[size=24]إمتازت العلاقات السورية العراقية على مدى عقود طويلة بالقطيعة المحفوفة بالكثير من العدائية رغم المرجعية الأيديولجية الواحدة التي تحكم في كلا البلدين. إلا أن طبيعة النظم العربية القائمة والتي تنبثق سياساتها بشكل رئيسي من شخصية القائد/الرئيس، هي التي تلعب الدور الأساسي في تحديد طبيعة العلاقات بغض النظر عن المصالح المشتركة للبلدين.
بمعنى آخر علاقات الدول العربية ببعضها البعض علاقات شخصية بامتياز.
وهذا حاصل بين سورية والعراق فكلا الرئيسين السابقين بينهما خصومة شخصية متعلقة بالصراع الخفي على لقب الزعامة في المنطقة. وكانت سورية ملجأً لكل المعارضة العراقية والعراق ملجأ مماثل للمعارضة السورية والملاحقين أمنياً.
المهم في الأمر أن سورية رغم وقوفها وحيدة كداعم لإيران في الحرب العراقية الإيرانية ورغم أنها كانت تأوي المعارضة العراقية والتي استلمت السلطة اليوم من على ظهر الدبابات الأمريكية، إلا أنها لم تكن تسهل أي عمل عدائي من شأنه الإضرار بالعراق أو أي محاولة للإطاحة بالنظام العراقي على عكس صدام حسين الذي أتحف شوارع دمشق وأهلها بالكثير من المتفجرات التي راح ضحيتها أبرياء كثر في سورية.
باختصار ودون استعراض تاريخ العلاقات المأزوم بين البلدين والمعروف للجميع أستطيع القول أن سورية منذ أواخر التسعينات تمد يد العون للعراق لفتح صفحة جديدة من العلاقات، لكن وقوع الإحتلال وموقف سورية الرافض له والداعم للمقاومة العراقية التي استطاعت كسر الجموح الأمريكي ومخططاته في إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في المنطقة جعلها المتهم الأول دائما في كل عمليات التفجيرات التي تحدث على الأراضي العراقية وهي اتهامات معروفة دوافعها السياسية ومبرراتها في تلك الفترة.
بنظرة خاطفة على المشهد العراقي إبان بدء الإحتلال الأمريكي نقرأ الأمور التالية:
1- المستفيد الأول من سقوط العراق إيران، فالعراق دولة قوية وهي تقف حجر عثرة أمام توسع السيطرة الإيرانية في المنطقة مع الأخذ بعين الإعتبار تاريخ الحرب الدامية بين الدولتين.
2- الخاسر الأول من سقوط العراق سورية وعموم دول الخليج العربي رغم أن دول الخليج سهلت بل وبعضها ألح في طلب الغزو لإزالة النظام العراقي (مرة أخرى العلاقات العربية علاقات شخصية وليست علاقات دول تراعي مصالح بعضها البعض)
3- أمريكا أصبحت جارة سورية وصرحت بأن إحتلال سورية معدوم الكلفة الآن.
4- سورية الدولة الوحيدة التي وقفت بحزم أمام الإحتلال الامريكي للعراق.
5- سورية فتحت أبوابها للاجئين العراقين وأعطتهم إمتيازات لا تختلف عن امتيازات المواطن السوري بطريقة أضرت بالأوضاع المعيشية للشعب السوري.
بناء على النقاط السابقة قامت سورية بدعم المقاومة العراقية وسهلت عبور المجاهدين لمقاتلة الأمريكان ونجحت بذلك نجاحا كبيرا في إزالة التهديد المذكور في النقطة الثالثة.
وبالمثل فعلت إيران حيث دعمت وسهلت عمل كل الجهات التي دخلت لقتال الجيش الأمريكي طالما أن امريكا حققت هدفها في إزالة النظام العراقي ومكنت أزلامها من إستلام السلطة، فعملت على جعل الأمريكان يغرقون في المستنقع العراقي لكي لا يفكروا بغزو إيران مجرد تفكير.
