الى حبيبتي الغالية بغداد…
نزار القباني
بغداد
مُدّي بساطيَ واملأي أكوابي
وانسي العِتابَ فقد نسَيتُ عتابي
عيناكِ، يا بغدادُ ، منذُ طفولَتي
شَمسانِ نائمَتانِ في أهدابي
لا تُنكري وجهي ، فأنتَ حَبيبَتي
وورودُ مائدَتي وكأسُ شرابي
بغدادُ.. جئتُكِ كالسّفينةِ مُتعَباً
أخفي جِراحاتي وراءَ ثيابي
ورميتُ رأسي فوقَ صدرِ أميرَتي
وتلاقتِ الشّفَتانُ بعدَ غيابِ
أنا ذلكَ البَحّارُ يُنفِقُ عمرَهُ
في البحثِ عن حبٍّ وعن أحبابِ
بغدادُ .. طِرتُ على حريرِ عباءةٍ
وعلى ضفائرِ زينبٍ وربابِ
وهبطتُ كالعصفورِ يقصِدُ عشَّهُ
والفجرُ عرسُ مآذنٍ وقِبابِ
حتّى رأيتُكِ قطعةً مِن جَوهَرٍ
ترتاحُ بينَ النخلِ والأعنابِ
حيثُ التفتُّ أرى ملامحَ موطني
وأشمُّ في هذا التّرابِ ترابي
لم أغتربْ أبداً … فكلُّ سَحابةٍ
بيضاءُ ، فيها كبرياءُ سَحابي
إن النّجومَ السّاكناتِ هضابَكمْ
ذاتُ النجومِ السّاكناتِ هِضابي
بغدادُ.. عشتُ الحُسنَ في ألوانِهِ
لكنَّ حُسنَكِ لم يكنْ بحسابي
ماذا سأكتبُ عنكِ يا فيروزَتي
فهواكِ لا يكفيه ألفُ كتابِ
يغتالُني شِعري، فكلُّ قصيدةٍ
تمتصُّني ، تمتصُّ زيتَ شَبابي
الخنجرُ الذهبيُّ يشربُ مِن دَمي
وينامُ في لَحمي وفي أعصابي
بغدادُ.. يا هزجَ الخلاخلِ والحلى
يا مخزنَ الأضواءِ والأطيابِ
لا تظلمي وترَ الرّبابةِ في يدي
فالشّوقُ أكبرُ من يدي ورَبابي
قبلَ اللقاءِ الحلوِ كُنتِ حبيبَتي
وحبيبَتي تَبقينَ بعدَ ذهابي[b][center]