الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: إبتزاز إسرائيلي لتركيا اردوغان السبت مارس 06, 2010 10:51 pm | |
| إبتزاز إسرائيلي لتركيا اردوغان عبد الباري عطوان لا نستبعد ان يكون اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة الامريكية قد لعب دورا قويا في تصويت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الامريكي لصالح قرار يتهم تركيا بارتكاب 'ابادة جماعية' ضد الأرمن في عام 1915، وذلك بتحريض اللوبي الارمني للاقدام على هذه الخطوة، وتقديم دعم قوي له من خلف ستار. فمن الواضح ان العلاقات التركية ـ الاسرائيلية في تدهور متصاعد منذ ان وقف السيد رجب طيب اردوغان وقفته المشرّفة في مواجهة العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة، ومطالبته الدؤوبة بانهاء الحصار الظالم على قطاع غزة، ووقف عمليات التطهير العرقي والثقافي التي يتعرض لها الفلسطينيون ومقدساتهم في الاراضي الفلسطينية المحتلة. اللوبي الاسرائيلي يتمتع بنفوذ قوي في الكونغرس، وكان دائما يقف الى جانب تركيا في مواجهة نظيره الارمني، ولكن بعد حدوث تغيير في مواقف تركيا تجاه القضية الفلسطينية بدأ هذا اللوبي يغير تحالفاته ويتبنى سياسات ومواقف معادية لتركيا. قرار لجنة الكونغرس الذي فاز بصوت واحد فقط (23 صوتا مقابل 22) جاء بمثابة خطوة تخريبية لجهود المصالحة الضخمة المبذولة من قبل تركيا مع جارتها ارمينيا، ولتمكين البلدين من تطبيع العلاقات وتوقيع العديد من اتفاقات التعاون الاقتصادي. لاسرائيل مصلحة كبرى في حصار تركيا، واقامة علاقات وثيقة مع جيرانها المختلفين معها دينيا وتاريخيا، وهذا ما يفسر فتح جرح الخلاف الارمني ـ التركي بعد ان قطع شوطا مهما على طريق الالتئام، وزيارة افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي المتطرف لكل من اليونان وقبرص اليونانية في الشهر الماضي هي محاولة اخرى لتأجيج صراع قديم متجدد بين البلدين وتركيا. اللوبي الاسرائيلي في واشنطن لطالما 'ابتزّ' تركيا على مدى السنوات الماضية، من خلال الايحاء بأنه يدعم موقفها فيما يتعلق بمسألة مجازر الارمن، من خلال منع اللوبي الارمني القوي من اختراق الكونغرس واستصدار قرار بادانة تركيا بارتكاب 'حرب ابادة'، ويبدو انه اراد الآن ان يوجه رسالة اسرائيلية الى انقرة، من خلال دعمه الخفي، او تخليه عن التصدي للوبي الارمني في حال اثارته لمثل هذه المسألة. ' ' ' ومن المؤكد ان هذه الخطوة، اي التصويت في الكونغرس، تريد احراج الرئيس الامريكي باراك اوباما وادارته، وتوتير علاقاتها مع تركيا في اطار الضغط الاسرائيلي على الاثنتين معا، فالرئيس اوباما عارض التصويت على هذه المسألة، وتخلى عن وعده للوبي الارمني بادانة تركيا بارتكاب جرائم ابادة في حال وصوله الى البيت الابيض، بل وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما اختار انقرة كمحطته الاولى في العالم الاسلامي، واشاد خلال زيارته لها بنموذجها الديمقراطي الذي يؤكد انه لا تناقض بين الديمقراطية والاسلام. الاسرائيليون يسيطرون تماما على الكونغرس من خلال جماعة الضغط التابعة لهم، ولا نبالغ اذا قلنا ان سيطرتهم على الكونغرس اقوى من سيطرتهم على الكنيست، لانهم نجحوا في شراء معظم النواب الامريكيين الذين باتوا يصوتون لصالح القرارات التي يتقدمون بها، او يقفون خلفها، دون اي تردد، وشاهدنا كيف حظي تقرير غولدستون حول جرائم الحرب في غزة على تأييد اكثر من 400 نائب مقابل معارضة ثلاثين فقط، اي اقل من واحد في المئة من عدد النواب. السيد اردوغان بات يشكل شوكة في حلق اسرائيل، ففي الوقت الذي نجحت فيه بترويض الغالبية الساحقة من الزعماء العرب، سواء تحت ذريعة العداء المشترك لايران والقلق المتبادل من برامجها النووية، او من خلال توظيف الحليف الامريكي في هذا الاطار، خرج السيد اردوغان من تحت العباءة الاسرائيلية واصبح المدافع الاول عن الحقوق الفلسطينية والمتصدي للجرائم الاسرائيلية في قطاع غزة، ونصير الضعفاء من ابنائه الذين طحنت اجسادهم الدبابات والطائرات الاسرائيلية بصواريخها، وقذائفها وفسفورها الأبيض. المؤامرات على اردوغان وحزبه لن