يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ | بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام |
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً | علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام |
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم | تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام |
بك يُبعَث " الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه | وبك " القيامةُ " للطُغاة تُقام |
وبك العُتاة سيُحشَرون ، وجوهُهُم | سودٌ ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام |
صفاً إلى صفٍّ طغاماً لم تذُقْ | ما يجرَعون من الهَوان طَغام |
ويُحاصَرون فلا " وراءُ " يحتوي | ذَنباً ، ولا شُرطاً يحوز " امام" |
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا | هذي الجموعَ كأنها أنعام |
ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها | هدراً ، وديست حرمةٌ وذِمام |
ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا | وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا |
خَلَصَ النعيمُ لهم فهم من رقةٍ | وغضارةٍ بيضُ الوجوه وِسام |
وصفا لهم فلَكُ الصِبا فتلألؤا | فيه كما تَتَلألأ الأجرام |
يتدلَّلون على الزمان كما اشتَهت | شهواتُها قُبُّ البطون وِحام |
ومَداس أرجلهم ونَهْبُ نِعالهم | شَعبٌ مهيضُ الجانِحين مُضام |
يُمسي ويُصبح يستظلُّ بِخِدنه | بَقَر الزَريب، ويرتَعي ويَنام |
سيُحاسَبون ، فان عَرتْهم سَكْتَةٌ | من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام |
سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم | حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام |
يومَ الشهيد ! وما الخيالُ بسادر | بئسَ الخيالُ تقودُه الأوهام |
الشعر – يا يومَ الشهِيد – تجارِبٌ | وبلاؤُها ، لا لؤلؤٌ ونِظام |
كَذِباً يُخيَّل أن بارقة المُنى | تنجابُ منها وحشةٌ وظَلام |
أو أنَّ بالنَّزْر اليسير من الدما | سيُبَلُّ من عطَش الطُغاة أُوام |
أو أنَّ مَتعوباً ستَسْعى نحوه | عما قريبٍ راحةٌ وجِمام |
حُسبانُ ذلك للشهيد خِيانةٌ | وِلما تفَجّرَ من دمٍ إجرام |
ولَتلك مَدعاة سيُنصَرُ عندها | عارُ النُكوص ويُخذَلُ الإِقدام |
ولَذاك إِيهام يضلِّلُ أُمةً | وسلاحُ كل مضلِّلٍ إيهام |
عَظُمت محاولةٌ وجَلَّ مرامُ | أفباليَسير من العَناء تُرام |
يومَ الشهيد ! طريقُ كل مناضلٍ | وَعرٌ ، ولا نُصُبٌ ولا اعلام |
في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بلية | وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام |
وحياضُ مَوت تلتقى جَنَباتُها | وعلى الحياضِ من الوُفود زِحام |
وقِباحُ أشباح لمُرتَعِدي الحَشَا | بَرمٌ بها ، ولمُحرِبين هُيام |
بك بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي | مما ابتدأتَ من النِضالِ ختام |
سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ | ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام |
ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ | وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام |
ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ | ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام |
سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ | حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام |
لابُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها | منّا ومنه غارِبٌ وسَنام |
وتُنير منها الخابطينَ دُروبَهم | من بعدِ ذلك جذوةٌ وضِرام |
اذ ذاك يًُصبحُ بعد طُول مَتاهةٍ | بيد الشُعوب مقادةٌ وزِمام |
تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا | أن " الحكومةَ " بالسِياط تُدام |
والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم | إن فرَّ عن " حُلمٍ " يَروع منَام |
وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها | حَنَقاً كما تتفجّر الألغام |
وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي | وإذا بما ركنوا إليه رُكام |
وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ | " وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام " |
يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ | يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام |
ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه | قَدَرٌ ، وما تَتَمخَّضُ الأيّام |
ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه | إن حانَ حِينٌ واستتم تمام |
امراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ : | " النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام " |
اني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني | ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام |
علماً بأن دِماءَهم ليست لهم | وبأنها للجائعينَ طَعام |
للناس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى | ومَماتُه ، ورَضاعةٌ وفِطام |
يوم الشهيد ! بكل جارحةٍ مشَى | داءٌ تَعاوَرَه الزمان عُقام |
تَعِبَ الأساةُ به ، وجافَى أهلَه | يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم |
وتَعَسَّر الابلالُ حتى تَنتَفى | منه الجذورُ ، وتُقطَعَ الأَجذام |
يوم الشهيد! بك النُّفوس تفتَّحت | وَعياً ، كما تَتَفَتَّحُ الأكمام |
كادَ الضعيف يشُكُّ في إيمانه | والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام |
طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ | أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام |
وانجاب عن مترددينَ طِلاؤُهم | وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام |
وأعضَّ قوم بالسكوت ، وأفصَحَتْ | عن غير ما عُرِفَت به أقوام |
وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ | جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام |
وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحة | من حولها تتراكمُ الآلام |
شعب يُجاعُ وتُستَدرُّ ضروعُه ! | ولقد تُمارُ لتُحلَبَ الأغنام |
