الذين شهدوا المراحل الأولى لانطلاق العمل الإسلامي بالمغرب في فترة السبعينات يعرف بأن ظاهرة السلبية لم يكن يعرف لها سبيل على الإطلاق. لأن الداعية أثناء المحن والصراع يصير فاعلا وقويا لشعوره بأن عقيدته مهددة والأخطار تحدق بها فيبادر ويتحرك في كل الآفاق ولا يعرف شيئا اسمه العجز والكسل والخمول يصوم يصلي يدعو، متميز عند كل أحبابه وعائلته. مشهود له في حيه بالإيمان والصدق والحركة والاقتحام.
ولكن في فترة الرخاء والانفتاح يطمئن على دينه لأن المجال مفتوح ولله الحمد ومن أراد أن يدعو أو يصلي أو يحاضر فلن يمنعه أحد. فيركن ويتقاعس وينسى بأنه داعية ويتطبع مع أوضاع المجتمع وأوضاع بيته وعائلته فلا يدعو أخاه للصلاة او أخته للحجاب بل لا يفكر حتى مجرد التفكير في أنه مطالب بالتبليغ وربط الناس بطاعة الله وسوقهم بعيدا عن معصيته.
ليس المقصود أن تكون رقما فقط، ، كلا! إنك حينما اهتديت إلى الله عز وجل، بات المطلوب منك أن تحمل غيرك، كما حملك غيرك، وأن تكون فاعلاً، مؤثراً، كما كنت قبل ذلك، لا أن تملأ المجالس، ويكون دورك فقط الدور الحضوري.
وربما ابتلي هذا الإنسان السلبي، بمرض آخر خطير، وهو (حب النقد) و(توزيع التهم) و(الانشغال بتجريح الآخرين). فإنك، غالباً، لا تجد من يشتغل بالنقد، والتجريح، والوقيعة في الناس، ولاسيما الدعاة، والعلماء، إلا الفارغين. فالفارغون الذين ليس عندهم عمل، ولا دعوة، ولا طلب علم، ولا حسبة، شغلهم الشاغل أن يتكئ أحدهم على أريكته، ويشير بأصبعه السبابة، قائلاً: هذا صح، وهذا خطأ! وفلان أصاب، وفلان أخطأ! وربما لم يبلغ بعد أن يحسن تلاوة الفاتحة، أو يحفظ باباً من العلم .