تتوقف، فبعد افتضاح مؤامرة الانقلاب التي خطط لها بعض جنرالات العسكر، ها هي مؤامرة اخرى في الكونغرس لتشويه صورة تركيا وخلق فتنة بينها وبين العالم المسيحي، وتأجيج الخلافات المنسية مع جيرانها في الشمال والجنوب. ' ' ' لا نعتقد ان السيد اردوغان سيخضع لأساليب الابتزاز الاسرائيلية هذه، لانه يمثل امبراطورية اسلامية عظمى اولاً، ولانه يستمد قوته من تجربة ديمقراطية راسخة أوصلته الى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وانجازات اقتصادية غير مسبوقة وضعت تركيا في المرتبة السابعة عشرة على قائمة الدول العشرين الاقوى اقتصادياً على مستوى العالم بأسره. لا نعتقد ان السيد اردوغان سيقف موقف المتفرج امام هذه الحملات، فقد اجبر اسرائيل على الاعتذار رسمياً له، وفي غضون ساعات محدودة، عندما هددها بعواقب وخيمة اذا لم تقدم هذا الاعتذار مساء اليوم نفسه الذي اهانت فيه السفير التركي في تل ابيب، عندما استدعته للاحتجاج على تصريحات رئيسه المطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة واتهامه لاسرائيل بممارسة ابشع انواع الابادة ضد الشعب الفلسطيني الاعزل بتجويعه حتى الموت. كما انه لم يتورع مطلقاً عن التصدي لشمعون بيريس رئيس اسرائيل عندما مارس كعادته الكذب والتضليل حول عدوان غزة بإلقاء اللوم على الفلسطينيين، ومغادرته القاعة مرفوع الرأس احتجاجاً. نتمنى ان لا يكتفي السيد اردوغان بسحب سفير بلاده من واشنطن احتجاجاً على القرار المذكور، وان يرد بتذكير العالم بأسره بجرائم الابادة الجماعية التي ارتكبها المستوطنون الامريكان البيض في حق الهنود الحمر اهل البلاد الاصليين، او ان يتحدث عن المجزرتين الكبريين اللتين ارتكبتهما امريكا الديمقراطية زعيمة العالم الحر عندما قصفت مدينتي هيروشيما ونغازاكي بالقنابل الذرية وبعد انتهاء الحرب تقريباً لمصلحة الحلفاء. واذا كان المثلان السابقان يعتبران من التاريخ البعيد، فلا بأس من الاشارة الى ابادة الامريكان لمليوني عراقي نصفهم تحت حصار ظالم ونصفهم الآخر بسبب الغزو والاحتلال، ناهيك عن ملايين الارامل والايتام والمهجرين، والقائمة تطول. ' ' ' جميع جرائم الابادة والتطهير العرقي مدانة بالمطلق، اياً كان ضحاياها، واياً كانت ديانة او هوية مرتكبيها، لكن ما نختلف عليه هو الطريقة الانتقائية في التعاطي معها، وطرق استخدامها كأوراق ضغط وابتزاز، خاصة من العالم الغربي والحليف الاسرائيلي. فالامريكان والاسرائيليون هم آخر من يحق لهم القاء محاضرات علينا وعلى العالم حول جرائم الابادة الجماعية، فبيوتهم من زجاج هش، ان لم تكن بدون زجاج على الاطلاق. حملات التحريض على تركيا ستستمر في الأشهر ولا نشك في ذلك مطلقاً، ولكن ما يطمئننا انها قد تعطي نتائج عكسية تماماً، لانها ستوحد الشعب التركي في معظمه خلف الحكومة الحالية، وستكشف مدى العقوق ونكران الجميل اللذين تواجه بهما بلاده من قبل الحلفاء خاصة عندما يتعلق الامر باسرائيل، فرغم الخدمات الجليلة التي قدمتها تركيا على مدى ستين عاماً كعضو في حلف الناتو، ووقوفها في الخندق الامريكي في مواجهة الكتلة الاشتراكية، والمشاركة في معظم الحروب، ان لم يكن كلها، ها هي هذه الخدمات توضع جانباً فور اتخاذ تركيا موقفاً اخلاقياً يحتم عليها كدولة مسلمة ان تنتصر للضعفاء من ابناء عقيدتها، وترفض عمليات تهويد المقدسات الاسلامية في القدس المحتلة ومدينة الخليل وغيرهما. الشعب التركي لا يمكن ان ينسى كيف خذله الاوروبيون ورفضوا انضمام بلاده الى الاتحاد الاوروبي رغم تجاوبه مع كل الشروط المطلوبة للعضوية، وبعضها يتناقض مع دينه الاسلامي وشريعته، بينما فتحت الابواب على مصراعيها امام الاعضاء السابقين في حلف وارسو، ولا بد انه سيجد من الصعب عليه هضم هذه المواقف الامريكية المدعومة اسرائيلياً ضده. اردوغان حفيد العثمانيين تحوّل الى رمز للرجولة والعدالة في بلاده والعالم الاسلامي بأسره، ولا نستغرب اذا ما غيّر تاريخ المنطقة، مثلما غيّر تاريخ تركيا، وخلّصها من سيطرة العسكر، وفضح العنصرية الاوروبية، وانهى تحالف بلاده المعيب مع دولة تهوّد المقدسات، وتقوّض المسجد الاقصى لاقامه هيكل سليمان المزعوم مكانه. | |
|