كنت سابقا أعتقد – كما كان وما زال – يعتقد عامة المسلمين اليوم ، أن الطريق إلى تحرير القدس ، ستكون بالوحدة العربية ، وهذا بلا شك ضرب من الخيال . أو بالعودة إلى الإسلام وقيام الخلافة الإسلامية ، وهذا أيضا أمر بعيد المنال ، والواقع لا ينبئ بذلك ، واليهود الآن يسيطرون على مجريات الأمور ، أكثر مما نسيطر على زوجاتنا وأولادنا ، فهم يراقبون ويُحاربون ، أي مسلم أو عربي ، تحول من حالة السكون إلى الحركة ، وكل المحاولات الإسلامية والقومية العربية النهضوية ، وُئدت واشتُريت وبيعت في سوق النخاسة ، فلا أمل في المنظور القريب ، حسب ما نراه على أرض الواقع .
وأما إسرائيل فعلى ما يبدو أنها ستبقى جاثمة فوق صدورنا ، تمتص دماء قلوبنا وتعدّ عليها نبضاتها ، لتثبت للعالم أننا ما زلنا أحياء ؟! والعالم يأتي وينظر ويهزّ رأسه موافقا ويمضي مطمئنا ، نعم إنهم ما زالوا أحياء ! وكأن العالم ينتظر منا أن نموت أو نفنى ، فيستيقظ يوما ما فلا فلسطين ولا فلسطينيون ، ليرتاح من تلك المهمة الثقيلة والمضنية ، التي رُميت على كاهله – وكأنه بلا خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة طويلة ، لعملية احتضار شعب أُدخل إلى قسم العناية الحثيثة ، منذ أكثر من50 عاما وما زال حيا .
وبالنظر إلى الواقع – قبل ثلاث سنوات – ولغاية هذه اللحظة ، فإنك تراه يقول بأن إسرائيل ستبقى . ولكن الأحاديث النبوية الشريفة ترفض ما يقوله الواقع ، وتؤكد زوالها قبل ظهور المهدي والخلافة الإسلامية ، ولكن كيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ وللإجابة على هذه الأسئلة كان لا بد من البحث ، ومن هناك وقبل ثلاث سنوات تقريبا كانت البداية .
ما يملكه عامّة المسلمين في بلادنا من معتقدات فيما يتعلّق بتحرير فلسطين ، يتمحور حول ثلاثة عبارات تقريبا ، هي : أولا ؛ عبارة " شرقي النهر وهم غربيه " المشهورة لدينا بين فلسطينيي الشتات ، وثانيا ؛ عبارة " عبادا لنا " ، وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " . والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات في مجملها ، حصرت التحرير بقيام الخلافة الإسلامية ، حتى أصبحت من الأمور العقائدية ، ويؤمن بصحتها الكثير من الناس إن لم يكن الأغلبية العظمى .
أما حديث لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ويا مسلم يا عبد الله ، الذي غالبا ما نتدواله ، فهو يتحدث عن مسلمين حقيقيين لن يتوفروا في ظل هذه الأجواء على المدى القريب ، أو يتحدّث عن خلافة إسلامية ، ومما أعلمه أن الخلافة الإسلامية لن تكون إلا بظهور المهدي ، وخلاف ذلك لم أجد في السنة النبوية من الأحاديث ما يشير إلى هذه الفترة ، فهي مغيبة تقريبا إلا من حديث هنا أو هناك .
في النصف الثاني من عام 1998م ، ومن خلال البحث الأولي في العديد من المصادر أمسكت ببعض الخيوط ، التي قادتني بدورها إلى الآيات التي تحكي قصة العلو والإفساد اليهودي في سورة الإسراء ، فطفقت أسبر معاني ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ، فتحصلّت على فهم جديد لآيات هذه السورة ، يختلف تماما عن معظم ما تم طرحه سابقا ، ومن خلال هذا الفهم استطعت الإجابة على معظم تساؤلاتي ، وتساؤلات أخرى كانت ترد في ذهني ، بين حين وآخر أثناء كتابتي لهذا البحث .
عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه شفاها أمام الآخرين ، وغالبا ما كانت أفكاري تُجابه بالمعارضة أحيانا بعلم وأحيانا من غير علم ، وغالبا ما كان النقاش يأخذ وقتا طويلا ، وكان هناك الكثير ممن يرغبون بالمعرفة ، كل حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ، وكانت الأغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ، فالقناعات الراسخة لدى الأغلبية ، مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ، والواقع الذي يرونه بأم أعينهم يخالف بصريح العبارة ما أذهب إليه .
والمشكلة أن الأمر جدّ خطير ، فالواقع الجديد والمفاجئ الذي سيفرض نفسه بعد عدة شهور ، عندما يأتي أمر الله ولا ينطق الحجر والشجر بشيء ! كما كانوا يعتقدون سيوقع الناس في الحيرة والارتباك ، لتتلاطم الأفكار والتساؤلات في الأذهان تلاطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما الذي يجري ؟ وما الذي سيجري ؟
لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلاع الناس على ما تحصّلت عليه ، وعلى نطاق أوسع من دائرة الأقارب والزملاء . وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها إلا أني حاولت جاهدا ، أن أصهر كل ما توصلت إليه مما علّمني ربي في بوتقة واحدة . تمثّلت في هذا الكتاب الذي بين أيديكم ، في أول محاولة لي للكتابة ، كمساهمة متواضعة في الدعوة إلى الله ونصرة لكتابه الكريم قبل أن يوضع على المحك ، عندما يتحقّق أحد أعظم الأنباء المستقبلية بشكل مخالف ، لما اعتادوا أن يسمعوه من آراء وتفسيرات كثرت في الآونة الأخيرة ، تتناول ما تُخبر عنه سورة الإسراء من إفساديّ بني إسرائيل .
من مقدمة كتاب نهاية اسرائيل والولايات المتحدة لخالد عبدالواحد