يقول " لوكاتش " في كتابة الرواية التاريخية
إنّ كتاب الرواية التاريخية يرغبون في كتابة ما لم يقله التاريخ أكثر من غايتهم في سرد ما سطرته كتب التاريخ ).
والدكتور سلطان بن محمد القاسمي في مشروعه الروائي التاريخي برهن على أن المخزون التاريخي في استطاعته أن يبصرنا بقضايانا ومشكلاتنا المعاصرة ، وخاصة إذا برع المبدع في اصطفاء عناصر جوهرية ومعطيات تخدم موضوعات عصره ،ومن هنا فقد أكد الدكتور سلطان جدلية الأدبي بالتاريخي ، والأهم أن هذه العلاقة تضطلع برسالة نبيلة هي تبصير الأمة العربية و الإسلامية بمحطات تاريخية تذكر بأوجاعها وانكساراتها وتزلزل الضمير من الخروج من علة النسيان إلى لحظة الوعي والاعتبار من حكمة الأحداث . ورسالة الأديب تبرز في قدرته على صياغة فنه في رؤية تتجاوز حدود الماضي والحاضر نحو رؤية شمولية استشرافية ، ومن هنا فإن جوهر الإبداع يتمخض من أعماق التاريخ الإنساني ولا يجانب طبيعة ديمومته .
ترتبط رواية الحقد الدفين بمشروع روائي واضح المعالم يمثل وحدة سردية مسترسلة ضمن ثالوث سردي : (رواية الشيخ الأبيض 1996 - رواية الأمير الثائر - الحقد الدفين 2004 ) هذه المصنفات فرضت نفسها لما استندت عليه من أسس قوية من التحليل والاستقراء والمنهج العلمي الرصين مؤكدة أن المادة التاريخية في أبعادها الزمكانية والحضارية هي منجم خصب لبناء مشروع روائي نهضوي وفكر سياسي مستنير. وهذا المشروع تخليص تاريخ المنطقة من دائرة الالتباس وتوثيق الحقائق بمجهر المؤرخ الحصيف .
ورواية "الحقد الدفين" جاءت في طبعتها الأولى سنة 2004، عن مركز الشارقة للإبداع العربي تتضمن 64 صفحة، جاءت بنيتها- مقدمة- فتمهيد- ثم الأحداث. التي توزعت كالتالي:-
1. وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي
2. "البوكيركي" وساحل الجزيرة العربية
3. احتلال "البوكيركي" لجزيرة هرمز
4. مقاومة الاحتلال البرتغالي في هرمز
5. الهجوم على قلهات
6. احتلال مكة ومحاولة هدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
7. مقتل الريس حامد
لخص الدكتور سلطان في المقدمة مضمون الرواية التي يروي فيها قصة رجل حمل معه حقده الموروث وما اكتسبه من أحقاد خلال مشاركته في الحروب الصليبية في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. قاصدا الشرق ليهدم الكعبة وينبش قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى يساوم بجسده الطاهر على الأماكن المقدسة لدى المسيحيين حول بيت المقدس. ويحلم بتحويل نهر النيل من أثيوبيا إلى البحر الأحمر لتصبح مصر صحراء قاحلة، يسهل عليه احتلالها ويتسنى له تكوين قاعدة تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط ويؤمّن للبرتغال طريق التجارة مع الهند. لكن الله هزمه كما هزم أصحاب الفيل بعاصفة أخرجته من البحر الأحمر إلى ساحل القرن الأفريقي، فصب غضبه وحقده على مدينة زيلع فهدمها، كما اتجه إلى مدن الساحل العربي للجزيرة العربية ومدينة هرمز على مدخل الخليج العربي، وبدأ يقصف تلك المدن وقتل الأبرياء وتشويه والتمثيل بأجسادهم وهم أحياء.
