ريم العيساوي عضو
عدد المساهمات : 16 نقاط : 14644 تاريخ التسجيل : 31/07/2011
| موضوع: صورة المرأة في رواية زنقة بن بركة لمحمود سعيد ريم العيساوي الخميس أكتوبر 13, 2011 11:56 am | |
| صورة المرأة في رواية زنقة بن بركة لمحمود سعيد يعرّف بعض النقاد الرواية بأنّها فنّ الشخصيّة ويقيسون رقيّها فنياً بمدى قدرتها على تقديم شخصيات مقنعة للقارئ بواقعية الأحداث التي تتفاعل معها وحتّى عنصرا الزمان والمكان فهما يوّظفان في تشكيل نموّ الشخوص مع الأحداث.وجنس الرواية أقدر الأجناس الأدبية على تصوير الواقع تصويراً حيّاً، والمرأة جزء من ذلك الواقع فهي تمثّل تجربة ثرية في المجتمع لأنّها تتفاعل مع سمات التعبير.والمبدعون عامّة والروائيون بالخصوص على وعي كبير بارتباط المرأة بحركة المجتمع وهي بالأحرى ذات دلالات ثرية تجعلها رمزاً له.والرواية العربية اقترنت بالوعي العميق بقيمة الشخصية والحرية الفردية للإنسان،وتعبّر عن الواقع من خلالها .ولا شك أنّ صورة المرأة أكثر استقطابا بحركة الواقع وأغنى دلالة لتحديد موقف الأديب منه،فكيف عبّر الروائي محمود سعيد عن واقع الرواية الاجتماعي؟ وكيف عكست صورة المرأة ذلك الواقع من حيث أزماته وصراعاته وقيمه وتياراته الفكرية؟لقد أكد العديد من الرواد في الرواية العربية على حرية المرأة واستقلالها العاطفي باعتبارها شخصية فرد يحقق بحرية السعادة لنفسه وللآخرين،كما يحقق بها رقيّ المجتمع وصلاحه اللذين يؤديان في النهاية إلى تحرر الوطن وسعادته فرواية "زينب" (1914) لمحمد حسين هيكل باعتبارها العمل الرائد الممثل للجذور الفنية للرواية .وفي روايات المازني :"إبراهيم الكاتب" و "إبراهيم الثاني" و "ثلاثة رجال وامرأة" ورواية "سارة" للعقاد و"الرباط المقدس" لتوفيق الحكيم و"نداء المجهول" لمحمود تيمور ،هذه الروايات تستقطب موقفاً عامّاً هو صورة المرأة الباحثة عن الحب الذي يجسد أزمتها في البحث عن الحرية الذاتية وتحقيق الوجود الفردي.صورة المرأة وأزمتها هي الجانب الذي حظي بعناية فائقة من الروائيين واستنفذ كثيراً من جهدهم .المرأة قريبة الجزائري شخصية نامية ومشحونة بالعواطف ، التقت "بالشرقي" ووجدت أنه غريب على روحها إذ نفسها تطمح إلى شخص تجد فيه معنى الحرية التي تضمن لها السعادة وتحقق بها وجودها .ومن رؤية رومانسية حالمة حزينة اتكأ المؤلف على الوصف الخارجي فصورها مثل لوحة طبيعية جميلة وبها استطاع أن يضمن النجاح الفني للشخصية النامية القادرة على إثارة الدهشة بصورة ملأت عالم الرواية حياة فياضة تنطلق الرواية في اعتبار المرأة عنصراً مكملاً للرجل السياسي فهي تمدّ المناضل بالقوة التي تحفزه على مواصلة النضال وهي معادل للعنصر الذي يتوقف عليه الأنس المقابل لجفاء الحياة السياسية جاء التصريح على لسان صابر يقول :"شيئان لا ينفصلان عنه الأنس والسياسة" ، "لا يمشي الإنسان برجل واحدة" (ص13).