| بدر شاكر السياب | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الخميس ديسمبر 10, 2009 12:08 pm | |
| حنين في روما يتثاءب جسمك في خلدي فتجنّ عروق عريان تزلّق في أبد تنهيه الرعشة فهي شروق في ليل الشهوة كل دمي يتحرق يلهث ينفجر و يقبّل ثغرك ألف فم في جسمي تنبتها سقر و أحنّ أتوق و أحس عبيرك في نفسي ينهد يدندن كالجرس ووليمة جسمك يا واها ما أشهاها يافجر الصيف إذا بردا يا دفء شتائي يا قبلا أتمناها أحيا منها و أموت بها و أضم الأمس أمسّ غدا و تعود اللحظة لي أبدا ما أنأى بيتك ما أنأى عينك بحار و جبال دم زمن جمدا ليعود مدى و أجنّ أثار فأحسّ عبيرك في نفسي ينهد يدندن كالجرس ما أسعدها ما أشقاها ؟ أرضي آسية العريانة أنا في روما أبكيها و أعيش بذكراها ألأنك فيها أهواها من جوع صغارك يا وطني أشبعت الغرب و غربانه صحراء من الدم تعوي ترجف مقرورة و مرابط خيل مهجورة و منازل تلهث أواها و مقابر ينشج موتاها و أحسّ عبيرك في نفسي ينهد يدندن كالجرس لو شئت لطيفك أوربا وطنا لحملت معي زادي و عبرت مرافئها و طويت شوارعها دربا دربا أسقيه الشمس و أطعمه قبلا و براعم أوراد لكنك أثبت في الشرق سأعود فأقطع سلّمنا وثبا لأضمّك يا أبد الشوق يانور المرفأ يهدي القلب إذا تاها ياقصة عنتر إذ تروى حول التنور فأحياها سأحسّ عبيرك في نفسي ينثال و يقرع كالجرس ** | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الخميس ديسمبر 10, 2009 12:12 pm | |
| في غابة الظلام عيناي تحرقان غابة الظلام بجمرتيهما اللتين منهما سقر ويفتح السهر مغالق الغيوب لي فلا أنام وأسير الأرض الى قرارهاالسحيق ألم في قبورها العظام فطالعتني كالسراج في لظى الحريق تكشيرة رهبية رهبية تليحها جمجمتي الكتيبه سخرية الالهبالأنام عيناي من سريري الوحيد تحدقان في المدى البعيد الليل وحش تطعنانه مع النجوم بخنجريهما وخنجر السحر الليل خترير الردى العنيد يشق خنجراهما اهابه الغشوم لأامح العراق مرغ القمر على ترابه البليل ضوءه الحزين وقلتا غيلان تومضان بالحنين يرقب من فراشه ذوائب الشجر أمضه السهاد عذبته زحمة الفكر أين من الطفولة السهاد والفكر عيناه في الظلام تسريان كالسفين بأي حقل تحلمان أيما نهر بعودة الأب الكسيح من قرارة الضريح أميت فيهتف المسيح من بعد أن يزحزح الحجر هلم يا عازر عيناه لظى وريح تحرق في أضالعي مضارب الغجر أليس يكفي أيها الآله أن الغناء غابي الحياه فتصبغ الحياة بالقتام تحلني بلا ردى حطام سفينة كسيرة تطفو على المياه هات الردى أريد أن أنام بين قبور أهلي البعثره وراء ليل المقبره رصاصة الرحمة يا اله | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الخميس ديسمبر 10, 2009 12:18 pm | |
| سفر أيوب ( 5 ) نازلا نازلا من صحارى السماء من عصور جليديّة من قبور نام فيها الهواء أيها الثلج يا حشرجات الدهور و انتحاب المساكين في كل كهف يغور في جبال السنين كن لهيبا على أوجه العابرين قنّع الخوف فيها بلون الرجاء ** أيّها الثلج رحماك إني غريب في بلاد من البرد و الجوع سكرى إن لي منزلا في العراق الحبيب صبيتي فيه تعلك صخرا آه لولاك يا داء ما عفت داري ما تركت الزهور التي فتحت في جداري و العصافير في ركن بيتي لهن اختصام مر يوم فشهر فعام ** و الزمان ارتماء بدون انتهاء تزفر الأرض عنه و تبكي السماء رب هل لي إلى منزلي من رجوع كم أمد الذراع و أهدم سقف الضلوع لا أمسّ المدى أو أصيب الزمانا فهو شيء على الروح يسعى هباء و ظلمة ليت عصر النبوّات لم يطو حلمه وشت المعجزات الحواشي فكانت و كنا ** ليتني العازر انفضّ عنه الحمام يسلك الدرب عند الغروب يتمهّل لا يقرع الباب من ذا يؤوب من سراديب للموت عبر الظلام لن تصدّق أنّي ستهوي يداها عن رتاج و تصفرّ لي وجنتاها ثم تركض مذعورة تشدّ بخيط الدروب نحو قبري و تطويه حتى تمسّ الضريح الحطام ** إيه إقبال لا تيأسي من رجوعي هاتفا قبل أن أقرع الباب عادا عازر من بلاد الدجى و الدموع قبليني على جبهة صكّها الموت صكّا أليما حدّقي في عيون شهدن الردى و المعادا عدت لن أبرح الدار حتى لو أنّ النجوما دحرجت سلّما من ضياء و قالت تخطّ السديما | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الخميس ديسمبر 10, 2009 12:22 pm | |
| الموعد الثالث فر النهار من البيوت النائيات إلى السحاب من شرفة زرقاء تحلم بالكواكب و الضباب من مقلتين على الطريق و مقلتين على كتاب الدرب تحرقه النوافذ و النجوم المستسرة سكران تزحمه الظلال و تشرب الأوهام خمره هيهات لا تأتي و تهمس فيم تأتي شبه فكرة ** قد أذكرتني مقلتاك رؤى رسبن إلى الظلام زرقاء تسبح في ضباب من شحوب و ابتسام الليلة القمراء تركض بين أشباح الغمام ** أفق يذوب على الحنين يكاد يغرق في صفائه يطويه ظل من جناح ضاع فيه صدى غنائه أهدابك السوداء تحملني فأومض في انطفائه ** من أنت؟! سوف تمر تمر أيامي و أنسجها ستارا هيهات تحرقه شفاهك و هي تستعر استعارا لا تلمسيه فأنت ظل ليس يخترق القرارا ** مات الفضاء سوى بقايا من مصابيح الطريق مبهورة الأضواء تنصب في جداول من بريق صفراء تخنقها الظلال على فم الليل العميق ** فيم انتظاري كالفراغ و فيم يأسي كالرماد؟ لن يسمع الدرب الملول و إن أصاخ سوى فؤادي أماد فؤادك ويح نفسي أين أنت؟ و من أنادي ؟ | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:15 pm | |
| الشاهدة يا قارئا كتابي ابك على شبابي شاهدة بين القبور تبكي تستوقف العابر يا صحابي غضوا الخطى و لتصمتوا إن القرون تحكي في جملة خطت على التراب من نام في القبر ودود القبر يسأل لا ينطق بالجواب سيان عنده ائتلاق الفجر و ظلمة الليل بلا ثياب بلا طعام لا هوى لا حقد أفقر أهل الفقر فيه و أغنى الأغنياء تعدو في قبره الجرذان و هو غاف نام من الديدان في لحاف ** لي نومة مع التراب في غد صباحها أول ليل الأبد يمر بي الشيوخ و الشبان يثرثرون يدها فوق يدي و عينها وينفث الدخان رب فتى مورّد يقرأ من شعري على الصحاب يقرأ في كتابي قصيدة خضراء عن جيكور غافية تحت غصون النور تحلم بالسحاب مرّ على قبري فقال قبر و أين من هذا الرميم الشعر يدفق بالعواطف كهبّة العواصف القواصف مر على قبري فكاد الصّخر يصرخ تحتي نام هذا الشاعر صاحب هذه القوافي يسمع ما قلتموه فالعيون تدمع في عالم لا يرجع المسافر منه و لا للنوم فيه آخر رفقا به دعوه في رقدته تؤنسه الديوان في وحدته كان له قلب و كان أمس حتى إذا استنزف من مدته توسد الترابا لا تقرأوا الكتابا ثمّ تغيب الشمس . | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:17 pm | |
