[size=24]الثقافة الأمازيغية شفهية
الفنون الأمازيغية
الأمازيغية وإشكالتها
الوضع الحالي
لا يشكل الأمازيغ(1) وحدة ترابية متواصلة جغرافيا، إذ يتوزعون على عدة دول في المغرب ومنطقة الساحل الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى، وقد ظلوا منذ القدم في تواصل مستمر مع عدة ثقافات أخرى.
ولو أخذنا مثلا لذلك المغرب العربي حيث يتركز الجزء الأكبر منهم، فإن التزاوج بين السكان الأصليين والوافدين العرب بلغ من العمق درجة تجعل التمييز بين ما هو "ثقافة أصيلة" وما هو ناتج عن التأثير العربي أمرا عسيرا.
وحسب أطروحة شائعة فإن تجليات الثقافة الشمال أفريقية الأصيلة تختلف حدة باختلاف درجة التواصل البشري والاقتصادي مع السكان الناطقين باللغة العربية.
ومن هذا المنطلق يذهب بعض الباحثين إلى اعتبار الثقافة التارقية (الطوارق، أقصى جنوب الجزائر وليبيا وشمال مالي والنيجر) مثالا على "ثقافة أمازيغية نموذجية" أفلتت من فلك الانصهار مع الثقافة العربية.
وقد دفع الشبه بين عادات البدو الأمازيغ والبدو العرب بالكثير من المؤرخين القدامى إلى الجزم خطأ بأن جزءا من الأمازيغ ذوو أصول عربية يمنية.
كما أن مثال بني مزاب (وسط الصحراء الجزائرية) وجزيرة جربة (تونس) يطعن هو الآخر في صحة هذه النظرية، فالاحتكاك مع السكان الناطقين باللغة العربية (خاصة من خلال الإقامة الدائمة في مدن ناطقة بالعربية) لا يمنع من كون بني مزاب وسكان جربة مجموعتين منغلقتين على نفسهما نسبيا من الناحية
الثقافية. والحقيقة هي أن العامل
الديني (الانتماء إلى المذهب الخارجي
الإباضي) هو التفسير الوحيد لهدا الانغلاق النسبي(2).
الثقافة الأمازيغية شفهية أساسا
كل هذه التحفظات على فكرة وجود ثقافة أمازيغية موحدة لا تتعارض مع فكرة وجود قواسم ثقافية مشتركة بين المجموعات البشرية الناطقة بالأمازيغية. صحيح أن بعض هذه القواسم موجود حتى في الثقافة العربية المغاربية لكن منشأها الأمازيغي أمر لم يعد يقبل الجدل.
وتتجلى الجذور الأمازيغية للثقافة العربية الشمال أفريقية في ميادين عدة كالموسيقى والرقص والحكايات الشعبية وفن الزخرفة والصناعات الحرفية. كما تتجلى طبعا في اللهجات العربية المغاربية. إذ يقول عالم اللسانيات الجزائري فضيل شريقان "إذا كانت عربية شمال أفريقيا قد استعارت جزءا كبيرا من مفرداتها من العربية الفصحى, فإن بنيتها النحوية والصوتية تعود بأصولها إلى تمازيغت"(3).
وبحكم كون الثقافة الأمازيغية ظلت لقرون طويلة ثقافة شفهية في المقام الأول(4) فإن الحكايات والأمثال والحكم الشعبية هي التي تمثلها اليوم أبلغ تمثيل على المستوى اللغوي. وما زال الشغل الشاغل للباحثين في ميدان اللغة الأمازيغية هو كتابة هذا الإرث الشفهي ونشره في الكتب والمجلات المختصة (مجلة "أوال" الجزائرية مثلا) وكذا مواقع الإنترنت(5).
أما على مستوى العادات والتقاليد الثقافية فتتجلى هذه الثقافة في فن طبخ تقليدي وطقوس اجتماعية عديدة (حفلات الزفاف.. إلخ) وأعياد زراعية(6) يحتفل بها إلى يومنا هذا وأشهرها عيد "يناير" (12 يناير/ كانون الأول) أو رأس السنة الأمازيغي المشترك بين كل الناطقين بالأمازيغية.
وقد حافظ العديد من الضروب الشعرية الأمازيغية على وجوده حتى يومنا هذا، ومن بينها النوع الغزلي المسمى "إيزلي"(7) و"الأهليل" وهو قصيدة دينية ابتهالية معروفة في مناطق كثيرة ناطقة باللغة الأمازيغية (الجزائر، جنوب المغرب.. إلخ). كما يعرف الشعر الأمازيغي أنواعا أخرى كالقصائد الملحمية والسياسية والفلسفية.