وأُمِدَّ للمستهترين عنانُهم | في المُخزِيات فأرْتَعوا وأساموا |
وَتَعَطَّلَ الدستورُ عن أحكامه | من فَرطِ ما ألوَى به الحُكَام |
فالوعيُ بَغىٌ ، والتحرُّرُ سُبَّةٌ | والهَمْسُ جُرْمٌ ، والكلامُ حَرام |
ومُدافِعٌ عما يَدينُ مُخرِّبٌ | ومطالِبٌ بحقوقِه هدّام |
ومشَى بأصلاب الجُموع يَهُزُّها | الجَهَلُ والإِدقاعُ والأسقام |
وهَوَت كرامتٌ تولَّت أمرها | خِططٌ ، تولَّى امَرها إحكام |
فكرامةٌ يُهزَى بها ، وكرامةٌ | يُرثى لها ، وكرامةٌ تُستام |
وانصاعَ يغزُو اهلَه وديارَه | جيشٌ من المتعطلِّين لُهام |
وتَصافَقَت حُجَزٌ على مُتحرِّرٍ | ومفكرٍ فتحطَّمت أقلام |
ولكلِّ مُحتَطِبِ الخنا مَداحةٌ | ولكل مُمتدِح النثا شَتّام |
ومعاتَبٍ والسَوط يُلهب ظهرهُ | ومعذَّبٍ بجراحه ويُلام |
مما أشاعَ البَغيُ من إرهابه | فيها استُطيبَ الخَوفُ والإِحجام |
ومطارَدون تعجَّلوا أيّامَهم | ومشرَّدون من المذلّةِ هاموا |
ومشكِّكون وقد تعاصَت محنةٌ | صَلُّوا على شَرفِ الخلاص وصاموا |
ولقد تَر تَرْقَ في العُيون تساؤلُ | وعلى الشِفاه تحيَّر استِفهام |
أعفا القَطينُ فما به مُتَنَفَّسٌ | وَخلا العَرينُ فما به ضِرغام؟ |
أفوعدُ مُرتقِبِ " القيامةِ " خُلَّبٌ | وبريقُ منتظِر " النُشور " جَهام ؟ |
أو يكثُرُ الأبطالُ حين سِلاحُهم | بين الجْموع قَصيدةٌ وكَلام؟ |
فاذا اسحترَّ الخطبُ واحتَدمَ الأذى | ذابوا ، فلا بطلٌ ولا مِقدم |
أفلا تكون مغارةٌ ؟ أو ما انتَهى | ما قَعْقَعَ الإِسراجُ والإِلجام؟ |
أعلى ضمير المخلصينَ غِشاوة | وعلى فَم المتحرِّرين لجام؟ |
حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه | ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام |
وتنافَسَ " الفادون" لم يتمنَّنوا | فضلاً ، ولم يُبطرْهُمُ الانعام |
وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا | وملامةً لشبابها " فألاموا " |
ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها | بصُدورهم ، اذ عزَّهن دِعام |
حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا | فعلى الصدور من الدِماء وِسام |
تابَ الغَويُّ وثاب كل مشكِّكٍ | إنَّ الحمى من فوقه قَوّام |
نَكِروا النفوسَ وفجَّروا اعراقَها | صَمْتاً ، فلا صَخَبٌ ، ولا إرزام |
وأبَوا سِجامَ الدمع شيمةَ نائحٍ | فلهم دماءٌ يغتلينَ سِجام |
ناموا وقد صانُوا الحمى ومعاشِرٌ | تَركوا الحِمى للطارئات وناموا |
يومَ الشهيد : وكلُّ يوم قادمٌ | ستُريهِ كيف الجودُ والاكرام |
دالَ الزمانُ وبُدلتْ نُظُمٌ به | ولكل عصرٍ دولةٌ ونِظام |
ومَضَى الحُداةُ " بحاتِمٍ " وبرهَطِه | وتبدَّلَت لمكارِمٍ أحكام |
فهُمُ وقد حَلَبوا الصَريحَ أماجدٌ | وهُمُ وقد عقَروا الجَزور كرام |
وهمُ لأنَّ الضيفَ ينزِلُ ساحَهم | للفقر في ساحاتِهم إلمام |
وأتى زَمانٌ من مكارِمِ أهلِه | السَجْنُ ، والتشريدُ ، والإِعدام |
والسَوط يحترِشُ الظهورَ ووقعُه | في سَمع محترِسٍ به أنغام |
وكأنَّه " للمستغيث" إغاثةٌ | وكأنَّه " للجائعين " إدام |
جيل يرى أنَّ الضيافَة والقِرى | للطارئات الصبرُ والآلام |
يَقرونَ جائعةَ البلاد نفوسَهم | فلها لحومٌ منهُمُ وعظام |
ويُرونَ ضيفَهُمُ الكرامةَ تُزدَرى | والحقَّ يُغصَب ، والديارَ تُضام |
يتقامَرون على المنايا بينَهم | حُمْراً ، فلا الأيسارُ والأزلام |
لاهُمَّ عفَوكَ ، لا الشجونُ قليلةٌ | عندي ، ولا أنا أخرسٌ تَمتام |
قلبٌ يذوبُ أسىً ، وشعرٌ كلُّه | ضَرَمٌ ، وبيتٌ كلُّه آلام |
أخنَى بوحشتِه على جيرانِه | وهَفَا به ، رعباً ، فطارَ حَمام |
ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه | ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام |
ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني | هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام |
وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها | حَرَجٌ ، وكَبْتُ أُوارها إيلام |
لاهُم ْ ما قَدْرُ البيان إذا انزوى | عنه الضميرُ ، وعَقَّه الإِلهام |
وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ | والساهرونَ الليلَ والنُّوام |
أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ | غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام |
او عائشونَ على الهوامشِ مثلَما | يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام |
والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى | والفارِغونَ كأنَّهم أصنام |
والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ | فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام |
والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ | فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام |
ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ | أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام |
لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم | شُبُهاً ، فلا وَضَحٌ ولا إبهام |
من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة | قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام |
يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه | او لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام |
الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى | فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام |
واذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ | عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام |
حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها | كأساً " إياسٌ " مرةً و " عِصام " |
وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها | مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام |
زَحَموا الصُّفوفَ " مشَيَّعين " كأنَّهم | بين المواكبِ قادةٌ أعلام |
ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما | يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام |
ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم | نَفْخَ الطُّبول ، وأقعدوا وأقاموا |