الساحة العراقية أصبحت ملعبا خصبا لجهات عديدة وتداخل مفهوم المقاومة بالإرهاب بطريقة حجبت الرؤية لمعرفة من هم المقاومون ومن هم الإرهابيون الذين يستهدفون المدنيين. لكن الثابت والأكيد أن أمريكا وإسرائيل وإيران لهم ضلع كبير في دعم التفجيرات التي طالت المدنيين ولزيادة الإحتقان الطائفي كخطوة أولى لتقسيم العراق كون هذه الدول لها مصلحة كبيرة في عراق مقسم وضعيف.
بينما سورية لا صالح لها في هذا الأمر مطلقا، لأن مصلحة سورية تكمن بوجود عراق قوي وموحد بالإضافة أن الفتنة الطائفية لا تخدم سورية أبدا. ومع ذلك كل الإتهامات كانت توجه لسورية وحدها سواء من أمريكا أو من الحكومة العراقية (الأمريكية/الإيرانية). بينما لا أحد يوجه أي اتهام لإيران نظرا لوجود تطابق في المصالح وأيضا الحكومة العراقية بأحزابها ربيبة وتابع لإيران.
سورية لأسباب متعددة بدأت بضبط حدودها مع العراق ومع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة وانفتاحها للحوار لاحت بوادر انفراج العلاقة السورية العراقية وكللت بزيارة المالكي الأخيرة لدمشق التي ما كانت لتتم لولا الضوء الاخضر الأمريكي. ومن المعروف أن سورية تؤكد دوما حرصها على وحدة العراق وضرورة إشراك كل التيارات العراقية في العملية السياسية ومنهم حزب البعث.
هذه المطالب بالتأكيد لا تنال رضى إيران البتة، صحيح أن هناك حلفا استراتيجيا بين البلدين وتطابق بوجهات النظر والسياسات في أماكن متعددة لكن العراق استثناء. فالمصالح السورية على نقيض المصالح الإيرانية في هذا البلد. تحسن العلاقات السورية العراقية والأمريكية بالضرورة، حكما سيكون على حساب المصالح الإيرانية بالإضافة أن إيران لا تريد للعراق علاقات ثابتة ومستقرة مع الدول العربية ليبقى يدور في فلك سيطرتها. إضافة إلى أن التقارب العراقي السوري التركي لا يريح إيران على ما أعتقد.
كتساؤل بسيط أين هي مصلحة سورية في التفجيرات الأخيرة، خصوصا بعد الزيارة الجيدة للمالكي، ومن هو المستفيد من عودة التوتر بين البلدين ؟
سؤال برسم الإجابة، وهي التي تحدد من المسؤول عن حدوث التفجيرات الأخيرة.
شخصيا أعتقد أن إيران هي المسؤولة عن ذلك لمجمل القراءة السابقة. بالإضافة وفقا لما قرأت هنا وهناك أن بعض المسؤولين من الدرجة الثانية حملوا إيران مسؤولية التفجيرات وتمت إقالتهم فورا، لتبدأ بعدها الإتهامات والمطالب التي فاقت حدود المعقول من جهة وجددت تعزيز الإنطباع بأن الحكومة العراقية حكومة متخبطة وممسوخة وحجر نرد بيد المحتلين (الأمريكي والإيراني) من جهة أخرى, وربما يكون التصعيد بالإتهامات وطلب تشكيل محكمة دولية لإدانة سورية بتوجيه أمريكي لممارسة المزيد من الضغوط على سورية.
أيا كان المسؤول، سورية بريئة من هذه التفجيرات ولا أمنع نفسي من القول أنني شعرت بالقرف والغضب من اتهاماتهم ومطالبهم التي تنادي بضرورة محاكمة سورية دوليا، ومليون ونصف المليون عراقي فيها وأركان الحكم الحاليين كانوا أيضا لاجئين في سورية !![/size]
منقول
الاخ :سياب