ومن الواضح تغلب الصبغة الشفهية على الشعر الأمازيغي، لذا فهو أساسا شعر إنشادي أو غنائي، وكما يؤكد ذلك الباحث الجزائري يوسف نسيب فإن هذه النتاجات الشعرية الأمازيغية قلما تكون فردية بل هي في الغالب "ظاهرة لا يمكن فصلها عن الثقافة الجماعية ويجب أن تدرس في إطار صلتها بحياة الجماعة"(
.
الرقص والموسيقى وفن الزخرفة
تمثل الرقصات الأمازيغية القديمة تشكيلة بالغة الغنى، ومن بين هذه الرقصات المعروفة في المغرب "تيسيت" التي يؤديها راقصان أو ثلاثة، و"أحويش" وهي رقصة جماعية(9).. إلخ. أما بالجزائر فإن رقصة "الترحاب" ما زالت تمارس في الاحتفالات العائلية أو القروية في الأوراس والمناطق المحاذية له، مثلها مثل الرقصة التقليدية النسائية القبائلية.
كما أن من العناصر التي تكون الهوية الأمازيغية حاليا موسيقى ذات أصول قديمة تمتزج فيها تأثيرات متنوعة (عربية ومتوسطية وزنجية). وقد نالت هذه الموسيقى شهرة عالمية بفضل الجرأة الخلاقة لمغن مثل إيدير، ولوجود جاليات أمازيغية معتبرة في أوروبا وأميركا.
وتتطور هذه الموسيقى وتتعصرن جنبا إلى جنب مع "أغنية ملتزمة" يمثلها في الجزائر مغنون مثل معطوب الوناس وفرحات مهني وفرق موسيقية أسماؤها في حد ذاتها تلمح إلى تعلقها بالدفاع عن ثقافتها "المهددة بالزوال" (فرقة إيمازيغن وفرقة "إيزوران" – الجذور- مثلا), وقد تطورت هذه الأغنية الملتزمة أساسا مع ظهور الحركة المطالبة باسترداد الهوية الأمازيغية في سنوات السبعينيات والثمانينيات.
كما احتفظت الثقافة الأمازيغية بفن زخرفي موغل في القدم, و"يتجلى هذا الفن الزخرفي العريق في نسيج الزرابي وصناعة الخزف حيث يتخذ شكل رسوم هندسية تستعمل في أغلب الأحيان حروف أبجدية التيفيناغ"(10). كما أن الصناعات الحرفية من ذهب وفضة وغيرهما عنصر آخر لا يمكن تجاهله من عناصر هذه الثقافة بل وهي إحدى الوسائط التي بدأت تعرف بها على المستوى العالمي.
الأمازيغية وإشكالاتها"
الأمازيغية لغة تواصل يومي رغم قرون طويلة هيمنت عليها فيها اللغتان العربية والفرنسية
"
غير أن أبلغ تجليات الهوية الأمازيغية حاليا من غير منازع هو استمرار استعمال اللغة الأمازيغية في الوجود والنماء. إن محافظة هذه اللغة(11) على نفسها من الاندثار دون أدب مكتوب أو تدوين معجمي أو نحوي لأمر أشبه ما يكون بالمعجزة. وكما يقول باحث مغربي "لولا استمرار هذه اللغة في الوجود لاستطاع أعداء الأمازيغية بأسهل ما يمكن أن يحولوا هذه الثقافة إلى مجرد منظومة فولكلورية"(12).
وتبذل النخب الأمازيغية وجمعياتها الثقافية في المغرب والجزائر وفرنسا جهدا كبيرا كي تجنب هذه الثقافة البقاء في سجنها الفولكلوري أو الشفهي.
ويعتبر هذا العمل العلمي الهادف إلى تخليص الأمازيغية من ربقة تاريخها الشفهي تتمة لمشاريع قديمة أنجزها في القرنين الـ19 والـ20 بالجزائر العديد من علماء اللسانيات كالفرنسيين أندريه وباسي وكوهين.
كما أن كل هذه الجهود العلمية تستفيد أكثر من أي وقت مضى من الاهتمام البالغ الذي توليه الجامعات للثقافة الأمازيغية وذلك منذ مطلع الثمانينيات.