| في الليل الغرفة موصدة الباب والصمت عميق وستائر شباكي مرخاة رب طريق يتنصت لي يترصد بي خلف الشباك وأثوابي كمفزع بستان سود أعطاها الباب المرصود نفسا ذربها حسا فتكاد تفيق من ذاك الموت و تهمس بي و الصمت عميق لم يبق صديق ليزورك في الليل الكابي و الغرفة موصدة الباب و لبست ثيابي في الوهم و سريت ستلقاني امي في تلك المقبرة الثكلى ستقول اتقتحم الليلا من دون رفيق جوعان أتأأكل من زادي خروب المقبرة الصادي و الماء ستنهله نهلا من صدر الارض الا ترمي اثوابك و البس من كفني لم يبل عن مر الزمن عزريل الحائك اذ يبلى يرفوه تعال و نم عندي اعددت فراشا في لحدي لك يا اغلى من اشواقي للشمس لامواه النهر كسلى تجري لهتاف الديك اذا دوى في الافاق في يوم الحشر سآخذ دربي في الوهم و أسير فتلقاني أمي | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:19 pm | |
| الشاعر الرجيم حملت للنزال سيفك الصديء يهتز في يد تكاد تحرق السماء من دمها المتقد المضيء تريد أن تمزق الهواء وتجمع النساء في امرأة شفاهها دم على جليد و جسمها المخاتل البليد أفعى إذا مشت وسادة على الفراش لا تريد أن تفتح الكوى ليدخل الضيّاء كي لا تحسّ أنها خواء و يرفع الشّرق أمام عينك الستور توشك أن تعانق الجمال عند سدّة الإله تكاد أن تراه يهفّ وسط غيمة من عبق و نور تراه في حلمه نهد توقد النجوم بحمرة لها أريته يقوم من قبره تحمله سحابة الدّخان ينام تحت ظلّها الفقير و الشريد فهو أمير حوله الكؤوس و القيان و بيته العتيد جزيرة من جزر المرجان كأن بحرا غاسلا لسبوس بالأجاج تشربه روحك من صدى إلى القرار كأن سافو أورثتك من العروق نار و أنت لا تضم غير حلمك الأبيد كمن يضم طيفه المطلّ من زجاج حرقة نرسيس و تنتلوس و الثمار كأن أفريقية الفاترة الكسول ( أنهارها العراض و الطبول وغابها الثقيل بالظلال و المطر وقيظها الندى و القمر ) تكورت في امرأة خليعة العذار رضعت منها السمّ و اللهيب قطرت فيها سمّك الغريب كأنّها سحابة الدخان و الخدر أقمت منها بين عالم تشده نوابض النضار و بين عالم من الخيال و الفكر من نشوة جدار تقبع خلف ظله فلا ينالك البشر دخلت من كتابك الأثيم حديقة الدم التي تؤج بالزّهر شربت من حروفه سلافة الجحيم كأنّها أثداء ذئبة على القفار حليبها سعار وفيئها نعيم غرقت فيه صكّني العباب يقذفني من شاطئ لشاطئ قديم حملت من قراره محارة العذاب حملتها إليك فمدّ لي يديك وزحزح الصخور و التراب . | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:20 pm | |
| ثعلب الموت كم يمضّ الفؤاد أن يصبح الإنسان صيدا لرمية الصياد مثل أيّ الظباء أيّ العصافير ضعيفا قابعا في ارتعادة الخوف يختضّ ارتياعا لأن ظلا مخفيا يرتمي ثمّ يرتمي في اتّئاد ثعلب الموت فارس الموت عزرائيل يدنو و يشحذ النصل . أه منه آه يصكّ أسنانه الجوعى و يرنو مهددا يا إلهي ليت أن الحياة كانت فناء قبل هذا الفناء هذي النهاية ليت هذا الختام كان ابتداء واعذاباه إذ ترى أعين الأطفال هذا المهدد المستبيحا صابغا بالدماء كفّيه في عينيه نار و بين فكيه نار كم تلوّت أكفّهم و استجاروا و هو يدنو كأنه احتثّ ريحا مستبيحا مستبيحا مهدّدا مستبيحا من رآها دجاجة الريف إذ يمسي عليها المساء في بستانه حين ينسل نحوها الثعلب الفرّاس يا للصريف من أسنانه و هي تختص شلّها الرعب أبقاها بحيث الردى كأنّ الدروب استلّها مارد كأنّ النيوبا سور بغداد موصد الباب لا منجى لديه و لا خلاص ينال هكذا نحن حينما يقبل الصياد عزريل رجفة فاغتيال | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:23 pm | |
| المعبد الغريق خيول الريح تصهل و المرافىء يلمس الغرب صواريها بشمس من دم و نوافذ الحانة تراقص من وراء خصاصها سرج و جمع نفسه الشّرب بخيط من خيوط الخوف مشدودا إلى قنينة و يمدّ آذانه إلى المتلاطم الهدّار عند نوافذ الحانة و حدّث و هو يهمس جاحظ العينين مرتعدا يعبّ الخمر شيخ عن دجى ضاف و أدغال تلامح وسطها قمر البحيرة يلثم العمدا يمسّ الباب من جنبات ذاك المعبد الخالي طواه الماء في غلس البحيرة بين أحراش مبعثرة و أدغال هنالك قبل ألف حين مج لظاه من سقر فم يتفتّح البركان عنه فتنفض الحمّى قرارة كل ما في الواد من حجر على حجر تفجّر باللظى رحم البحيرة ينثر الأسماك و الدم مرغيا سمّا وقر عليه كلكل معبد عصفت به الحمّى تطفّأ في المباخر جمرها و توهج الذّهب ولاح الدرّ و الياقوت أثمارا من النور نجوما في سماء تزحف دونها السّحب تمرغ فوقها التمساح ثم طفا على السّور ليحرس كنزه الأبدي حتى عن يد الظلماء و النور و أرسى الأخطبوط فنار موت يرصد البابا سجا في عينه الصوراء صبح كان في الأزل تهزّأ بالزمان يمرّ ليل بعد ليل و هو ما غابا ففيم غرور هذا الهالك الإنسان هذا الحاضر المشدود بالأرجل ؟ أعمّر ألف عام ؟ ليته شهد الخلائق و هي تعبر شرفة الأزل ألا يا ليته شهد السلاحف تسحق الدّنيا قياصرها و يمنع درعها ما صوّب الزمن إليها من سهام الموت لكنّ الذي يحيا بقلب يعبر الآباد يكسر حدّه الوهن فيصمت عمره أزل يمس حدوده أبد من الأكوان في دنيا هنالك ألف كنز من كنوز العالم الغرقى ستشبع ألف طفل جائع و تقيل آلافا من الداء و تنقذ ألف شعّب من يد الجلاّد لو ترقى إلى فلك الضمير أكل هذا المال في دنيا الأرقاء و لا يتحررون ؟ و كيف و هو يصفّد الأعناق يربطها إلى الداء كأن الماء في ثبج البحيرة يمنع الزّمنا فلا يتقحم الأغوار لا يخطو إلى الغرف كأن على رتاج الباب طلسمه فلا وسنا ولكن يقظة أبد و لا موت يحدّ حدود ذاك الحاضر الترف كأن تهجّد الكهّان نبع في ضمير الماء يدفق منه للغرف إذن ما عاد من سفر إلى أهليه عوليس إذن فشراعه الخفاق يزرع فائر الأمواج بما حسب الشهور وعدّ حتى هدّه البؤس فيا عوليس شاب فتاك مبسم زوجك الوهّاج غدا حطبا ففيم تعود تفري نحو أهلك أضلع الأمواج هلم فماء شيني في انتظارك يحبس الأنفاس فما جرحته نقرة طائر أو عكرته أنامل النّسم هلم فانّ وحشا فيه يحلم فيك دون الناس و يخشى أن تفجّر عينه الحمراء بالظلم و أن كنوزه العذراء تسأل عن شراعك خافق النسم أما فجعتك في طروادة الآهات من جرحي و محتضرين يا لدم أريق فلطّخ الجدران وردّ ترابها الظمآن طينا ردّه جرحا كبيرا واحدا جرحا تفتح في حشا الإنسان ليصرخ بالسماء فيا لصوت ردّدته نوافذ الحجرات و الجدران لأجل فجور أنثى و اتّقاد متوّج بالثار تخصب من دم المهجات حتى سلّم الأفق وحل بلا أوان يومنا و تساوت الأعمار كزرع منه ساوى منجل وهناك في الشفق تنوح نساؤنا المترمّلات يولول الأطفال عند مدارج الأفق هلم فقد شهدت كما شهدت دما و أشلاءا تفجّر في بلادي قمقم ملأته بالنار دهور الجوع و الحرمان أي خليقة قاءا ؟ رأينا أنّ أفئدة التتار و أذؤب الغار أرقّ من الرعاع القالعين نواظر الأطفال و الشاوين بالنار شفاه الحلمة العذراء يا نهرا من الحقد تدفّق بالخناجر و العصي بأعين غضبى نجوما في سماء شدها قابيل بالزند فليتك حين هزّ الموصل الأعصار ( لا دربا و لا بيتا و لا قبرا نجا فيها ) شهدت الأعين الغضبى و ليتك في قطار مر حين تنفس السحر فقصّ على سرير السكة الممدود أمراسا تعلق في نهايتهنّ جسم يحصد النّظر عليه الجرح بعد الجرح بعد الجرح أكداسا ليهوي جسم حفصة لابسا فوق النجيع دما و أمراسا و فيم نخاف في ثبج البحيرة أو حفافيها كواسج ضاريات أو تماسيح التظت لهبا نواجذها الحديدة فيم تخشى كل ما فيها فإن عقارب الرقّاع يضمر سمّها العطبا وتزرع في الجسوم أزاهر الدم و الجراح بلا دم لهبا هلم نشقّ في الباهنج حقل الماء بالمجذاف و ننثر أنجم الظلماء نسقطها إلى القاع حصى ما ميزته العين فيروزه الرفّاف و لؤلؤه المنقّط بالظلام سنرعب الراعي فيهرع بالخراف إلى الحظيرة خوف أن يغرقن في القاع هلم فليل آسية البعيد مداه يدعونا بصوت من نعاس من ردى من سجع كهان هلمّ فما يزال الدهر بين أيدينا لنطو دجاه قبل طلوع شمس دون ألوان تبدد عالم الأحلام تخفت إذ يرن التبر فيها سجع كهان ** يجول التبر فيها مثل وحش يأكل الموتى و يشرب من دم الأحياء يسرق زاد أطفال ليتقد اللظى في عينه ليعيره صوتا يحطّم صوت كل الأنبياء هناك يا لرنين أغلال و يا لصدى من الساعات بالأكفان مسّ رؤوس أطفال وفلّ عناق كل العاشقين و دسّ في القبلة مدى من حشرجات الموت ردّ أصابع الأيدي أشاجع غاب عنها لحمها و ستائر الكله يحوّلها صفائح تحتها جثث بلا جلد هلمّ فبعد ما لمح المجوس الكوكب الوهّاج تبسط نحوه الأيدي و لا ملأت حراء و صبحة الآلات و السّور هلمّ فما يزال زيوس يصبغ قمّة الجبل بخمرته و يرسل ألف نسر نز من أحداقها الشرر لتخطف من يدير الخمر يحمل أكؤس الصهباء و العسل هلمّ نزور آلهة البحيرة ثم نرفعها لتسكن قمّة الجبل . | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:24 pm | |
| حميد حميد أخي في البلاء الكبير فقد كان مثلي كسيحا يدب بكرسيه مستريحا تساءلت عنه فقالوا يسير على قدميه فقد عاد روحا لقد مات يا ويلنا للمصير ينام ورجلاه مطويتان شهوودا على الداء في قبره إذا ما رأى الله رأي العيان وقد سار زحفا على صدره فأي انسحاق و أي انكسار يشعان من عينه الضارعة سيبكى له الله من رحمة و اعتذار و في الساعة السابعة إذا ذرت الريح ورد الغروب سأجلس في الشرفة الخالية و من تحتي الدرب يخفق مأى يذوب ألوف من الأرجل الماشية إلى أي مبغى وراء الدروب و خمارة في الدجى نائية إلى اللغو و القهقهات الكذوب و ألمح فيما وراء الظلال حميدا و كرسية في الخيال فتخنقني اللوعة الباكية فأواه لو توقدين الشموع لدى مسجد القرية المترب تمد من النور خيطا تعلق فيه الدموع و لو تضرعين مع المغرب إلى الله يا رب رفقا بطفلي الصغير و ابق أباه و جنبه يا رب هذا المصير و لكنني مت واحسرتاه | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:27 pm | |
| غارسيا لوركا في قلبه تنّور النار فيه تطعم الجياع و الماء من جحيمه يفور طوفانه يطهّر الأرض من الشرور و مقلتاه تنسجان من لظى شراع تجمعان من مغازل المطر خيوطه و من عيون تقدح الشرر و من ثدي الأمهات ساعة الرضاع و من مدى تسيل منها الثمر و من مدى للقابلات تقطع السرر و من مدى الغزاة و هي تمضغ الشعاع شراعه الندي كالقمر شراعه القوي كالحجر شراعه السريع مثل لمحة البصر شراعه الأخضر كالربيع الأحمر الخضيب من نجيع كأنه زورق طفل مزّق الكتاب يملأ مما فيه بالزوارق النهر كأنه شراع كولمبس في العباب كأنه القدر | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:29 pm | |
| احتراق و حتى حين أصهر جسمك الحجريّ في ناري و أنزع من يديك الثلج تبقى بين عينينا صحارى من ثلوج تنهك الساري كأنك تنظرين إليّ من سدم و أقمار كأنّا منذ كنّا في انتظار ما تلاقينا و لكن انتظار الحبّ لقيا أين لقيانا ؟ تمزق جسمك العاري تمزق تحت سقف الليل نهدك بين أظفاري تمزق كل شيء من لهيبي غير أستار تحجّب فيك ما أهواه كأني أشرب الدم منك ملحا ظلّ عطشانا من استسقاه أين هواك ؟ أين فؤادك العاري ؟ أسد عليك باب الليل ثم أعانق البابا فألثم فيه ظلي ذكرياتي بعض أسراري و أبحث عنك في ناري فلا ألقاك لا ألقى رمادك في اللظى الواري سأقدف كل نفسي في لظاها كل ما غابا و ما حضرا أريدك فاقتليني كي أحسّك واقتلي الحجرا بفيض دم بنار منك و احترقي بلا نار ؟ | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:31 pm | |
| الباب تقرعه الرياح الباب ما قرعته غير الريح في الليل العميق الباب ما قرعته كفك أين كفك و الطريق ناء بحار بيننا مدن صحارى من ظلام الريح تحمل لي صدى القبلات منها كالحريق من نخلة يعدو إلى أخرى و يزهو في الغمام الباب ما قرعته غير الريح آه لعل روحا في الرياح هامت تمر على المرافيء أو محطات القطار لتسائل الغرباء عني عن غريب أمس راح يمشي على قدمين و هو اليوم يزحف في انكسار هي روح أمي هزها الحب العميق حب الأمومة فهي تبكي آه يا ولدي البعيد عن الديار ويلاه كيف تعود وحدك لا دليل و لا رفيق أماه ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار لا باب فيه لكي أدق و لا نوافذ في الجدار كيف انطلقت على طريق لا يعود السائرون من ظلمة صفراء فيه كأنها غسق البحار كيف انطلقت بلا وداع فالصغار يولولون يتراكضنون على الطريق و يفزعون فيرجعون و يسائلون الليل عنك و هم لعودك في انتظار الباب تقرعه الرياح لعل روحا