المرأة قريبة الجزائري ،امرأة رافضة ، ذات شخصية مستقلة ،واثقة من نفسها وإن كانت تلبس الزي المحافظ .المرأة مسيطرة على الرجل ،"صوتها نغمة متكاملة ،عشرات الآلات الموسيقية المتكاملة في انسجام ،ترسل النغمات من صدى بعيد".والرجل إزاء هذه الأنغام لا يصدّق نفسه ،وكثيراً ما يصاب بحالة من الارتباك القصوى ويرى نفسه كيف جعلت منه المرأة صورة "الأبله"،ويحاول مقاومة إغراءها أمام عينيها اللتين"تندلع منهما نار مثيرة".وبهذه الكلمات يعبّر الكاتب عن أثرها في نفسه :"وضعت الحقيبة ومرّة أخرى بدأت الأنغام تجرّني في طريق غامض، وبدا لي أنني سأسكر كما حدث لي من قبل ،وكان الصوت يجمع بنغماته خيوطاً تلتف على مقاومة أيّ رجل فتسحبه نحو تلك الطاقة المندلعة من العينين المحرقتين ليذوب في نارها.(ص28).كما يرسمها مخلوقاً ملائكيّاً تملك قوّة بمثل قوّة السحر تأسر بها الرجل في عالمها،والعالم الّذي تخلقه هو عالم رومانسي خارج عن الواقع تماماً،عالم روحي شفّاف يحقّق فيه السعادة :"كانت تدندن بلحن شائع دون كلمات،وحفيف ثوبها الحريري يغلّف جو الغرفة بأنفاس عائليّة عشت طويلاً محروماً منها،نبرات صوت غنج متكسر ذكرّني بموشح تزقزق العصافير فيه وتغرّد البلابل وتغادر الروح الجسد،تسبح في لجّة من المتع لا نهاية لها،لكأنّي كنت ألتقي فيه مع أجسام شفّافة ملوّنة حبيبة على ظهر غيوم قطنيّة، في عالم طفولي سعيد لا يختفي إلاّ بانتهاء نغمات ذلك الموشّح".(ص28).إنّ الرجل يعيش مع هذا المخلوق السماوي حالة هيام،ضرب من الذوبان الصوفي يقتضي منه تصرّفاً ملائماً للواقع الذي هو فيه،لما يصيبه من ضعف ،يقول الراوي :"خرج صوتي متهافتاً ضعيفاً لا رجولة فيه فابتأست" ويخونه التعبير فتدفع الجرأة بالمرأة أن تضع أصابعها البضّة على شفتيه .وتتصرّف المرأة في رواية"زنقة بن بركة"بحريّة مطلقة فيها أساليب الإغراء الكبير يصفها : "تمدّدت على سريري ،كنت متّكئاً على الشباك وصدرها المتفجّر يعلو ويهبط ،أغمضت عينيها ،أهدابها الطوال ترسم على بياض خدّيها أشعة الشمس سوداء متناسقة". (ص31).إنّ المرأة في زنقة بن بركة تملك زمام الأشياء تبادر إلى الفعل بصورة جريئة ومبادرتها تجعل الرجل ينكمش ويفقد قوّته ولا تخجل من التصريح بعواطفها وذكر من تحب،تراهن على كسب الرجل.وفي المقابل يرسم الكاتب لها صورة شيطان ويراها تخيفه إذ يقول:"أتخوّف من الصعود إلى غرفتي حيث تغفو على فراشي أجمل شيطانة يحلم بها إنسان". ويحذر صديقه "سي الحبيب" أن يتجنبها : "لقد أعلنت الشيطانة أنّها ستوقعه فيه".وإذا كانت المرأة ضرورة للرجل السياسي فهي رمز للحريّة التي ينشدها :"تراقصت أمامي صورة الشيطانة اللعوب وأنا أهيم بجمال وردة حمراء تحترق بضوء الشمس" (ص41).