آثار الأمازيغية في العربية المغاربية
إن أسماء الأعلام التي يدرسها علم الأونوماستيكس (onomastics) أحد الشواهد الصارخة على ديمومة الأمازيغية حتى في المناطق التي لم تعد تستعملها منذ عهد بعيد.
فرغم وجود اللغتين العربية والفرنسية القوي في بلدان المغرب والساحل الأفريقي ما زالت قرى بلاد القبائل تدعى بأسمائها القديمة مثلها مثل القرى المغربية أو التارقية.
كما أن الكثير من مدن المغرب العربي ما زالت تحمل أسماءها الأمازيغية الأولى حتى وإن عربت هذه الأسماء أو فرنست. "إن أسماء الأماكن دليل بليغ على تشبث الأمازيغية بالأرض, فأسماء المدن والقرى والوديان والجبال والفجاج.. إلخ، في معظمها أسماء أمازيغية (...) أما أسماء الأماكن العربية فهي غالبا نتيجة ترجمة حرفية لأسماء أمازيغية أو نتيجة قرارات إدارية"(13).
ويعد بعث الأسماء الأمازيغية البائدة أحد المعارك الرمزية التي خاضتها الحركة الثقافية البربرية في الجزائر ضد الحظر الذي كان مفروضا عليها. وتلاحظ في المغرب نفس ظاهرة بعث الأسماء الأمازيغية القديمة وصار ركن "أسماء الأعلام" ركنا ثابتا في مواقع الإنترنت التي أنشأتها هذه النخب.
كما بقيت الأمازيغية لغة تواصل يومي رغم قرون طويلة هيمنت عليها فيها اللغتان العربية والفرنسية. وقد أعارت الأمازيغية للعربية جزءا ليس بالهين من مفرداتها.
إن المنشأ البربري للهجات العربية الشمال أفريقية هو التفسير العلمي الوحيد لما يسمى "اللكنة المغاربية" و"لن يكون من المجازفة الجزم بأن أغلب اللهجات في المغرب يتضمن بين 20% و25% من الألفاظ البربرية المحرفة زيادة أو نقصانا"(14).
وبالمقابل يقدر الباحث الجزائري سالم شاكر في كتابه "نصوص في اللسانيات البربرية" نسبة الكلمات العربية في اللهجات الأمازيغية كما يلي:
38% بالنسبة للقبائلية في الجزائر.
25% بالنسبة للشلحية في المغرب.
5% بالنسبة للتارقية.
"
لا تتعدى الأمازيغية بتونس وليبيا كونها أداة تواصل يومي آيلة للزوال ما لم يسارع في إنقاذها
"
أمازيغية أم أمازيغيات؟
تفسر الاختلافات بين مختلف اللهجات الأمازيغية بضعف التبادلات اللغوية بين المجموعات الناطقة بها والتي تفصلها بعضها عن بعض مناطق شاسعة تتحدث العربية.
كما تفسر كذلك بانعدام هيئة علمية مركزية تسعى إلى توحيد هذه اللهجات. ويرى بعض علماء اللسانيات أن صعوبة التفاهم بل واستحالته أحيانا بين شخصين ينتميان إلى مجموعتين أمازيغيتين مختلفتين مبرر كاف للحديث عن "أمازيغيات" عديدة.
ولا تحظى هذه الأطروحة بإجماع الباحثين، فالباحث سالم شاكر يدافع عن أطروحة وحدة اللغة الأمازيغية التي نافح عنها قبله العالم الفرنسي أندريه باسي في مؤلفه "اللغة البربرية" الصادر عام 1929. ويؤكد سالم شاكر أن 60% من
الألفاظ الشائعة الاستعمال قاسم مشترك بين مختلف
اللهجات الأمازيغية, مضيفا أن هذه اللهجات تشترك بالإضافة إلى ذلك في "نواة صلبة صوتية وتركيبية (syntax)".
الوضع الحالي لتمازيغت
إن مسألة الاعتراف بالأمازيغية وتدريسها لم تثر بعد على المستوى السياسي في ليبيا وتونس حيث لا تتعدى هذه اللغة في هذين البلدين كونها أداة تواصل يومي آيلة للزوال.
أما في المغرب فإن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أواخر عام 2002 يفتح الأفق واسعا للاعتراف بالأمازيغية لغة وطنية ثانية.