منك زار هذا الغريب هو ابنك السهران يحرقه الحنين أماه ليتك ترجعين شبحا و كيف أخاف منه و ما امحت رغم السنين قسمات وجهك من خيالي أين أنت أتسمعين صرخات قلبي و هو يذبحه الحنين إلى العراق الباب تقرعه الرياح تهب من أبد الفراق من ليالي السهاد 1- ليلة في لندن كما ينسل نور خائف من فرجة الباب إلى الظلماء في غرفة سمعت هتافه المجروح يعبر نحوي الشرفه ليرفع من سماوة لندن الليل المطل بلونه الكابي على الطرقات ترقد في دثار الثلج ملتفه و أمس سمعت في إيران صوت الديك في الفجر و من أفق المنائر في الكويت وزرقه البحر أهاب فرش جفني بالنعاس ( رنين أكواب بماء البصرة الرقراق تملأ ثم تسقيني ) نداء راح ينثره المؤذن أطفيء الفانوس رف ضياؤه رفه وبعثره الظلام و ليلي الأواه في بيروت يحييني لأبصر فيه وجه الموت راح يذيبه نبع من اللهفه تدفق من فؤاد البلبل المسكوب بين غصون لبلاب ليال من عذاب من سنام لست أنساها غريبا كنت حتى حين أحلم لست في جيكور و لا بغداد أمشي في صحارى قلبي المسعور يريد الماء فيها ماء أين الماء و هي تريه أفواها على آفاقها الربداء ظمآى تشرب الديجور فلا تروى أأقصى العمر في صحراء في ليل من العطش أفتش عن عيون الماء عن إشراقه الغبش كأعمى نال منه السكر صاح ورفرفت كفاه بين مساند الماخور ليبحث عن رفيق أين جاري أين داري أين أواها أميرتي التي كانت تناولني كؤوس النور فيبصر قلبي الدنيا و يلقاها كأن الصبح أشرق في العراق و تعبر الرؤيا بحارا بي و تطوي ألف درب في الدجى تاها تراجع عالم و أطل ثان عالم يحيا على الأقمار تولد ثم تكمل ثم تندثر و ما لبس الجديد بغير يوم العيد يدخر ويجمع ثم ينفق ثم يضحك و هو يفتخر بأن الله يرزق حين يرزق هكذا الدنيا شتاء ثم صيف ليس في جيكور محتكر و لا فيها مصارف أو جرائد ليل كوريا يرى شفقا من النيرا فالنيران فيها حين تستعر تضيء لحى الشيوخ يحدثون و أعين النسوه تحدق في الطعام و ترقب الأطفال في نشوة أعدني يا إله الشرق و الصحراء و النخل إلى أيامي الحلوة إلى داري إلى غيلان ألثمه إلى أهلي | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:33 pm | |
| لوي مكنيس أتى نعيه اليوم جاب الديار و جاب المحيطات حتى أتاني فلم تجر بالأدمع المقلتان فقد غاغلت من دمي في القرار أبي مات لم أبك حزنا عليه و إن جن قلبي من الهم و انهد شوقا إليه نعته إلينا مجله نهاة مقال حزين نعته لنا آدميا مؤله سماواته الشعر يصرخ بالغافلين و أحسست بالشوق ( المدمنين إلى جرعة من طلى ظامئين إلى شعره لأحرق قربان وجد و حب فؤادي في جمرة و لكن ديوانه دفينا غدا بين أكداس كتب تلص العناكب ألوانه و يقرأه الصمت للآخرين و من لي بإخراج كنز دفين تهاوى عليه الحجار كسيح أنا اليوم كالميتين أنادي فتعوي ذئاب الصدى في القفار كسيح كسيح و ما من مسيح و تقرع للصدى في الضباب أمن بعد عشرين مثل الحراب يمزقن جنبي مثل النضال ارجى ادكارا لأبياته وهل يتذكر طفل ملامح أمواته وقد بعثرتها صروف الليالي و بين المحبين زوجين عادا يدحرج شاي الصباح صحارى يضيع الصدى في دجاها الفساح و عند المساء تقوم الجريدة جدارا يدقانه بالأكف الوحيدة فتضحك إذ يضربان الرياح و ما بين زوجي و بيني خواء فليت الصحارى و ليت الجدار توحد ما بين زوجي و بيني ببرد الشتاء وصمت الحجار و يا ليتي مت إن السعيد من اطرح العبء عن ظهره وسار إلى قبره ليولد في موته من جديد | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:35 pm | |
| سوبروس ليعو سربروس في الدروب في بابل الحزينة المهدمة و يملأ الفضاء زمزمه يمزق الصغار بالنيوب يقضم العظام و يشرب القلوب عيناه نيزكان في الظلام و شدقه الرهيب موجتان من مدى تخبئ الردى أشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق يؤجّ في العراق ليعو سربروس في الدروب و ينبش التراب عن إلهنا الدفين تموزنا الطعين يأكله يمص عينيه إلى القرار يقصم صلبه القوي يحطم الجرار بين يديه ينثر الورود و الشقيق أواه لو يفيق إلهنا الفتيّ لو يبرعم الحقول لو ينثر البيادر النضار في السهول لو ينتضي الحسام لو يفجر الرعود و البروق و المطر و يطلق السيول من يديه آه لو يؤوب لحافنا التراب فوقه من القمر دم و من نهود نسوة العراق طين و نحن إذ نبضّ من مغاور السنين نرى العراق يسأل الصغار في قراه ما القمح ما الثمر ما الماء ما المهود ما الإله ما البشر فكل مانراه دم يتر أو حبال فيه أو حفر أكانت الحياة أحب أن تعاش و الصغار آمنين أكانت الحقول تزهر أكانت السماء تمطر أكانت النساء و الرجال مؤمنين بأنّ في السماء قوة تدبر تحسّ تسمع الشكاة تبصر ترقّ ترحم الضّعاف تغفرالذنوب أكانت القلوب أرق و النفوس بالصفاء تقطر و أقبلت إلهة الحصاد رفيقة الزهور و المياه و الطيوب عشتار ربّة الشمال و الجنوب تسير في السهول و الوهاد تسير في الدروب تلقط منها لحم تموز إذا انتثر تلمه في سله كأنه الثمر لكنّ سربروس بابل الجحيم يحب في الدروب خلفها و يركض يمزق النعال في أقدامها يعضعض سيقانها اللدان ينهش اليدين أو يمزّق الرداء يلوث الوشاح بالدم القديم يمزج الدم الجديد بالعواء ليعو سربروس في الدروب لينهش الألهة الحزينة الألهة المروّعة فإن من دمائها ستخضب الحبوب سينبت الإله فالشرائح الموزّعة تجمعت تململت سيولد الضياء من رحم ينزّ بالدماء | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:37 pm | |
| ملال -1- أضيئي لغيري فكل الدروب سواء على المقلة الشاردة سأمضي إلى مجهل لا أؤوب فإن عادت الجثة البارده فألقي على الأعين الخاويات طيب السماء لعل الرؤى الخابيات إذا مس أطرافهن الضياء يخبرن عن ذلك المجهل: عن الريح و الغاب و الجدول أضيئي لها يا نجوم ! ** -2- سأهواك حتى نداء بعيد تلاشت على قهقهات الزمان بقاياه في ظلمة في مكان و ظل الصدى في خيالي يعيد سأهواك حتى سأهوى نواح كما أعولت في الظلام الرياح سأهواك حتى سـ.... يا للصدى أصيخي إلى الساعة النائية سأهواك حتى بقايا رنين تحدين دقاتها العاتية تحدين حتى الغدا سأهواك ما أكذب العاشقين ! سأهوا نعم تصدقين ** -3- ظلام و تحت الظلام المخيف ذراعان تستقبلان الفضاء أبعد اصفرار الخريف تريدين ألا يجيء الشتاء؟ لقاء و أين الهوى يا لقاء؟! عويل من القرية النائية وشيح ينادى فتاة الغريق بهذا الطريق و ذاك الطريق و يمشي إلى الضفة الخالية يسائل عنه المياه و يصرخ بالنهر يدعو فتاه و مصباحه الشاحب يغني سدى زيته الناضب محال يراه و يحنو على الصفحة القاتمة يحدق في لهفة عارمة فما صادفت مقلتاه سوى وجهه المكفهر الحزين ترجرجه رعشة في المياه تغمغم لا لن تراه ** -4- أحقا نسيت اللقاء الأخير أحقا نسيت اللقاء ... ؟ أكان الهوى حلم صيف قصير خبا في جليد الشتاء خبا في جليد و ظل الصدى في خيالي يعيد خبا في جليد خبا في جليد و يا رب حلم يهيل الزمان عليه الرؤى و السنين الثقال فتمضي و يبقى شحوب الهلال يلون بالأرجوان شحوب النجوم وصمت القمر ويومض في كل حلم جديد شحوب الهلال و ظل الشجر وطيف الشراع البعيد ؟