تكشف المقدمة عن رؤية صاحب السمو الثاقبة لجملة من الأحداث التاريخية الكاشفة للأهداف الاستعمار العدوانية والتوسعية وهو عداء متواصل إلى يومنا هذا. وعمق من خلال تلك الرؤية الروح العدائية التي تجلت في هذه الحملات البرتغالية. تضمن التمهيد تقديما لعنصري الزمان والمكان لأحداث الرواية التي تنطلق بداية القرن الرابع عشر ميلادي، في قصر ملك لشبونة عاصمة البرتغال .
كما قدم التمهيد الشخصية المحورية التي تلعب الدور الأساسي في الرواية، وهي شخصية البوكيركي .
تتبع الدكتور سلطان سيرته ، أصوله العائلية وبدقة المؤرخ المنهجي وثق سلسلة تكوين هذه الشخصية : " من بين أشخاص ذلك القصر، صبي مجهول الأب يدعى " سانشيز sanches" قامت والدته في عهد أفونسو الرابع بإشاعة أن ابنها "سانشيز" هو ابن الملك "دنيس" أخو الملك " "أفونسو " وعندما سمع الملك هذه الإشاعة أطرد "سانشيز" وأمه من القصر الملكي بلشبونة، وألقى به على حدود " قشتالة" حيث كان الصراع محتدا بين مسلمي الأندلس والملوك الأسبان.
ولاذ "سانشو" بقلعة "البوكيركي Alboquerque "، وتزوج السيدة " دونا تريزا مارتينيز" حفيدة "سانشو" الثالث ملك قشتالة وأنجبت له طفلا سماه باسم القلعة "البوكيركي" ولما كبر عينه الملك رئيسا على الهيئة المسيحية لإرسال المقاتلين في الحروب الصليبية و الإرسالات التبشيرية.
وعند مرافقة "أفونسو دي البوكيركي" الملك "دوم جو" في حملته على مراكش احتل سلا واستسلمت له طنجة سنة 1471م وأقام "البوكيركي" بمراكش عشر سنوات، اكتسب خلالها خبرته العسكرية و قوي حقده العميق للإسلام، فسلك بمراكش سياسة البطش والتنكيل. وكان مثل غيره من أعداء الإسلام يبرر حقده بأنه تعبير عن الحماسة للحروب الصليبية.
وتصاعد حقد البوكيركي بعد حملته على العثمانيين وذلك سنة 1480م على خليج "ترانتو" بنابولي ، فأخذ يخطط للطريق الرابطة بين البرتغال والهند.
توثق رواية الحقد الدفين وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي عن طريق القارة الأفريقية بعبور فاسكو دي جاما وذلك سنة 1498م وكان هدفه احتكار تجارة التوابل والحد من النفوذ العثماني وفتح الطرق البرية والبحرية لصالح البرتغال مع الهند. وكان وقتها "زامورين Zamorin" الأمير المسيطر بكلكتا والماسك بزمام تجارة التوابل الموجهة إلى البحر الأحمر فأرسل ملك البرتغال حملة ثانية سنة 1500 لعقد علاقة تجارية مع حكام الهند لكن "زامورين" رفض تلك العلاقة فقصفت مدينة كلكتا من البرتغاليين وقاومهم "زامورين" مقاومة شديدة وبعد انسحابهم قتل "زامورين" وكلاءهم وحطم مكتبهم .
وأدى فشل هذه الحملة إلى توجه البوكيركي إلى التصالح مع الأمير "زامورين" وعقد اتفاقية سلام معه.
ومع استمرار الأمير "زامورين" في رفضه للتصالح مع البرتغاليين تحالف البوكيركي مع حاكم "كوتشين" وحاكم " كولم" وبهذا حقق هدفه وانتصر وعاد سنة 1504 مظفرا رافعا رأس البرتغال التي لقب البابا ملكها "منويل الأول " بملك النصر والانجاز"
وفي سنة 1505م ، قرر" منويل الأول " ملك البرتغال القضاء على السيادة التجارية للأمة الإسلامية إلى الأبد باحتلال عدن وهرمز وملقة وأرسله الملك "فرنسيسكو دي ألميدا" إلى الهند ليكون حاكما على مستعمرات البرتغال في الشرق، ورغم استنجاد الأمير الغزنوي بمماليك مصر فقد حقق البرتغاليون السيطرة على تجارة الشرق. وبعد هذه الانتصارات حول ملك البرتغال وجهته نحو الجزيرة العربية سنة 1506م، توجه البوكيركي في حملته من ست عشرة سفينة وسيطر على مضيق هرمز ومدخل البحر الأحمر.