وكثيراً ما يقـرن الكاتب تصرّفات المرأة بالحريّة :"كانت تتصرّف داخل المطبخ تحت عيني البقال بحريّة سببها ملكيّتها للمكان"(ص42)وتأكيداً لرمزيّتها هذه فقد استعار لها صورة العصفورة :"فهي تغرّد بموسيقاها البشريّة العذبة ،صوتها موسيقى"وجاء على لسانها:"أتمنى أن أمسخ بلبلا لأرافقك إلى الأبد" (ص16) وهذه الجملة تردّدت كثيراً في الرواية .إنّها قصّة التوق إلى الحريّة والبلبل الطائر رمز به المؤلف لصوت الحريّة وترديد الجملة دلالة على الأمل في البعث والحياة .ورمز بها إلى الروح الوثّابة الفاعلة من أجل الرقيّ ولعلّ تسميتها"برقيّة" و"بأميمتي" نشف منهما دلالة ما .ولعلّنا نتساءل عن تخيّل الكاتب لها عند لامبالاتها به بأنّها "عمياء"وقد كرّر هذه الصفة.أليست الثورة هي العمياء لأنّها لا تبصر وتسمل عينيها في بلد القمع ؟وما يدل على رمزية المرأة الثورة هذه الجملة :"تنتظر من يتقدم فيلمس يدها"(ص22) والمرأة في الرواية رافضة متمردة من كل الجوانب التي تجعل منها مخلوقاً ضعيفا وقد وصفها الكاتب "بقوة فوضوية غريبة" و "العقل وحده يتفاعل معها" ويصف عينيها :"بالطاقة المندلعة من عينيها المحرقتين" (ص28) .أما جمالها فهو ساحر تحمل دهشة الرجل أن يسأل من أي سماء نزلت؟كما رسم الكاتب"رقية"قريبة سي الجزائري خلواً من الأحاسيس من الحب،من الكراهية ذات لهجة متجردة وتتصرف بصراحة وتلقائية وتراهن على الكسب وتفصح عن عواطفها ولا تكبحها وقد نتساءل لماذا بقي المؤلف كاتماً اسم قريبة الجزائري ولم يعلن عن اسمها "رقية"إلاّ في الصفحة (72) أليس في تجريدها من أسماء بنات حواء دلالة أكمل وأعمق واقترابها إلى الجزائري إيحاء إلى الثورة ،لما عرف به تاريخ الجزائر من بطولة وثورة وما يؤكد رمزيتها هذه ذكرها لأحلامها التي ترى فيها نفسها تحلق في السماء .وفي لقائها"بسي الحبيب"الرجل السياسي المناضل صارت:"عطره الذي ينفذ إلى الخياشيم ....وشلال ضوء يتدفق في بحر الظلام" (ص84).إن صورة رقية في الرواية بما فيها من دينامية وجمالية تتوافق كل التوافق مع صورة المكان مدينة المحمدية ،درة الساحل المغربي المدينة فضاء عابق بالتاريخ والأصالة شاهد على:"عظمة بناء عريق مزخرف بنادر النقوش" (ص5) . "زنقة بن بركة"تقطع شارع الزهور الذي يقسم مدينة المحمدية . أطرت الأحداث في الفضاء المكاني تأطيرا فنيا دقيقا مستوفيا معالم الطبيعة الجميلة الخلابة والمعالم التاريخية العتيقة .والمقهى العامرة حيث :"تنفرط حبات الوقت ضائعة في متاهات متعة فريدة مذابة في نكهة القهوة وخيال الماضي".مدينة فضالة المحمدية مكان مليء بالتناقضات ورغم كل التناقضات التي يحفل بها المكان فقد جاء على لسان سي الحبيب :"يحس بأن المدينة كلها منزله فالخضرة الرائعة في هذه البقعة الصغيرة تنعش القلب ترسم بيد رشيقة فناءه ،أرصفة حالمة تزغرد ذات أنفاس مبهورة ،وممرات إسفلتية دقيقة صارخة ،وبين فسحة وأخرى يندلع شلال ورود قرمزية وبنفسجية وصفراء محاطة بأخرى في ألوان شتى تاركة المدينة رقعة شطرنج تبدي حدائق غير مسيجة ". | |
|