| |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:39 pm | |
| عينان زرقاوان عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير أرنو فينساب الخيال و ينصب القلب الكسير و أغيب في نغم يذوب.. و في غمائم من عبير بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير ناء.. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير يمضي على مهل و أسمع همستين.. وأستدير فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير حسناء يا ظل الربيع, مللت أشباح الشتاء سوداً تطل من النوافذ كلما عبس المساء حسناء.. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء.. لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء زرقاء ساجية.. و أن النور من صنع النساء هي نظرة من مقلتيك و بسمة تعد اللقاء و يضيء يومي عن غدي, وتفر أشباح الشتاء ** عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال ساج تلثم بالسكون فلا حفبف و لا انثيال إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال.. في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال, وغفا الزمان.. فلا صباح ..و لا مساء و لا زوال! أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال: عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال ! | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:41 pm | |
| في ليالي الخريف في ليالي الخريف الحزين حين يطغى علي الحنين كالضباب الثقيل في زوايا الطريق في زوايا الطريق الطويل حين أخلو و هذا السكون العميق توقد الذكريات بابتساماتك الشاحبات كل أضواء ذاك الطريق البعيد حيث كان اللقاء في سكون المساء هل يعود الهوى من جديد ؟ عاهديني إذا عاد .. يا للعذاب عاهديني و مرت بقايا رياح بالوريقات في حيرة و اكتئاب ثم تهوي حيال السراج الحزين انتهينا.. أما تذكرين؟ انتهينا.. و جاء الصباح يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه و انحلال العناق الطويل أين آلام يوم الرحيل؟ أين لا لست أنساك و احسرتاه؟ ** في ليالي الخريف حين أصغي و لا شيء غير الحفيف ناحلاً كانتحاب السجين خاف أن يوقظ النائمين فانتحى في الظلام يرقب الأنم النائيات حجبتها بقايا غمام فاستبدت به الذكريات الغناء البعيد البعيد في ليالي الحصاد أوجه النسوة الجائعات ثم يعلو رنين الحديد يسلب البائس الرقاد ! في ليالي الخريف حين أصغي و قد مات حتى الحفيف و الهواء - تعزف الأمسيات البعاد في اكتئاب يثير البكاء شهرزاد في خيالي فيطغى علي الحنين أين كنا؟! أما تذكرين أين كنا ؟! أما تذكرين المساء؟! ** في ليالي الخريف الطوال آه لو تعلمين كيف يطغى علي الأسى و الملال؟! في ضلوعي ظلام القبور السجين في ضلوعي يصبح الردى بالتراب الذي كان أمي: غدا سوف يأتي فلا تقلقي بالنحيب عالم الموت حيث السكون الرهيب! سوف أمضي كما جئت واحسرتاه سوف أمضي و ما زال تحت السماء مستبدون يستنزفون الدماء سوف أمضي و تبقى عيون الطغاة تستمد البريق من جذى كل بيت حريق و التماع الحراب في الصحارى و من أعين الجائعين سوف أمضي و تبقى فيا للعذاب! سوف تحيين بعدي ، و تستمتعين بالهوى من جديد سوف أنسى و تنسين إلاّ صدى من نشيد في شفاه الضحايا -وإلا الردى . | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:44 pm | |
| ابن الشهيد و تراجع الطوفان لملم كل أذيال المياه و تكشفت قمم التلال سفوحها و قرى السهول أكواخها و بيوتها خرب تناثر في فلاة عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول فيما يحيط بهن من شجر فآه آه على بلدي عراقي : أثمر الدم في الحقول حسكا و خلف جرحة التتري ندبا في ثراه يا للقبور كأن عاليها غدا سفلا و غار إلى الظلام مثل البذور تنام في ظلم الثمار و لا تفيق يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق جثث هنا ودم هناك وفي بيوت النمل مدّ من الجفون سقف يقرمده النجيع و في الزوايا صفر العظام من الحنايا ماذا تخلف في العراق سوى الكآبه و الجنون أرأيت أرملة الشهيد الزوج مد عليه من ترب لحافا ثم نام متمددا بأشد ما تجد العظام من فسحة سكنت يداه على الأضالع و العيون تغفو إلى أبد الإله إلى القيامة في سلام رمت الرداء العسكري و نشرته على الوصيد لثمته فانتفض القماش يرد برد الموت برد المظلمات من القبور يا فكرها عجبا ثقبت بنارك الأبد البعيد يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومّك من دهور الثأر يصرخ كل عرق كل باب في الدار يا لفم تفتّح كالجحيم من الصخور من كل ردن في الرداء من النوافذ و الستور من عيني ابنك يا شهيد تسائلان بلا جواب عنك الأسرة و الدروب و تسألان عن المصير مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك الأثير و يداه في الردنين ضائعتان و الصدر الصغير في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب ورنا إلى المرآة أبصرت فيه شخصك في الثياب أبني كان أبوك نبعا من لهيب من حديد سوراً من الدم و الرعود ورماه بالأجل العميل فخر واها كالشهاب لكن لمحا منه شع وفض أختام الحدود و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد و كأن في أفق العروبة منه خيطا من رغاب و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه فرأى القبور يهب موتاهن فوجا بعد فوج أكفانها هرئت و لكن الذي فيها يضم إليه أمسه ويصيح يا للثار يا للثار يصدي كل فج و ترنّ أقيبة المساجد و المآذن بالنداء و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء . | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:46 pm | |