سنة 1507م وصل "البوكيركي" إلى سقطرى واحتل الميناء وتوجه نحو مدينة "قلهات" وكانت خربة بأثر الزلزال فعقد اتفاقيه سلام مع واليها، لكنه عاد وضرب المدينة ورحل نحو مسقط بعد أن دمرو عاث فسادا . ووجد في مسقط مقاومة شديدة من أهلها وقرر عقد السلام مع والي مسقط، لكن وصول ألفي جنديا منعوا الوالي من الاستسلام للبوكيركي. الذي استطاع احتلال مسقط ونهبها وتهديم مسجدها.
وتوجه "البوكيركي" نحو مدينة صحار، فكانت خالية فاحتلها ورفع على قلعتها علم البرتغال.
ومن مدينة صحار توجه البوكيركي إلى خورفكان فوجد فيها مقاومة شديدة لكنه سيطر عليها ومنها توجه نحو جزيرة هرمز في نهاية 1507.
وكان وزيرها "خواجه عطاء " ماسكا بزمام الأمور نظرا لصغر سن الملك وجلب خواجه القوات من الساحل العربي والساحل الفارسي. تبادل الرسائل مع خواجه عطاء- عقد السلام بشروط لمصالح البرتغاليين ورفض دفع المبالغ السنوية لملك البرتغال وتصادم الطرفان في الميناء ، حتى تحول البحر إلى لون أحمر وأحرق البرتغاليون جميع السفن بجزيرة هرمز التي
سيطرعليها البوكيركي و هزم المسلمين واستطاع أن يقنع رجالات البلد بعقد السلام.
فاستسلم له خواجه عطاء واحتفل بتوقيع الاتفاقية وكانت بنودها كالتالي:
1. يوافق الملك سيف الدين الثاني على أن يكون تابعاً لملك البرتغال "دون ستويل" .
2. تدفع مبالغ سنوية مقدارها خمسة عشر ألف (دينار مصري) لفونسو دي البوكيركي .
3. يسمح لبوكيركي أن يبني قلعة على جزيرة هرمز ويضع فيها ضابطا برتبة كابتن وجنودا لرعاية مصالح ملك البرتغال.
وبعد التوقيع دفع الملك خمسة آلاف كدفعة مقدمة من المبالغ السنوية وشرع البوكيركي في بناء القلعة.وتكررت الحملات البرتغالية خلال سنوات 1482-1487 نتيجتها الوصول إلى ساحل انثولا والقرب من مدار الجدي ودوران "بورتو لو مبو دياس" حول رأس الرجاء الصالح.
والاقتراب من الساحل الأفريقي ممهدا الطريق أمام فاسكو دي جاما Vasco de Gama لتنفيذ رحلته التاريخية 1497-1498 عبر المحيط الهندي إلى كلكتا .
توقف الدكتور سلطان عند أدق التفاصيل في وصف الفضاء الذي دارت فيه أحداث والرواية داخل العرش البرتغالي وبعض الاستطرادات في الأحداث التاريخية.
كان الحدث الرئيس هو وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي ورغم هذا فإن انتصار البوكيركي يعتبر ناقصا، فه وقد عاث بسكان هرمز وقتل ودمر ومارس البطش والاستبداد وكلما حاول خواجه عطاء الاستنجاد بقوة من المسلمين أو الفرس يقضي عليها البوكيركي الذي تعامل مع السكان تعاملا وحشيا يعمد إلى الخطف والحرق وحصار المدينة وحرمان السكان من متطلبات العيش و قد قرر بناء القلعة ولو بجماجم جثث المسلمين .
