حكم قراءة الفاتحة للمأموم
مختصر كلام ابن تيمية في حكم القراءة خلف الإمام
إسلام منصور عبد الحميد
هل يقراء المأموم الفاتحة
كلمة مهمة قبل عرض المسألة
لَا سَبِيلَ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا سَبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَفِي فَسْخِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ ، يَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ النَّظَرُ فِيمَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسَائِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهَا بِقَوْلِ يُجْمَعُ عَلَيْهِ لَكِنْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عَلَيْهِ دَلَائِلُ شَرْعِيَّةٌ تُبَيِّنُ الْحَقَّ .
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقول
القَولُ الأول ومن قال به : إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَنْصَتَ وَلَمْ يَقْرَأْ فَإِنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ قَرَأَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ خَيْرٌ مِنْ سُكُوتِهِ فَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ .
وهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ ، وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِمَا وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ .
إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ اسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ لِبُعْدِهِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ لِصَمَمِهِ أَوْ كَانَ يَسْمَعُ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ وَلَا يَفْقَهُ مَا يَقُولُ : فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ ; لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ إمَّا مُسْتَمِعًا وَإِمَّا قَارِئًا وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَمِعِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُ السَّمَاعِ فَقِرَاءَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ فَنَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى الْفَصْلَيْنِ ، وهما : أَنَّهُ فِي حَالِ الْجَهْرِ يَسْتَمِعُ ، وَأَنَّهُ فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ يَقْرَأُ ، وهو الراجح يدل على ذلك الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ .
أولاً : الأدلة على أنه إذا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَنْصَتَ وَلَمْ يَقْرَأْ وأنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ .
الدليل من القرآن
فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
• الشاهد
1- قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ. قال الإمام أحمد : قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لَفْظٌ عَامٌّ فَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ يَعُمُّهُمَا . وَالثَّانِي بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْمُسْتَمِعِ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ أَوْلَى مِنْ اسْتِمَاعِهِ إلَى قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ دَاخِلَةٌ فِي الْآيَةِ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَمْرِ الْمَأْمُومِ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ . فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَوْلَى مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ .
2- وَالْمُنَازِعُ يُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ . وَالْآيَةُ أَمَرَتْ بِالْإِنْصَاتِ إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ . وَالْفَاتِحَةُ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَالْفَاتِحَةُ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ . وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الِاسْتِمَاعَ إلَى غَيْرِهَا دُونَهَا مَعَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا مَعَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا . فَإِنَّ قَوْلَهُ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } يَتَنَاوَلُهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا وَشُمُولُهُ لَهَا أَظْهَرُ لَفْظًا وَمَعْنًى .
3- الْعَادِلُ عَنْ اسْتِمَاعِهَا إلَى قِرَاءَتِهَا إنَّمَا يَعْدِلُ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَهَذَا غَلَطٌ يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَمَرَتْ الْمُؤْتَمَّ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا . فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ لِمَا يَقْرَأْهُ الْإِمَامُ أَفْضَلَ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَتِهِ لَكَانَ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ أَفْضَلَ مِنْ قِرَاءَتِهِ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ .
4- إِنَّمَا نَازَعَ مَنْ نَازَعَ فِي الْفَاتِحَةِ لِظَنِّهِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ مَعَ الْجَهْرِ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُ حِينَئِذٍ . وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ لَهُ بِالْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِمَاعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِدَلِيلِ اسْتِمَاعِهِ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالِاسْتِمَاعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ أَفْضَلَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ يَحْصُلُ لَهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْقَارِئِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فَالْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ يَحْصُلُ لَهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْقِرَاءَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْأَدْنَى وَيُنْهَى عَنْ الْأَعْلَى . وَثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا قَالَ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ . وَفِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَمْرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ دَلَالَةً قَاطِعَةً ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ فَكَانَ بَيَانُهَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْبَيَانِ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ .
الدليل من السنة
1- فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ : أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا }