوا وفاة الضمير البريطاني منذ صدور وعد بلفور المشئوم عام 1917، وازداد يقينهم بموت هذا الضمير عندما رأوا التسهيلات اللامحدودة التي قدمتها بريطانيا للصهاينة ليتمكنوا من إنشاء ما يسمى «إسرائيل» على التراب العربي الفلسطيني عام 1948.
ورغم انقضاض السواد على الموقف البريطاني من الصراع العربي- الإسرائيلي خلال سنوات الصراع الطويلة، وإطباق هذا السواد إطباقا كليا على خناق الموقف البريطاني فقد كنا نسمع ونرى بعض النقاط البيضاء الصادرة عن ساسة ومفكرين بريطانيين لا يسرهم الانبطاح البريطاني أمام «إسرائيل» لاستجداء رضاها، ونحن نرى مثلا مواقف النائب الحر جورج غلاوي الذي كان أول الزاحفين إلى غزة في قافلة إمدادها بشريان الحياة بعد أن حاولت «إسرائيل» تقطيع أوصال وشرايين غزة في عدوانها السافر عليها.
مثل هذه المواقف التي يقدرها العرب، تدل على أن شجرة الحق في بريطانيا لم تستسلم لليباس القاتل، وهذه البراعم الفتية التي نراها فيها من حين إلى آخر تحاول شق الطريق لرفد هذه الشجرة بنسغ الحياة في مناخ يهيئ لها الكفن لأنه يريد وأدها حية لو استطاع.
وما اعتذار براون للمجرمة ليفني وما ساقه من وعود لتطييب خاطرها إلا عاصفة انحدرت من ذلك المناخ الذي يريد قتل شجرة الحق.
ولأن براون لا يمثل البريطانيين كلهم، ولأن موقفه يمثل انصياعه الأعمى للأوامر التي وردت لا نعرف بل نعرف من أين فقد قام نواب بريطانيون آخرون يمثلون أصحاب الضمائر الحية في بريطانيا في وجه براون وأطلقوا حملة في وجه مساعي حكومة بلادهم لإلغاء مذكرة الاعتقال، مؤكدين وجوب خضوع البريطاني لأسس العدالة الدولية في محاكمة مجرمي الحرب، كما طالبت منظمات غير حكومية البريطانيين بالضغط على النواب لإلزام الحكومة بملاحقة مجرمي الحرب.
وسيحفظ العرب اسم النائب (جيرمي كوربن) الذي أطلق حملة تحت عنوان (القانون وحقوق الإنسان) وشارك فيها حتى الآن 24 نائبا، أكدوا أن موقف البرلمان البريطاني يجب أن يتماشى مع أسس العدالة الدولية ومحاكمة مجرمي الحرب، سيحفظ العرب اسم هذا النائب مكبرين صحوة ضميره وجهره بكلمة الحق كما حفظوا اسم النائب جورج غلاوي من قبل.
لقد أفلتت ليفني من قبضة العدالة وأحجمت عن السفر إلى بريطانيا لأنها بدت لها سجنا كبيرا سيحاسبها على كل جريمة ارتكبتها بحق الفلسطينيين، ولئن نجحت هذه المرة بالإفلات من سيف العدالة، فإن نجاحها لن يتكرر في المرات القادمة، وسيظل سيف العدالة مشهرا مسلطا عليها وعلى ساسة وقادة الكيان الصهيوني المجرمين الطغاة الذين ارتكبوا ويرتكبون الجرائم المروعة في فلسطين وجنوب لبنان وفي الجولان وفي كل شبر عربي دنسوه باحتلالهم الزائل، وستجد ليفني نفسها في المكان الذي احتوى سلوبودان ميلوزوفيتش الطاغية الصربي، و رادفان كراجيتش زعيم صرب البوسنة الدموي الذي سيلقى الجزاء الذي يستحق عما قريب و ستلقى ليفني مصير كل طاغ اعتدى على الآمنين وأعمل آلة القتل فيهم، وهناك لن ينفعها براون ولا وزير خارجيته، ولا كل من اعتذر لها بعد صدور مذكرة الاعتقال.