بعد احتلال هرمز تمرد بعض القادة على سياسة البوكيركي بتقديم شكوى ضده إلى الحاكم البرتغالي الذي أمره عام 1507 إلى مغادرة هرمز والتوجه إلى جزيرة سوقطرى لقضاء فصل الشتاء وفي طريق إبحاره أراد مهاجمة قلهات وهي منطقة مهمة تابعة لهرمز لكنه عدل عن قراره لضعفه وتخلي عدد من قادته وجنده فتوجه إلى "رأس غردافى" في القرن الأفريقي أوائل عام 1508م وهناك فكر في إخضاع البحر الأحمر للبرتغال لكنه عاد إلى سوقطرى التي جعلها قاعدة له ومنها إلى قلهات حيث نوى مهاجمتها وكان قائدها شرف الدين الذي كان متعاونا مع الخواجه عطاء ولقي البوكيركي مقاومة شديدة فنهب ودمر وحرق المسجد الزوارق.
أواخر سنة 1508م غادر البوكيركي إلى "طيوى" القريبة من مسقط ومنها إلى هرمز وحاصرها ورغم ما وجده من مقاومة شديدة، فلوث آبار المياه في جزيرة قشم وجزيرة لارك وبصمود المساندة من جلفار فشل البوكيركي مجددا في السيطرة على هرمز وعاد خائبا إلى الهند 1508 لمواجهة الاتهامات التي تقدم بها قادته المتمردون وساء وضعه في السجن من قبل الحاكم البرتغالي للهند مدة ثلاثة أشهر حتى جاءه الخلاص بتعيينه حاكما على الهند ولم يخمد حقده على هرمز لكن الرياح لم تساعده فتوجه إلى البحر الأحمر لتدمير أسطول سلطان مصرواحتل "غوا" وجعلهاى العاصمة البرتغالية للأمبراطورية الهندية اللاحقة ولم يخمد حقده على هرمز فظل يرسل قادته لتأمين القلعة وجمع الضرائب .
وعند سيطرته على " غوا" أرسل سفراء إلى ملك هرمز والشاه إسماعيل ملك فارس الذي كان له نفوذ على ملك هرمز.
لم بقف طموح البرتغال عند هذه الحدود بل تجاوزت إلى محاولة احتلال مكة.
انطلاقا من سنة 1513 بمحاولة البوكيركي احتلال عدن التي باءت بالفشل الذريع فتابع أسطوله نحو البحر الأحمر على أمل احتلال مناطق أخرى وجعتله صعوبة الإبحار يعجز عن ذلك ، فاضطر للتوجه نحو جزيرة "كمران" شمال اليمن لكنه فشل في التحرك نحو مكة، وحال دون تحقيق حلمه في احتلال الكعبة وهدم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.وحلمه الثاني تحويل مجرى نهر النيل عن مصر ، لكن الله سبحانه وتعالىقذف بأسطوله من " كمران " إلى خارج البحر وذلك بعاصفة شديدة جعلت سفنه ترسو على الساحل الأفريقي قبالة ميناء " زيلغ " التي دمّرها ورحل .
وبعد فشل البوركيكي أيقن أن الخيار الأفضل هو السيطرة على منطقة هرمز لذلك عاد إلى الهند سنة 1513 م.وبقي حلمه لاحتلال هرمز يراوده
لكن مساعدة الأتراك وسلاطين مصر لحاكم الهند المسلم أحبطت حلمه ، وقد تكررت حملاته على هرمز دون جدوى فكلفه ملك البرتغال باحتلال البحرين .
أكد الدكتور سلطان على فشل البرتغاليين في الوصول إلى مكة ، وكشفت مذكرات البوكركي خيبته في تحقيق حلمه الصليبي وهو احتلال مكة وهدم قبر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – ورغم استعانة البوكيركي بابن أخيه لكنه فشل في الوصول إلى البحرين بسبب رداءة الطقس ونفوذ الشاه إسماعيل على الجزيرة .ودفع هذا البوكيركي إلى العودة إلى هرمزسنة 1515 وكان حاكمها سيف الدين ووزيره خواجة عطاء الذي مات وناب عنه الريس نور الدين وبموت الملك سيف الدين خلفه أخوه الأصغر نوران شاه وبوصول البوكيركي إلى قريات سمع بسيطرة الريس حامد وأتباعه على القلعة .