| في انتظار رسالة و ذكرتها فبكيت من المي كالماء يصعد من قرار الارض نز الى العيون دمي و تحرقت قطراته المتلاحقات لتستحيل الى دموع يخنقني فأصك اسناني لتنقذف الضلوع موجا تحطم فوقهن و ذاب في العدم دخان في القلب يصعد ضباب من الروح يصعد دخان ضباب و انت انخطاف وراء البحار و انت انتحاب و نوح من القلب كالمد يصعد ودمع تجمد و غصت به الاه في الحنجره ذكرتك يا كل روحي و يا دفئ قلبي اذ الليل يبرد و يا روضة تحت ضوء النجوم بقداها مزهره و ذكرت كلتنا يهف بها و يسبح في مداها قمر تحير كالفراشة و النجوم على النجوم دندن كالاجراس فيها كالزنابق اذ تعوم على المياه و فضض القمر المياها و كأن جسمك زورق الحب المحمل بالطيوب و الدفء وز المجداف همس في المياه يرن آها فآها و النعاس يسيل منك على الجنوب فينام فيه النخل تلتمع السطوح بنومهن إلى الصباح أواه ما أحلاك نام النور فيك و نمت فيه و الليل ماء و النباح مثل الحصى ينداح فيه و أنت أول وارديه هو الصيف يلثم شط العراق بغيماته ذاب فيها القمر و توشك تسبح بيض النجوم لولا برودة ماء النهر و هف شراع لأضلاعه في الهواء اصطفاق و غنى مغن وراء النخل يغمغم يا ليل طال السهر و طال الفراق كأن جميع قلوب العراق تنادي تريد انهمار المطر و صعدت نحوك و النعاس رياح فاترات تحمل الورقا لتمس شعرك و النهود به تموت حينا و تلهث في النوافذ من بيوت ألقاك في غرفاتها و أشد جسمك فار و احترقا أني أريدك اشتهيك أمس ثغرك في رساله طال انتظاري و هي لا تأتي و تحترق الزوارق و التخوت في ضفه العشار تنفض و هي لاهثة ظلاله عل الرياح حملن منك لها رسالة لم تبخلين علي بالورقات بالحبر القليل و سحبه القلم الصموت إني أذوب هوى أموت و أحن منك إلى رساله | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الجمعة ديسمبر 11, 2009 1:52 pm | |
| المومس العمياء الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه. وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق، كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه، وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف من أي وجر للذئاب؟ من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟ ""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة، والليل زاد لها عماها. والعابرون: الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظنون، والأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور: موتى تخاف من النشور قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور! أحفاد ""أوديب"" الضرير ووارثوه المبصورن. جوكست أرملة كأمس، وباب ""طيبة"" ما يزال يلقي ""أبو الهول"" الرهيب عليه، من رعب ظلال والموت يلهث في سؤال باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه. وما الجواب؟ ""أنا"" قال بعض العابرين... وانسلّت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم يبحثن في النيران عن قطرات ماء... عن رشاش. لا تنقلن خطاك فالمبغى ""علائي"" الأديم: أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح، يتضاحكون ويعولون. أو يهمسون بما جناه أب يبرّؤه الصباح مما جناه، ويتبعون صدى خطاك إلى السكون الحارس المكدود يعبر متعبات، النون في أحداقهن يرف كالطير السجين، وعلى الشفاه أو الجبين تترنح البسمات والأصباغ ثكلى، باكيات، متعثرات بالعيون وبالخطى والقهقهات، أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور، وكأنها درج إلى الشهوات، تزحمه الثغور حتى تهدم أو يكاد. سوى بقايا من صخور. جيف تستّر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها أن الطفولة فجّرتها ذات يوم بالضياء كالجدول الثرثار - أو أن الصباح رأى خطاها في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء، ويكاد ينكر أن شقا لاح من خلل الطلاء قد كان - حتى قبل أعوام من الدم والخطيئة - ثغرا يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئه لأب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء: لأب يقبل وجه طفلته الندي أو الجبين أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء. ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء حتى يجف على العظام - وأن عارا كالوباء يصم الجباه فليس تغسل منه إلا بالدماء سيحل من ذاك الجبين به ويلحق بالبنين - والساعدين الأبيضين، كما تنور في السهول تفاحة عذراء، سوف يطوقان مع السنين كالحيتين، خصور آلاف الرجال المتعبين الخارجين خروج آدم، من نعيم في الحقول تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح المال، شيطان المدينه إبر تسل بها خيوط من وشائع في الحنايا وتظل تنسج، بينهن وبين حشد العابرين، شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين: حقد سيعصف بالرجال والأخريات، النائمات هناك في كنف الرجال والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين حول الصلاء بلا اطراح للثياب ولا اغتسال في الزمهرير، ودون عد لليالى والسنين! ويمر عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه خطواته العجلي، وصرخته الطويلة ""يا طيور هذي الطيور، فمن يقول تعال..."" أفزعها صداه وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور، وتوسلته: ""فدى لعينك - خلني. بيدي أراها"". ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور! وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها، وتظل تذكر - وهي تمسحهن - أجنحة سواها كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها: سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب ويرج وشوشة السكون طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون. هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟ ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون. وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها: هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها. مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها. يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟ لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد. قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء هو والسنابل والمساء - وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور، وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها. ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟ حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها وقضى عليه بأن يجوع والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع) والله - عز الله - شاء أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق دون الأزقة أجمعين ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟ يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا، أزراره المتألقات على مغالق كل باب مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا، وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف.. فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء، ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء - كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء: عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها! لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟ وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟ وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه. أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟ حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار هي - منذ أن عميت - ""صباح""... فأي سخرية مريره! أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟ أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟ القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟ وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟ ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟ شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو هو ذا يجيء - وتشرئبّ، وكاد يلمس ... ثم راح وتدقّ في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟ الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون. كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟ الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون، مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون حلما لها هي والمنون: عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون، والآن عادوا ينقضون - خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح - ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ... شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون، هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح، والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح - من شمسه الوضاء... وانصرفواسكارى يضحكون! ستعيش للثأر الرهيب والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم واللــهيب شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها، لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره، واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره، وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره متعطشين - على المفارق والدروب - إلى دماها. وكأن موجة حقدها ورؤى أساها. كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها: كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟ كانوا جياعا - مثلها هي أو أبيها - بائسين، هم مثلها - وهم الرجال - ومثل آلاف البغايا بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء: كانوا مقطبة الجباه من الصخور ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء! وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء. هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور، دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين، والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين: وطلول مقبرة تضم رفات ""هابيل"" الجنين! سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله: ""يأجوج"" يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله ويعض جندله الأصم، وكف ""مأجوج"" الثقيله تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام. والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام، الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير! لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون... والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون، لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال. وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام، وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام - شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق: لو يقطعون الليل بحثا والنهار - على سواها في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها وبسعرها هي ؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟ عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه. وتلوب أغنية قديمه في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟ ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها! لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟ عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون كالرعد في ليل الشتاء ولعل غيره ""ياسمين"" وحقدها سبب البلاء فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور وجها تطفأت النواظر فيه.... كيف هو الطلاء؟ وكيف أبدو؟ - وردة ... قمر... ضياء! زور.. وكل الخلق زور، والكون مين وافتراء لو تبصر المرآة - لمحة مقلتيها - لو تراها - لمح النيازك - ثم تغرق من جديد في عماها! برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه، ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟ وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه: تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها! كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب - مقلتاها، والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير، تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير. ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء! أن يعجز الإنسان عن أن يستجير من الشقاء حتى بوهم أو برؤيا، أن عيش بلا رجاء... أو ليس ذاك هو الجحيم؟ أليس عدلا أن يزول؟ شبع الذباب من القمامة في المدينة، والخيول سرحن من عرباتهن إلى الحظائر والحقول، والناس ناموا - هذا الذي عرضته كالسلع القديمة: كالحذاء، أو كالجرار الباليات، كأسطوانات الغناء... هذا الذي يأبي عليها مشتر أن يشتريه قد كان عرضا - يوم كان - ككل أعراض النساء! كان الفضاء يضيق عن سعة، وترتخص الدماء إن رنق النظر الأثيم عليه. كان هو الإباء والعزة القعساء والشرف الرفيع. فشاهديه يا أعين الظلماء، وامتلئي بغيظك وارجميه بشواظ عارك واحتقارك يا عيون الأغبياء! للموت جوعا، بعد موتي - ميتة الأحياء - عارا. لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابة لي أو وقارا. مازلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء كالقمح لونك يا ابنة العرب، كالفجر بين عرائش العنب أو كالفرات، على ملامحه دعة الثرى وضراوة الذهب. عربية أنا: أمتى دمها خير الدماء... كما يقول أبي. تجري دماء الفاتحين. فلوثوها، يا رجال أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواء ترى شقائي إلا العفاة المفلسين. أنا زهرة المستنقعات، أعب من وحل وطين وأشع لون ضحى... وذكرا بجعجعة السنين سعالها. ذهب الشباب!! ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين. وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب، فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب، يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين دما يجف فتشترين سواه: كالمصباح والزيت الذي تستأجرين. عشرون عاما قد مضين، وشبت أنت، وما يزال يذرذر الأضواء في مقل الرجال. لو كنت تدخرين أجر سناه ذاك على السنين أثريت.. ها هو ذا يضيء فأي شيء تملكين؟ ويح العراق! أكان عدلا فيه أنك تدفعين سهاد مقتلك الضريره ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيره؟ كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟ عشرون عاما قد مضين، وأنت غرثى تأكلين بنيك من سغب، وظمأى تشربين حليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين! وكزارع له البذور وراح يقتلع الجذور من جوعه، وأتى الربيع فما تفتحت الزهور ولا تنفست السنابل فيه... ليس سوى الصخور سوى الرمال، سوى الفلاه - خنت الحياة بغير علمك، في اكتداحك للحياه! كم رد موتك عنك موت بنيك. إنك تقطعين حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه، حبلا به تتعلقين على الحياة: تضاجعين ولا ثمار سوى الدموع، وتأكلين، وتسهرين ولا عيون، وتصرخين ولا شفاه، وغدا. وأمس ... وألف أمس - كأنما مسح الزمان حدود ما لك فيه من ماض وآت ثم دار، فلا حدود ما بين ليلك والنهار، وليس، ثم، سوى الوجود سوى الظلام، ووطء أجساد الزبائن، والنقود، ولا زمان، سوى الأريكة والسرير، ولا مكان! لم تسحبين ليالى السأم المسهدة الرتيبه؟ ما العمر؟ ما الأيام؟ عندك، ما الشهور؟ وما السنين؟ ماتت ""رجاء"" فلا رجاء ثكلت زهرتك الحبيبه! بالأمس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين. كانت عزاءك في المصيبه، وربيع قفرتك الجديبه. كانت نقاءك في الفجور، ونسمة لك في الهجير، وخلاصك الموعود، والغبش الالهي الكبير! ما كان حكمه أن تجيء إلى الوجود وأن تموت؟ ألتشرب اللبن المرنق بالخطيئة واللعاب: أو شال ما تركته في ثدييك أشداق الذئاب؟ مات الضجيج وأنت، بعد، على انتظارك تتنصتين، فتسمعين رنين أقفال الحديد يموت، في سأم، صداه: الباب أوصد ذاك ليل مر... فانتظري سواه. | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الأحد يناير 17, 2010 2:42 am | |
| وغدا سألقاها و غدا سألقاها سأشدها شدا فتهمس بي رحماك ثم تقول عيناها مزق نهودي ضم أواها ردفي واطو برعشة اللهب ظهري كأن جزيرة العرب تسري عليه بطيب رياها و يموج تحت يدي و يرتجف بين التمنع و الرضا ردف و تشب عند مفارق الشعر نار تدغدها هو السعف من قريتي رعشت لدى النهر خوصاته و تلين لا تدري أيان تنقذف و يهيم ثغري و هو منخطف أعمى تلمس دربه يقف و يجس نهداها يتراعشان جوانب الظهر تصطك سوف تبل بالقطر سأذوب فيها حين ألقاها | |
|
| |
الهادي الزغيدي مدير الموقع
عدد المساهمات : 4023 نقاط : 24071 تاريخ التسجيل : 08/11/2009 العمر : 49 الموقع : تونس
| موضوع: رد: بدر شاكر السياب الأحد يناير 17, 2010 2:49 am | |
| المعول الحجري رنين المعول الحجري في المرتج من نبضي يدمر في خيالي صورة الأرض ويهدم برج بابل يقلع الأبواب يخلع كل آجره ويحرق من جنائنها المعلقة الذي فيها فلا ماء ولا ظل ولا زهره وينبذني طريدا عند كهف ليس تحمي بابه صخره لا تدمي سوادالليل نار فيه يحييني وأحييها يا كواسر يا أسود ويا نمور ومزقي الانسان اذ أخذته رجفة ما يبث الليل من رعب فضحجي بالزئير وزلزلي قبره دماغي وارث الأجيال عابر لة الأكوان سيأكل مته داء شل من قدمي وشديدا على قلبي كلام ذاك أصدق من نبؤة أي عراف تريه مسالك الشهب حمى الأسرار تطلعه على المتربص الخافي اذا نطق الطبيب فأسكتوا العراف والفوال رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال فدونك يا خيال مدى وآفاق وألف سماء وفجر من نجومك من ملايين الشموس من الأضواء وأشعل في دمي زلزال لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي وأوهامي وأسفح نفسي الشكلى على الورق سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق ورغم الفقر أن يحيا ويا مرضي قناع الموت أنت وهل ترى لو أسفر الموت أخاف ألا التكشير الصفراء والثقبين حيث امتصت العينين جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي لقد كتبوا أساميهم على الماء ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء وداعا يا صحابي يا أحبائي اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء ولا فهو محض اسم تبد بين اسماء وداعا يا أحبائي | |
|
| |
| بدر شاكر السياب | |
|