المسجد والتربية السياسية
صفحة: 1/3
خالد أحمد الشنتوت
للمسجد مكان الصدارة في المجتمع المسلم، قال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين) [ آل عمران: 96]. قال ابن كثير يرحمه الله [1/383]: (يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس، أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به ويصلون إليه، ويعتكفون عنده، (للذي ببكة) يعني الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام).
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في المدينة كما ذكر ابن كثير يرحمه الله(3/209).وعندما واصل سيره إلى قلب المدينة (يثرب - يومذاك) كان أول عمل قام به هو بناء مسجده صلى الله عليه وسلم[1]. وهذا يدل على المكانة العظيمة للمسجد في المجتمع المسلم، فهو بيت الله، وكفاه شرفاً بهذا النسب (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً) [الجن:18] .
وظائف المسجد في المجتمع المسلم
للمسجد وظائف متعددة في المجتمع المسلم أولها وأهمها إقامة الصلاة وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، حيث يلتقي المسلمون خمس مرات في اليوم والليلة، بعد أن يسمعوا النداء إليها مذكراً بتوحيد الله (الله أكبر.... أشهد أن لا إله إلا الله....).
والوظيفة الثانية للمسجد التربية الإسلامية (الروحية والعقلية والسياسية والجسدية...) ونشر العلم، وتعليم المسلمين ما ينفعهم في آخرتهم، ثم ما ينفعهم في معاشهم. وعندما انطلق العلم من المسجد كان مباركاً خالصاً لله عز وجل، ومن ثم نشأت الكتاتيب في المساجد، ثم تحولت إلى مدارس وجامعات[2].
وفي المسجد تعقد المؤتمرات لمناقشة أحوال الأمة وما يواجهها من مشكلات، وفيه تتخذ قرارات الشورى وفيه يجتمع أهل الحل والعقد لرسم السياسة العليا للمجتمع، كما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
ومن المسجد كان العلماء يسيرون الجيوش المسلمة للدفاع عن المسلمين، فهذا ابن تيمية والعز بن عبد السلام - يرحمهما الله- يقودون المسلمين لمواجهة التتار، وحتى أثناء الحملة الفرنسية على مصر كان علماء الأزهر يقودون المسلمين في مصر لمواجهة الفرنسيين مثل عبد الله الشرقاوي، والإمام أحمد الدردير، وكان للأزهر دور كبير في ثورة (1919) ضد الإنجليز ووقفت الدوريات العسكرية الإنجليزية أمام الأزهر لتمنع العلماء والطلاب من المظاهرات[3].
هذه بعض وظائف المسجد في المجتمع المسلم، ولا يسمح المقام للتفصيل، لأننا سنعود للحديث عن التربية السياسية في المسجد:
الصلاة والتربية السياسية
وللصلاة فوائد كثيرة منها التربية السياسية التي تربي الفرد المسلم ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع المسلم، ويمكن تعريف التربية السياسية بأنها: إعداد المواطن الصالح للمجتمع المسلم، الذي يعرف واجباته فيؤديها تقرباً لله عز وجل، ويعرف حقوقه فيطالب بها بالطرق المشروعة، ومن المسلمات أن الإنسان لا يعيش بدون مجتمع، والمجتمع سابق على الفرد، فلا يوجد الفرد إلا ضمن مجتمع، ولا يستطيع الفرد أن يحقق وجوده الإسلامي إلا ضمن المجتمع، وثلاثة أرباع الفرائض والواجبات الإسلامية لا تتم بدون مجتمع مسلم[4].
يتبع