وقد كلف البوكيركي ابن أخيه "بيرو البوكيركي" زيارة المنطقة لجناية المال واستكمال القلعة لمراقبة تحركات الأتراك. لكن جهود ابن أخيه مخيبة له. لم يجن المال والقلعة لم تستكمل وسيطرة الشاه إسماعيل على الجزيرة . فقرر البوكيركي العودة إلى هرمز لإنهاء الإضرابات فأبحر في فبراير 1515 في أسطول مجهز تجهيزاً قويا وصل إلى قريات ثم إلى مسقط ومنها إلى هرمز للقضاء على سطوة الريس حامد. وعندما وصل إلى هرمز في نهاية مارس 1515 استولى عليها وكان حاكمها سيف الدين ووزيره خواجة عطاء الذي خلفه الريس نور الدين بعد موته لدى حاكمها سيف الدين. وبعد موت سيف الدين ولى الملك أخوه " توران شاه" وضمّن الدكتور سلطان تفاصيل الصراع الداخلي بين الأسرة العربية الواحدة والصورة الدموية لهذا التكالب على الحكم دون مراعاة العدو المتربص بهم
وكان نور الدين طاعنا في السن وليس له وريث يخلفه لكنه عزّز وضعه بتقريب أهله ومن بينهم ابن أخيه خبير في الأمور العسكرية وهو الريس حامد من قواد الشاه إسماعيل الصفوي وعمل الريس حامد بنفس المبدأ، تقريب أهله وعشيرته لمناصب القيادة في المملكة وفكر الريس حامد في قلب الحكم وطلب من الملك منصب الوزارة التي كانت لخواجة عطاء لكنه أرسل كقائد أسطول ضد القراصنة باتفاق الملك والوزير الريس نور الدين.
ولكن الريس حامد عاد ليلا إلى قصر الملك واستعان بأخويه العاملين في القصر وساعداه على الهجوم على الملك ووضع سيفه على صدره وبعد توسل الملك وتنازله عن الملك اعتقل الريس حامد عمه الريس نور الدين وابنه وسيطر الريس حامد على هرمز ولم يترك للملك أي صلاحية إلا السجن.
وصل البوكيركي في هذه الأوضاع إلى قريات ثم إلى هرمز وبلغه ما حصل واستاء لسيطرة الريس حامد على القلعة وغاضه ذلك. وطلب لقاءه في قلعته باعتباره حاكم الهند ينوب عن البرتغال لكن الريس حامد أراد مقابلته في قصره وشكلت المفاوضات في مقر الاجتماع منحنى صداميا مما أدى إلى إعلان الريس حامد الحرب رافضا فكرة ذهاب ملك هرمز إلى قلعة البوكيركي الذي أصر على موقفه حتى تم الرضوخ له بشروط عدم حمل السلاح . ودبر البوكيركي حيلة في تسليح أعوانه وجنوده وتوزيعهم في مناطق خارج القلعة ، تخول لهم السيطرة على المدينة والإطاحة بالريس حامد الذي صدق البوكيركي وجاء مجردا هو وجنده من كل سلاح وبقي ملك هرمز خارج القلعة وأدخل الريس حامد بمفرده وسرعان ما عاجله القادة البرتغاليون بالطعن الشديد ، وقضي على الريس حامد ، وأخذ البوكيركي ملك هرمز جانبا وطمأنه وأمر بقذف جثمان الريس حامد في البحر . وثار أنصار الريس حامد وهددوا بالانتقام من الملك توران شاه وكان لهم ذلك ، وأثلج هذا الصراع بين الأسرة الواحدة صدر البوكيركي
و قد ساعد الملك توران شاه في إخماد المتمردين من أنصار الريس حامد وذلك بالخضوع التام له ولشروطه وأعيدت له هيمنته بعد موت الريس حامد وعبر الملك توران شاه عن عرفانه للبوكيركي وأقاما معا مراسم الاحتفال بعودة السيادة للملك . وسط هتاف الجماهير للبوكيركي الذي حرر ملكهم وأعاد إليه شرفه وعزه .