وتعترف كل من مالي والنيجر بالتارقية "لغة وطنية" حيث تدرس وتستعمل في وسائل الإعلام. وأصبحت الأمازيغية منذ مايو/ أيار 2002 "لغة وطنية" بموجب الدستور الجزائري الذي يعرف العربية كـ"لغة وطنية ورسمية".
فالأمازيغية اليوم في الجزائر إحدى اللغات الثلاث المستعملة في وسائل الإعلام, وقد شرع في تدريسها عام 1996 مادة اختيارية في المناطق الناطقة بها.
إن إدخال الأمازيغية في المنظومة التعليمية يطرح الإشكال التالي، ماذا يجب أن ندرس: اللهجات المحلية أم لغة موحدة لم تتكون بعد بصورة كاملة ولا ينطق بها بعد أحد؟ ويبدو أن المغرب حسم المسألة (على الأقل في مرحلة أولى) بتبنيه الحل الأكثر واقعية إذ نشرت المقررات المدرسية باللهجات الأمازيغية المغربية الرئيسية الثلاث.
لكن أصابع الاتهام سرعان ما وجهت إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي تكفل بإعدادها ورمي بأنه يتبنى "الأطروحات الرسمية الهادفة إلى تجزيء تمازيغت ومنعها من التوحد"(15). إن الجدل الذي أثاره هذا الخيار في المغرب دليل ساطع على أن التطلع إلى توحيد لهجات هذه اللغة ما زال الشغل الشاغل لجزء كبير من النخب الأمازيغية.
ومن المشاكل التي يطرحها توحيد الأمازيغية مشكل الأبجدية التي يجب أن تكتب بها، فالخيار مطروح بين أبجدية التيفيناغ القديمة والأبجديتين العربية واللاتينية.
وتعد الأبجدية اللاتينية الأكثر شيوعا في كتابة الأمازيغية وقد قام بتطويرها وأقلمتها لخصوصيات هذه اللغة الكاتب الجزائري مولود معمري. غير أنها، وإن كانت مستعملة في المدارس الجزائرية, محصورة الانتشار في الفضاءات الجمعوية والجامعية والإعلامية (مواقع الإنترنت لا الجرائد المكتوبة).
أما الأبجدية العربية التي طالما استعملت لكتابة الأمازيغية في الممالك الأمازيغية الإسلامية(16) فتستعملها بعض الجمعيات الثقافية في بعض مناطق الجزائر (كالأوراس ومزاب) والمغرب, لكنها هي الأخرى ليست واسعة الانتشار.
ناهيك
عن كونها لم تؤقلم بعد مع الخواص الصوتية
لتمازيغت.
توحيد الأمازيغية مسألة شائكة
ولا تقتصر إشكالية توحيد الأمازيغية على مسألة اختيار أليق أبجدية لكتابتها، إذ تشمل أيضا مسألة تطوير لغة مشتركة بين كل الناطقين بهذه اللغة.
يفترض إيجاد هذه اللغة المشتركة وجود وعي أمازيغي مشترك، وهو أمر مشكوك فيه بالنظر إلى الاندماج القوي للأمازيغ في فضاءات وطنية لكل منها تاريخه ووعيه الوطني القوي.
إن إيجاد هذه اللغة المشتركة يعني بالضرورة تطوير معجم مشترك وقواعد نحوية مشتركة يقوم بإعدادها علماء الألسنية بالاعتماد على قواعد وقواميس اللهجات الأكثر انتشارا. كما أن ذلك يعني الاستعمال الحصري لهذه اللغة الجديدة المشتركة في المدارس ووسائل الإعلام والمراسلات الرسمية.
ويخشى أن تكون "الأمازيغية الموحدة الجديدة" لغة مجردة شبه خيالية، مما سيجعل منها عامل فرقة بين الأمازيغ ودافعا لأن تتقوقع كل مجموعة على لهجتها الخاصة.
هذا ما يحذر منه الكاتب الجزائري محند آكلي حدادو عندما يقول "إن انصهار وتوحيد اللهجات البربرية شيء مستحسن، لكن لا يجب أن يكون ذلك نتيجة قرار إداري بل يجب أن يكون نتيجة سياسة لغوية رصينة تضاعف التواصل بين المتحدثين باللهجات المختلفة وتطور
بينهماستعمالاستعمال مصطلحات مشتركة
).وهذا مقال يتحدث عن الامازيغية في المغرب بين الثقافة والسياسة اتمنى ان اكون قد خدمت الاخ المعتز بالله وفاتحة ستكمل الباقي