[size=25]القصور العربي أضاع فلسطين، ويجري الآن إهمال الصومال، وتناسي العراق، ونزاعات داخل السودان ولبنان، وخلافات حادة بين المغرب والجزائر، ولا نفهم كيف سيحل العرب الممتدة أراضيهم من المحيط إلى الخليج، وبتعداد سكاني يصل إلى ثلاثمائة مليون إنسان يعاني الكثير منهم الفقر والأمية، واستحالة تأمين السكن والمستشفى وحتى الكهرباء حلم أبناء القرية، وأصحاب العشش التي تطوق المدن.. كيف سيحلون تعقيداتهم؟
قلتُ سابقاً إن أغنى ثلاثة بلدان في الثروات الطبيعية هي السودان والعراق والجزائر، وتلحقها الصومال، هي التي تعيش خارج مدارات التنمية المرتكزة على الخطط الطويلة، لافتقادها أسباب الإدارة السياسية الحكيمة..
أبناء قحطان وعدنان تذكّروا أن قاعدة حضارتهم وبلد الرشيد يعاني آلام مخاض قد يلد البلد ثلاث دول قد تسيطر إيران على جنوبه وتركيا على شماله، ويبقى الوسط مجرد ذكرى لبلد يشبه الضفة الغربية في فلسطين يسمى العراق، وصحيح أن هناك مِن بين مواطني هذا البلد المنكوب منَ صرح بأنه ليس عربياً، وأن العرب طارئون على أرضه، أو غزاة، وهذا ما تكرر على لسان بعض المفكرين في بلدان عربية أخرى والمطالبة بالانتقال من الأبجدية العربية إلى اللغات المنقرضة لإعادتها كما جرى في إسرائيل عندما استعادت العبرية، ولو قلنا إنه طبيعة الصراع أو اليأس في حالات كثيرة من واقع الغبن السياسي والتخلف الثقافي، فحالة العراق لا تحتاج فقط إلى إرسال السفراء، أو دعوة أعضاء حكومته، وإنما التخاطب المباشر مع مكوّناته الاجتماعية ودعمها معنوياً وسياسياً ومادياً بدون تفريق بين القوميات والمذاهب والمعتقدات، هذا إذا كنا بالفعل نريد أن نعمل ببعض الواجب، لا أن نرى أهم بلد عربي يغرق في همومه، وتتنازعه قوى إقليمية ودولية ونحن مجرد متفرجين على مأساته..
لقد خاض العراق حروباً مجنونة، وتحمّل عذاب حكوماته عشرات السنين، وخرج من كونه أكبر أرض منتجة للغلال والنفط، وبيئة علم وثقافة وتواصل مع العالم الخارجي إلى مجرد أرض تنتج الصراعات والحروب رغم تجربة التعايش آلاف السنين، ثم ليبقى، حاضراً دولة مساندة للدولة الغازية، أو فئات تأتمر ببلدان خارجية..
عروبة العراق، حتى عند المشككين بها لا تنتصر بالعرقية والقبلية وإنما بالمؤثر الديني والحضاري، وهما عماد بلدان عربية أخرى لم تكن في الماضي تنتمي إلى هذه الأرومة، وحتى لو حاولنا استيراد التاريخ، فقد تحولت بلدان مثل أمريكا وأستراليا، ونيوزيلندا إلى ملاحق للثقافة الغربية، وحتى الهند ضاعت لغاتها مع اللغة الإنجليزية الغازية، ومع ذلك لم يمنع هذا التحول أن تتعايش وتبني أقطاراً بلا حس يتناغم مع التاريخ وينسى الواقع، والعروبة هوية وليست عنصرية حتى لو حاول الشعوبيون في الماضي والحاضر صبغها بهذه الصفة، وإلا كيف بنت امبراطوريتها وحافظت على أهم عناصرها فقه اللغة والدين؟ العراق يحتاجنا مثل ما نحتاجه، ولا يمكن أن تضيع الجغرافيا في ذمة الصراعات المولدة، وبالتالي إذا كان العرب جادين في استعادته، فأقل الواجبات تلبية احتياجاته ورغباته..
جريدة الرياض[/size]