ودقق الدكتور سلطان قضية مناصرة القادة العرب للعدو اللدود البوكيركي الذي يتقنع بمظهر المنقذ ويخفي داخله نواياه الاستعمارية :" حضرت وفود كثيرة لتهنئة البوكيركي وتقديم الهدايا له على أفعاله ... فحضر هناك الشاه بندرالتجار علي الغافري من قلهات بأربع سفن محملة بالخيول ، وحضر كذلك شيخ جلفار وأمير " ريشهر " والأمير أبو صقر ، أما مندوب البحرين فقد حمل الهدايا للبوكيركي ".
وتنتهي الرواية بوفاة البوكيركي في " غوا " سنة 1515 وتختم بقولة الكاتب : "هل دفن الحقد معه ؟ أم أنه بقي سمة من سمات الاستعمار إلى يومنا هذا ؟ "
تؤكد رواية الحقد الدفين استلهام الدكتور سلطان من التاريخ ووقوفه بحكمته عند أدق التفاصيل مبرزا أن الرواية التاريخية حالة إبداعية ذات خصوصية واستراتيجية بنائية سردية- وهذا الاستلهام هو رحلة إلى مناخات درامية ذات دلالات ومغاز.
و رواية الحقد الدفين لا تنهل من التاريخ فحسب بل تعكس علاقات متباينة ومتصارعة. جسد فيها الدكتور سلطان جوهر القضية وهي خطط القوى الاستعمارية التي تحكمها مصالح الهيمنة والاستبداد.
ولقد نهض السرد ببناء الرواية معمقا حالة الصراع بين العرب المسلمين والقوى الاستعمارية البرتغالية الطامعة المتمثلة في شخصية البوكيركي الشرسة. وجاء وصف الشخوص من حيث ما لعبته من دور في خضم تلك الأحداث. مركزا على ملامحها النفسية لما لهذا من وظيفة غنية بالدلالة .
وقد استقطب الزمن الروائي الزمن التاريخي استقطابا كاملا لأحداثه المحكية بضمير الغائب بصورة مفصلة ودقيقة مما يرتفع بالنص إلى مجال المدار التوثيقي المنهجي . هذا وقد برهنت الرواية على مهارة في التحرك في الفضاء التاريخي وتطويع الشخصية للنهوض بدورها في حيز الفعل الروائي والنفاذ إلى فضاءات تربط بعمق العالم الداخلي للإنسان وبما يحمله فكره من هموم اجتماعية و إنسانية .
تعلن الرواية عن ثنائية الصراع المستمر عبر التاريخ ، وهما قطب مسلم وقطب مسيحي ، مع بروز ثنائية الحمية على الدين من قبل بعض القادة وغياب هذه الخصلة عند البعض . وهذا الصراع عالجه الدكتور سلطان في مسرحياته و يلح عليه لأنه علة الماضي والحاضر . كما تتجلى ثنائية الخيانة والإخلاص .
لقد تناغمت أبعاد العمل الإبداعي وسمات المعين التاريخي لتلامس الأبعاد الإنسانية والسياسية في أوضح صورها . وجاءت هذه الرواية من خلال عنوانها أو من خلال خاتمتها الاستفهامية ذات طاقة مؤثرة حاملة تلك الشحنة التعبيرية المحركة للشعور الديني وللوجدان . والمحرضة على الاعتداد بالذات والدفاع عن مقوماتها الأصيلة رغم كل التحديات .
كشفت رواية الحقد الدفين عن فترات مأساوية مرت بها الأمة العربية الإسلامية . وتحفز جيلنا على الالتحام وعدم الانقسام حتى لا نصبح مطمعا للعدو المتربص بنا .